استوديو «رؤية» للفنون التشكيلية بجدة يمد جسور التواصل بين الفنانين في المنطقة

عبر العروض الفردية والجماعية التي تتعاطى مع التيارات البصرية الجديدة

لوحة علا الأيوبي
TT

تصاعدت موجة العروض البصرية في استوديو «رؤية» للفنون بمدينة جدة، ولفتت القاعة ببساطتها أنظار فناني المدينة ومحبي الفنون لتعدد الاحتمالات التي يمكن للفنان أن يقدمها لجمهور بات متعطشا للتيارات الفنية الجديدة والمؤثرة فيها. وظهرت هذه الصورة جلية في اختيار العروض الفردية والجماعية التي تتعاطى مع التيارات البصرية الجديدة، كما في «بوب آرت» أو الأعمال المركبة أو التجريدية المتطرفة، التي تكشف بلاغة جيل من الشباب في التعاطي مع ما يدور في مخيلاتهم الفكرية والجمالية.

وقد شكل معرض «ملامح» للفنانة علا الأيوبي من سوريا نمطا من التجارب التي لا يمكن تجاوز حضورها الجمالي منذ آندي وارهول الذي داعبت معطياته نجمة الفن الأميركي مارلين مونرو. فاستلهمت الأيوبي وجوه بعض نجمات السينما والغناء العربي مختزلة من كل نجمة بعض تعبيرات الوجه تكشف من خلاله رؤيتها الإنسانية وتفاصيل تبرز بحس تعبيري ما يتناسب مع واقع وحال الشخصية أكثر مما هو متخيل، ولعل الصورة التعبيرية العامة التي تتناولها الفنانة لا تخرج بأي حال عن تصوير مفهوم ما عن الفرح أو الحزن أو الألم ونحوهما، التي ترصدها على شخصياتها من النساء فحسب مثل أم كلثوم وشادية وأسمهان وفاتن حمامة وسعاد حسني وقد اختزلت هذه الوجوه وفق تقنيات تجمع فيها بين الأصباغ والكولاج التي تتصاعد أو تقل حدتها على الوجوه، فيما تحشد زخما من الألوان المتقاربة والمتضادة وتنوعا تقنيا في ضربات الفرشاة وعناصر من الإكسسوارات تزيد من بلاغة الذائقة الجمالية عند المرأة التي تختارها بعناية يتناسب مع تعبيرات وجهها المألوف، ويبدو أن قدرة الفنانة في صناعة المقاربات اللونية والفراغات على سطوح اللوحة هو الآخر لعب دورا في الحس التلقائي والعفوي، الذي ظهر على أعمالها في المعرض.

من جانب آخر، استضاف الاستوديو معرض «تقاسيم» ضم 4 فنانين، من بينهم تجربة البحريني محمد المهدي الذي تستلهم أعماله طقوسا متعددة من الرسوم والألعاب الطفولية التي تتمتع بتلقائية وعفوية متناهية ومن دون أدنى عناية بالمنظور الشكلي، حيث تأتي عناصر لوحاته محملة بدلالات رمزية وعلاقات مستوحاة من الذاكرة الطفولية ذاتها فيما تحتل أماكنها مركزا حسب أهميتها السردية في الموضوع. ولعل واحدا من أشد ما يميز المهدي هو انحيازه لعوالم تنهمك في الطفولة بشاعرية تعبيرية مفرطة وتبرز ألوانه أهازيج من الآمل والغبطة ترتكز على مفاهيم حيوية تكمن في مخيلة الطفل ذاته باعتبارها ملاذا يؤنس شخصيته المرهفة ويرضي ذائقته النزيهة ومستوى وعيه الجمالي ويزيد من حساسيتها استخدامه للألوان الزاهية، كالأحمر والوردي، وخربشات من خطوط وهمية بالأسود أو الأبيض، الذي يحدد به الأشخاص والكائنات الطفولية التي تعكس صورا مثيرة ومؤثرة.

في حين يهتم حسن السياري من البحرين بدراسة الشخوص في بنية حضورها المتجاور أو المتقارب، كما في حبكة مسرحية أو درامية، وتأتي هذه الصورة وفق تقنياته التعبيرية التي تقع في أجواء لونية تسيطر عليها فضاءات معتمة وخلفيات ترتكز على المتضادات اللونية لتأكيد بلاغة الشخوص الإنسانية الدراماتيكي، وقد لا تخرج تأثيراتها التقنية كثيرا عن مواطنه محمد المهدي، بل تكاد تكون متقاربة في طقوسها ومعالجتها التلقائية. وقد تجمع الاثنان علاقات بصرية متينة تتمتع بحضور مشترك في غير فعالية دولية.

في وقت لاحق نظم استوديو رؤية للفنون معرض «مساحة» لمجموعة من الفنانين العرب، من بينهم يوسف جاها وفهد الحجيلان وحسين المحسن من السعودية، وعادل ثروت وجيهان صالح من مصر، بينما شارك من البحرين فنانون، من بينهم أحمد عنان، وعمر الراشد، وإبراهيم بوسعد، وجعفر العريبي، وجاءت تجربة يوسف جاها بليغة في ممرات طقوسها التي تتعاطى مع التجريدية التعبيرية.

وقد أضاف حضورها في المعرض بُعدا جماليا بفضل حيوية صباغاته المتناسقة، التي تتمتع بحساسية بليغة وخيالية مترفة وتبدو أعماله في تكوينها مثل رمال متحركة وسط سديم من السحب المتراكمة.

من جهة أخرى، أكدت المشرفة على الاستوديو الفنانة دينا رشدي العظمة أن الهدف من إقامة هذه المعارض هو مد جسور التواصل بين الفنانين في المنطقة وتجسير المسافة بينهم لتبادل الخبرات والثقافات، آخذين في الاعتبار أن الفن التشكيلي لغة عالمية تعبر المسافات دون الحاجة إلى ترجمة، بما يجعل من حقيقة التواصل أمرا واقعا يستلزم تهيئة المكان له فقط. وأضافت قائلة: «إننا نعمل على اختيار التجارب بعناية تهدف إلى إثراء الساحة التشكيلية المحلية بالأعمال المتميزة، التي من شأنها أن تمنح المتذوق ومحبي الفنون والفنانين على حد سواء درجات متفاوتة ومتقاربة من الإبداع للوقوف على تجارب جمالية جديدة. وأكدت العظمة أن المعارض المقبلة ستكون أكثر نوعية وتتناسب مع تطلعات الواقع التشكيلي المحلي، وذكرت أن من بينها معرض الفنان السعودي عبد الله حماس والسوداني عمر صبير وآخرون تتمتع تجاربهم بفرادة متميزة.