ألمانيا تجرب أطول حافلة في العالم

صديقة للبيئة.. طولها 30 مترا وتتسع لـ256 راكبا

صورة «الأوتوترام» من معهد «فراونهوفر»
TT

بعد المحركات الهجينة في السيارات، بمعنى السيارات العاملة بمحركين أحدهما كهربائي والآخر وقودي، دخل العالم عصر وسائط النقل الهجينة مثل السيارة الطائرة، وشاحنة النقل الكهربائية والدراجات الموتوسكلية. ويبدو أن الألمان أضافوا اليوم نوعا جديدا من وسائط النقل وهو الحافلة الترام.

والحديث هنا عن أطول حافلة لنقل الركاب في العالم، من صنع ألماني، ويخطط المنتجون إلى تجربتها الآن في مدينة دريسدن الألمانية الشرقية. ويبلغ طول الحافلة، التي تحمل اسم «الحافلة الترام»، 30 مترا، وتتسع لـ256 جالسا. وحسب مصادر رئاسة مشروع الحافلة الترام، فإن الحافلة الهجين سهلة الانقياد، لا تحتاج إلى إجازة سياقة خاصة، كما أنها مزودة بنظام إلكتروني يضمن حركة جسدها الطويل بمرونة، ودون أن تتعرض للحوادث، أو تعرض حياة الآخرين إلى الخطر.

شارك في تصميم وإنتاج «الأوتوترام» عدة جهات ألمانية بينها معهد «فراونهوفر» لأنظمة النقل والهياكل الارتكازية (دريسدن)، وجامعة دريسدن التقنية، ومعهد «كارلسروه التقني». ودام العمل، الذي تلقى دعما ألمانيا وأوروبيا، عدة سنوات كي يصار إلى إنتاج حافلة كبيرة ملائمة لنقل السكان في مختلف بلدان العالم، وليس في ألمانيا فحسب.

وذكر الباحث ماتياس كلنجر، من معهد «فراونهوفر»، أن تصميم وإنتاج حافلة كبيرة جدا ليس بالأمر الصعب، لكن الصعوبة تكمن في تصميمها بحيث تصبح صالحة للحركة في شوارع المدن المزدحمة، عدم تسببها في الزحام على الطرقات، وعدم مشاركتها في تعزيز تلوث بيئة المدن. فالتحدي الثاني أمام المصممين كان إنتاج أوتوترام كبير، وتحريكه بمحركات تطلق أقل ما يمكن من غاز ثاني أوكسيد الكربون والسخام.

تتألف الحافلة الترام من 3 وحدات، لكن المهندسين زودوها بنظام إلكتروني يجعلها تتناسق في حركتها مثل الثعبان. «الأوتوترام» يسير بسهولة مثل الحافلة التقليدية من طول 12 مترا، ويمكنه التحرك إلى الخلف تماما كما يتحرك إلى الأمام، وكذلك في المنعطفات الصعبة والحواري الضيقة. ويعود الفضل في ذلك إلى نظام قيادة إلكتروني تم تركيبه على محاور الحافلة، وينسق بين حركة أجزاء جسم الحافلة الذي يشبه القطار. ويضمن هذا النظام أن تلحق أجزاء الحافلة الخلفية بجزء الحافلة الذي يقوده السائق، والذي يصدر منه الأوامر إلى النظام الإلكتروني.

وحسب الباحث كلينجر فإن «الأوتوترام» ينقل عددا من الركاب لا تستطيع نقله أية حافلة أخرى، وهذا ما يجعله مناسبا جدا للمدن السياحية والرحلات. وما يميز الحافلة الترام عن الحافلة التقليدية، وعن الترام أيضا، هو أن تكلفة إنتاجها أقل بكثير. ويعتمد المنتجون على رحلات الحافلة الترام التجريبية المقبلة في دريسدن للاطلاع على مدى ملاءمتها للنظام المروري السائد.

وهذا الترام - الحافلة، إذ إنه من الممكن تسميته هكذا أيضا، ليس بحاجة إلى خطوط كهرباء في أعلى الشارع، ولا إلى خطوط سكك، ولكن قد تستجد الحاجة لتوسيع مواقف الحافلات التقليدية كي تتسع إلى طوله الفارع. وعلى هذه الأساس فإن من الممكن أيضا في المستقبل إنتاجه بطابقين، كي يلائم حركة المرور في العاصمة برلين مثلا، حيث تتحرك هناك الحافلات العالية ذات الطابقين.

يتحرك الأوتوترام حاليا في مدينة دريسدن بواسطة محرك هجين، بمعنى أنه يتحرك بواسطة محرك كهربائي يعينه في ذلك محرك يعمل بالوقود. وعلى هذا الأساس فإنه أكثر بيئية من كافة الحافلات التقليدية العاملة على الشوارع الألمانية. ولكن هذه الحالة مؤقتة، ومناسبة للمرحلة التجريبية المخطط لها في دريسدن، لأن معهد «فراونهوفر» يعمل الآن على تطوير محرك كهربائي واحد لتحريك الحافلة الكبيرة، ويفترض، في المرحلة الثانية من التجربة، أن يتحرك الأوتوترام بواسطة بطارية، يجري شحنها كهربائيا، وتكفي لتحريكه مسافة 8 كلم، قبل أن تستجد الحاجة لشحنه مجددا. ويخطط المعهد لاحقا لتحويل الحافلة الترام إلى وسيطة نقل بيئية مائة في المائة تتحرك بواسطة محرك كهربائي فقط.

علما، وحسب تصريح كلينجر، أن المهندسين فكروا أيضا في تطوير تقنية خلايا وقود مناسبة لتحريك ثعبان «الأوتوترام» على الطرقات. إلا أنهم صرفوا النظر عن الموضوع بسبب ارتفاع التكلفة، ولاعتقادهم بأن سيارة المستقبل ستكون كهربائية.

تجري حاليا تجربة الحافلة الترام على ساحة للتجارب في جامعة دريسدن التقنية. ويعمل خبراء المرور في نفس الوقت على فحص مدى صلاحية الحافلة للنقل على الطرقات. وهذه أمور روتينية من المنتظر أن ينتهي العمل بها خلال شهر ليبدأ التطبيق العملي لرحلات «الأوتوترام» على شوارع دريسدن في الخريف القادم.

حضر التجارب الجارية في جامعة دريسدن كل من ستانيسلاف تيليش، رئيس وزراء ولاية سكسكونيا، وانيته شافان وزيرة النقل الاتحادية، لأن ألمانيا كلها تعول على المشروع اقتصاديا أيضا. وتقول مصادر وزارة النقل إن الحافلة الكبيرة، الصالحة للمدن المزدحمة، وجدت اهتماما من قبل شنغهاي ونيودلهي وموسكو، إضافة إلى اهتمام بلدان عربية خليجية.

على أية حال فإن من يود الحصول على «الأوتوترام» أن يدفع جيدا رغم أن سعره لا يرتفع إلى أسعار الترامات، وملحقاتها مثل خطوط السكك والأسلاك الكهربائية. فمشروع إنتاج الحافلة الترام كلف 4.3 مليون يورو، ومن غير المعتقد أن سعره سيقل كثيرا، في المرحلة الأولى من التسويق، عن هذا الرقم.

يذكر أن منتج حافلات السكن (الكارافان) «كيترر» عرض في المعرض الدولي للكارافان في دسلدورف، أكبر حافلة للنقل من نوعها في العالم. والسيارة عبارة عن بيت متنقل ومزود بأحدث وسائل الراحة، والممتدة بين المطبخ وغرفة النوم، ووسائل التبريد والتدفئة. فضلا عن ذلك فإن الكارافان يتسع لدخول السيارة التي تسحبه ليلا في «أحشائه»، خشية السرقة، كما أن سعره لا يقل عن سعر بيت عادي.