مثقفون عراقيون لـ «الشرق الأوسط»: المسلسل حمل مغالطات كبيرة وسخر من معاناة العراقيين

ناجي عطا الله يؤجج سيرة «الاحتراب الطائفي» في العراق من جديد

مشهد من مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» («الشرق الأوسط»)
TT

أثار عرض مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» للفنان الكوميدي عادل إمام ورحلته في كثير من الدول العربية، جدلا وامتعاضا كبيرين في الأوساط الفنية والثقافية وحتى الشعبية العراقية، أفرزت العودة لسيرة «الاحتراب الطائفي» التي سادت أوضاع العراق خلال أعوام 2006 - 2009، وغضب كثير من الفئات التي تناولها المسلسل خصوصا عناصر الصحوات، الذين كان لهم قصب السبق في محاربة تنظيم القاعدة في العراق أواخر عام 2006.

وبينما وجد كثيرون أن مساهمة الفنانين العراقيين في مسلسلات عربية في دراما رمضان الماضي أمر في غاية الأهمية لا سيما المساهمة المتميزة للفنان جواد الشكرجي الذي مثل دور «أبو جهل» في مسلسل «عمر» فإنه في الوقت الذي بدت فيه مساهمة الفنانين بهجت الجبوري وباسم القهار ومهدي الحسيني وراسم منصور وغيرهم أمرا في غاية الأهمية، إلا أن زاوية الرؤية التي جسدها المسلسل للواقع العربي جلبت النقمة على المسلسل وعلى هؤلاء الممثلين أكثر مما عبرت عن السعادة لمشاركتهم في مسلسل عربي وأمام فنان كبير بحجم عادل إمام.

الخلافات العراقية حول المسلسل، ومثلما تحدث عنها عدد من المثقفين والفنانين لـ«الشرق الأوسط» تمثلت في وجهة النظر السلبية التي عرض من خلالها المسلسل الواقع العراقي بعكس رؤيته للأوضاع في غزة وجنوب لبنان وسوريا بل وحتى الصومال، إضافة إلى المغالطات الكثيرة في أحداثه وسخريتها من معاناة الشعب العراقي خلال سنوات الاحتراب الطائفي.

رئيس مجلس صحوة الأنبار الشيخ أحمد أبو ريشة، اعتبر في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن المسلسل يعد توثيقا حقيقيا لحقبة دعم نظام الأسد لتنظيم القاعدة في العراق، وقال: «إن بطل العمل عادل إمام حاول إيصال رسالة مفادها أن السوريين يستهدفون الإرهاب بالعراق، وهم يصورون أن تدخل النظام السوري في الشأن العراقي لأجل مقاومته، في إشارة إلى مفردة الشباب التي أطلقها أحد رجالات المخابرات السورية على عناصر القاعدة في حين كان لهم دور بارز في قتل زعيم الصحوة الراحل ستار أبو ريشة». وأضاف: «زعيم الصحوة استشهد على يد الإرهابيين الذين يطلق عليهم أحد رجالات المخابرات السورية خلال العمل مفردة (الشباب) من قبل النظام السوري الذي نحمله ما حدث بالأنبار في تلك الفترة بشكل خاص»، مبينا أن «هناك تلميحا لضلوع جهات خارجية والصحوة أرفع من أن توسم بأي من تلك الاتهامات، كونها مشروعا وطنيا نجح في القضاء على الإرهاب في وقت عجزت عشرات الأحزاب والحركات من تحقيق ذلك.

وتدور أحداث الحلقة الثانية والعشرين من المسلسل في العراق حيث يدور حوار بين ضابط بالمخابرات السورية وعطا الله بشأن الأحداث التي شهدها العراق بعد دخول القوات الأميركية ودور قوات «الصحوة» والشيخ أبو ريشة، الذي يقول فيه الضابط السوري إن أبو ريشة قتل على يد «الشباب» لأنه أصبح ضمن المشروع الأميركي، حيث يحاول أبو القاسم شرح ما قام به الشيخ الراحل أبو ريشة وكيف استطاع الوقوف في وجه الفوضى وقيامه باستتباب الأمن وإحلال الاستقرار في المحافظة، فيسأله ناجي أين ستار أبو ريشة الآن فيقول له أبو القاسم: «أبو ريشة قتل على يد (الشباب) لأنه أصبح ضمن المشروع الأميركي».

وعن بقية الانتقادات الأخرى التي وجهت للمسلسل يقول الأديب إبراهيم خياط المتحدث الرسمي للاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين لـ«الشرق الأوسط»: «افتقر المسلسل إلى المصداقية في كثير من أحداثه، وهو أقرب إلى مسلسلات من إنتاج النظام السابق لأنه ركز على الزبد وتناسى كثيرا من إيجابيات الواقع العراقي في تصديه للإرهاب والطائفية التي انتهت على الرغم من محاولات تأجيجها بين الحين والآخر بأساليب قذرة». وأضاف: «المسلسل طرح مسألة أرامل العراق بشكل مهين وبطريقة لا ترضي أحدا، مما أثار غضبا شعبيا واسعا، إذ لا يخلو بيت عراقي من أرملة، كما أنه حمل تعديا سافرا على النساء العراقيات بسخرية لا يرتضيها ومتاجرة لمعاناتها، وهي التي قدمت أروع صور البطولة والتضحية خلال أحداث العراق الصعبة».

وأوضح: «ليس هذا فقط فإن المسلسل حمل أخطاء قاتلة في التاريخ.. فالعام الذي حل فيه أبطال المسلسل في العراق هو عام 2009 بينما يتحدث المسلسل عن أوضاع 2006 التي شهدت ذروة الاحتراب الطائفي فيه»؟. فيما قال الإعلامي عماد جاسم، إن حالة الخلاف على مسلسل «ناجي عطا الله» تعكس صعوبة توافق الانطباعات للجمهور العراقي المنقسم الآن سياسيا بين متفق مع الحكومة لأسباب طائفية أو أسباب أخرى، وبين معارضين لأسباب كثيرة أولها طائفي، وفيها توجهات سياسية وأخرى تنبثق من رفض الواقع المزري من غياب الخدمات والفساد المتعاظم ونفوذ السياسيين وحماقاتهم، التي تثير اشمئزاز وحقد الناس الذين يجدون أي نوع من النقد للحكومة هو مقبول وإن كان لا يستند إلى معايير موضوعية كما حصل مع عادل إمام الذي استسهل الحالة بين مقاومين للاحتلال ومع الاحتلال.

وأضاف: «حملت المشاهد الساخرة استفزازا لكثير من العراقيين بالأخص السخرية من أعداد الأرامل، وإمكانية أن يكون أحد شباب الفرقة وهو إبراهيم على علاقة معهن وفي ذلك استهانة بمشاعر المجروحين من العراقيين».

انتقادات الشارع العراقي للفنان بهجت الجبوري حلت في المرتبة الثانية وهو يمثل شخصية مدرس عراقي سني يعيش في منطقة الأعظمية، وله علاقة مع أبو القاسم بسبب ما جاء من حوارات تحمل مغالطات في الأحداث من بينها أن المدرس في العراق يجلس في بيته ويتسلم راتبه بسبب تدهور الوضع الأمني، في حين أن المدارس العراقية واصلت دوامها على الرغم من صعوبة الأوضاع الأمنية آنذاك.

الفنان فلاح إبراهيم تساءل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «أي تفاهة يقدمها لنا المسلسل وهو يلح أن سرقة بنك هو انتصار للعرب؟!»، ثم أضاف: «أنا ضد أي فنان يعمل في عمل فني يتناول الموضوع العراقي ويكون العمل فيه إساءة للعراق، ولكني لست ضد بهجت الجبوري أو أي فنان عراقي».

وأضاف: «المسلسل ليس واقعيا، وأظهر العراقيين على أنهم عملاء لإسرائيل، كما أنه حمل أخطاء كثيرة، وفلسطين لا تتحرر بسرقة بنك ولا بهذه السذاجة في الطرح، والأهم من ذلك ما تناوله من صراعات بين طائفتي السنة والشيعة، التي انتهت الآن وانتصر عليها العراقيون بعزيمتهم وإرادتهم وهو ما لم يقدمه لنا المسلسل».

وقد رد الفنان بهجت الجبوري على ما قدمه مع «فرقة ناجي عطا الله» خلال تصريحات صحافية بالقول: «إن ما طرح في المسلسل موجود في الواقع كله وحتى اليوم، ولم يطرح المسلسل مسائل خارجية أو زيادة على ما هو موجود». وأضاف: «ليس بالحايط النصيص (الجدار الواطئ)، الذي يحاول البعض العبور من فوقه، وأعرف ما أعمل، وضرب مثلا ببرنامج (سحور سياسي) وما يتم طرحه فيه من مواضيع تخص البلد».

مشيرا إلى أنه عدل كثيرا على النص الذي طرح عليه، لكنه تحدث عن صورة العراق بعد انهيار نظامه مباشرة، والأحداث المأساوية التي واجهته بعد تشكيل الحكومة الجديدة.

في حين قدم أحد الفنانين العراقيين المشاركين في المسلسل وهو الفنان راسم منصور اعتذارا عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» وجهه للشعب العراقي بعد الانتقادات التي وجهت للمسلسل والإساءات التي حصلت للكثير من فئاته، مشيرا في رسالة اعتذاره إلى أنه حاول التقليل بالقدر المتاح له من حجم الضرر والإساءة التي صدرت في المسلسل خصوصا لعوائل الشهداء والمفقودين والأرامل، محملا النوايا والأهداف لدى صانعي العمل مسؤولية ما حصل.