نوافذ إدوارد هوبر في معرض إسباني

أهم الفنانين الأميركيين بعيون أوروبية

معرض أعمال هوبر يظهر إعادة تقديم المشاهد الأميركية في القرن العشرين لها جذور أوروبية
TT

لقد كانت دائما النافذة من أكثر الزوايا في أي لوحة إثارة للاهتمام؛ حيث تسهل من خلالها المشاركة في حوار خيالي داخل المنزل أو الشعور بكيفية إحساس المرء بالسعادة أو التعاسة. ويعد رائد تلك التقنية هو الفنان الأميركي إدوارد هوبر (1882 - 1967). وربما يكون ذلك هو السبب الذي دفع المتحف الإسباني «تيسين» لأن يظهر مدى إمكانية رواية قصة طويلة فقط عبر لمحة من النافذة. أو ربما كان ذلك لأن المتحف لديه أهم الأعمال الفنية للفنان هوبر في أوروبا.

بالإضافة إلى أن هوبر قد تمكن من المزج، ببراعة لا يضاهيها غيره، بين وجهة النظر الأميركية والأسلوب العالمي من خلال التعبير بالألوان والمنظور. ولذلك، يحاول المعرض تقديم أهم أعمال أحد أهم الفنانين الأميركيين ولكن بعين أوروبية.

ويصر مديرا المعرض، توماس ليورنس، وديدييه أوتنغر، أن معرض أعمال هوبر يظهر كيف أن تلك الطريقة في إعادة تقديم المشاهد الأميركية في القرن العشرين لها جذور أوروبية.

وترتبط تلك الجذور بمفهوم تصوير الحياة الحديثة على غرار مانيه وديغا، والتي وفقا لتوماس ليورنس قد «تأثر بها هوبر إلى حد كبير، بالإضافة إلى تأثير الأدب الفرنسي والشعراء الفرنسيين مثل بودلير».

بل ويمكننا مقارنة بعض أعمال هوبر مع أعمال ديغا وسكرت، مثل لوحة ديغا على سبيل المثال، حول الورشة التي يحتفي فيها بالعمال في الثورة الصناعية في فرنسا.

ويضيف ليورنس: «ليس من الصعب إيجاد صلة بين هوبر وتلك الأعمال الواقعية ومن الأسهل أن نجد صلة بينه وبين تاريخ الثقافة الأميركية ومزاج ذلك المجتمع، كما أصر ليورنس على أن ذلك النوع من «الظواهر الثقافية» يجب أن تكون له جذور معقدة مثلما هو الحال حتى الآن.

على أي حال، يعد المعرض، الذي يستمر حتى 16 سبتمبر (أيلول)، فرصة للاطلاع على أعمال لم تعرض من قبل في أوروبا ويرجع الفضل في ذلك إلى تعاون المتاحف والمؤسسات الكبرى في الولايات المتحدة (موما، ومتحف المتروبوليتان بنيويورك، ومتحف الفنون الجميلة ببوسطن، وقاعة إديسون للفن الأميركي (أندوفر)، وأكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة (فيلادلفيا). كما يرجع الفضل أيضا إلى تقديم البعض عددا من المقتنيات الخاصة خاصة مجموعة جوزفين هوبر، زوجة الفنان نفسه.

تم عرض اللوحات على جدران رمادية، تشبه تلك الجدران التي كان هوبر يرسم عليها الكثير من لوحاته. وكانت أولى الخطوات هي فترة إقامته في باريس والتي تعرف فيها على الانطباعية التي أصبحت تجربة أساسية في معالجته الخاصة للضوء والإحساس. فمن المثير للاهتمام حقا أن تشاهد كيف كان أميركي ينظر إلى باريس في بداية القرن الماضي.

بل وحتى من الممكن أن تعقد المقارنة بين لوحتي المرأة التي تعمل على الحياكة داخل المنزل، التي قدم أولها فالوتون فلكس فيما قدم الأخرى «ماكينة الحياكة» الفنان هوبر.

في تلك القاعات، يستطيع الزائر أن يطلع أيضا على عصر هوبر من خلال أستوديو روبرت هنري، بأكاديمية نيويورك للفنون وذلك في الفترة بين 1900 و1924 وكيف حاول أن يعكس أسلوبه الحقيقي: التصوير، والرسم، والطباعة، والألوان المائية.

ويقود القسم الثاني من المعرض الزائر إلى فترة نضج الفنان، وعن ذلك يقول ليورنس: «لقد كان فنانا مقلا في أعماله للغاية... حتى أن أعماله الناضجة لم تبلغ المائة عمل». في عام 1925، أظهرت أعمال ذلك الفنان قوة وشاعرية واضحتين وهو ما تجلى في لوحة «منزل على السكة الحديد» التي تم وضعها في مكان بارز بالمعرض.

وكانت الأنماط الأساسية لأعمال هوبر ترتبط بالحياة في المدن: الخصوصية، العزلة، والسوداوية ونذر الأوقات التعسة وتعقيدات العلاقات الإنسانية. وكان كل ذلك يبحث عن نافذة...

وتعبر لوحات مثل «من جسر ويليامسبرغ» (1928): «غرفة الفندق» (1931)، و«غرفة بنيويورك» (1932): «جيشان» (1939)، و«الصيف في المدينة» (1949) ذلك النوع من الأسلوب الروائي في التصوير.

ولذلك السبب يستحق الأمر أن تتوقف أمام أي لوحة لفترة لأنك ربما تعتقد للوهلة الأولى أن تركيباته بسيطة للغاية ولكن عندما يكتشف الزائر العناية والدراسة التي تم إيلاؤهما في إبداع تلك الأعمال سيصبح عليه من السهل أن يصغي إلى قصة بطل اللوحة، وفقا للمفوضين.

وفي تلك اللوحات، يضع هوبر الناس إما فرادى، أو أزواجا، أو جماعات يظهر أعضاؤها منفصلين عن بعضهم البعض كما في لوحة «غرفة في نيويورك» (1932).

ومن الموضوعات الأخرى المفضلة بالنسبة لهوبر هي الفن المعماري الذي ظهر في لوحة «المدينة» (1927) أو «حلقة جسر مانهاتن» (1928) حيث كان دائما ما يلعب بالضوء وهو من المميزات الرئيسية للوحاته.

في تلك المرحلة من المعرض، يشعر الزائر بأنه متشبع بهوبر، ولكن مديرو المعرض جهزوا مفاجأة أخيرة للزائرين: «فقد أعد المخرج الأميركي إد لاشمان مجموعة أفلام تشتمل على إعادة تقديم لمسرحية (شمس الصباح) (1952) بالأبعاد الثلاثية».

ويتكون العرض الذي سيستمر طوال فترة المعرض من عمل ثلاثي الأبعاد للمشهد في اللوحة عاكسا استخدام هوبر للمعدات السينمائية في رسمه لذاته كخطوة أولى في إنتاج تلك اللوحة الشهيرة.