جدل حول تقليل المطاعم الأميركية الملح في الطعام

تقليل الصوديوم في الطعام يجذب انتباه قطاع كبير من الناس

هناك أدلة على أن وجود نسب عالية من الملح في الطعام يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم الذي يزيد من خطر الإصابة بالأزمات القلبية
TT

كانت تلك إشارة لافتة للنظر إلى حد ما: الأسبوع الماضي، قامت سلسلة مطاعم الدجاج المشوي «بوسطن ماركت» بإزالة الملاحات من طاولاتها، مستعيضة عنها بملصقات صغيرة - موضوعة إلى جوار علب الفلفل - يروجون فيها لرغبة الشركة في تقليل الصوديوم.

كاستراتيجية تسويقية، كانت بارعة، حيث أدت إلى اكتساب سلسلة المطاعم التي تضم 476 مطعما درجة من الشهرة تفوق تلك التي حققتها أنواع المعكرونة والجبن المعروفة التي تقدمها. وعلى الرغم من ذلك، فإنه كإجراء صحي لم يكن من المرجح أن يسفر عن أي نتيجة خلاف إثارة استهجان العملاء وإشعال الجدال المحتدم منذ فترة طويلة بشأن ما إذا كان الأفراد الذين لا يعانون من ارتفاع ضغط الدم يحتاجون بالفعل إلى تقليل المقدار الذي يتناولونه من الملح أم لا.

وقال جورج ميشال، المدير التنفيذي لـ«بوسطن ماركت»: «نحن نلغي الاتجاه إلى إضافة الملح إلى الطعام مباشرة من دون حتى تذوقه». ويضيف «وكجزء من مسؤوليتنا الاجتماعية ووعدنا بتقديم غذاء صحي، أردنا اتخاذ خطوة جريئة على هذه الشاكلة».

لقد أصبح تقليل الصوديوم في الطعام مؤخرا حدثا في مجال الطهي يجذب انتباه قطاع كبير من الناس. فبدورها، وعدت مطاعم «أوليف غاردن» و«ريد لوبستر» و«برغر كينغ» و«تاكو بيل»، إضافة إلى شركات صناعات غذائية مثل «كامبل سوب» و«بيبسيكو»، بشكل معلن بتصنيع منتجات تنخفض فيها نسبة الصوديوم (قررت شركة «كامبل» العام الماضي العودة إلى إضافة الملح لبعض أنواع الحساء التي تقدمها بعد بدء المبيعات في الهبوط).

ويرى منتقدون أن الإجراءات الوقائية تتفوق على العلم. فعلى عكس التبغ والكحوليات والمخاطر الصحية الأخرى المؤكدة منذ وقت طويل، يظل الصوديوم موضوع جدال غاضب في بعض الأحيان بين الباحثين. فليس ثمة دليل على أن الأفراد العاديين – هؤلاء الذين لا يعانون من ضغط الدم المرتفع – بحاجة إلى تقليل نسبة الصوديوم في الطعام، على حد قول منتقدين، وربما تكون كمية ضئيلة جدا من هذا العنصر الغذائي الأساسي بنفس درجة خطورة كمية هائلة منه.

وقال مايكل إتش ألدرمان، رئيس تحرير الدورية الأميركية لضغط الدم المرتفع «العلم لا يدعم جهدا لتقليل نسبة الصوديوم لدى الأفراد الذين يتناولون نحو ثلاثة غرامات ونصف غرام من الصوديوم يوميا، وهذا هو حال السواد الأعظم من الأميركيين». وأضاف «غير أننا هنا نقوم بأشياء تافهة ترتبط فقط بمجال العلاقات العامة. تشكل الملاحات نسبة 10 في المائة فقط من المقدار الذي نتناوله من الملح، ولا أعتقد أن هذا مبرر أخلاقيا».

على الجانب الآخر، يوجد مؤيدون في قطاع الصحة العامة، وعلى وجه الخصوص وزارة الزراعة الأميركية، مع دعم قوي من إدارة العمدة مايكل بلومبرغ في نيويورك. وقال مايكل جاكوبسون، المدير التنفيذي لمركز العلوم للمصلحة العامة وأحد أبرز حاملي مشعل مناهضة زيادة نسبة الملح في الطعام «ثمة دليل مقنع على أن الأنظمة الغذائية التي تشتمل على نسبة عالية من الملح تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم. وهناك أدلة مؤكدة على أن ارتفاع ضغط الدم يزيد خطر الإصابة بالأزمات القلبية والسكتة».

إنها تلك القفزة من ارتفاع ضغط الدم إلى التأثيرات على القلب، مثل الأزمات القلبية والسكتة التي لا يعتزم المنتقدون القيام بها. وقبل عامين، طالب معهد الطب إدارة الغذاء والدواء بوضع قيود على كمية الصوديوم التي يمكن أن تستخدمها المطاعم وغيرها من متعهدي تقديم الطعام. وفيما لا يتم الالتزام بتلك المعايير، فإن القضية أثارت جدلا هائلا في الدوائر السياسية المحافظة، مع سخرية معلقي «فوكس نيوز» من الاقتراح المقدم بوصفه خرقا للحريات الشخصية وحديث روش ليمبو قائلا «إنهم سوف يصادرون ملاحتنا!».

وبدا بعض زبائن «بوسطن ماركت» في حالة من الإحباط جراء هذا الموقف. وقالت ساندرا أوتيرو، التي كانت تأكل في «بوسطن ماركت» في مانهاتن الأسبوع الماضي «يبدو الأمر كما لو أننا قد تلقينا صفعة قوية. أنا شخصيا لا أتناول الملح، لأنني أفهم أضراره. لكنني ما زلت أشعر بأنني يجب أن أتمتع بحق الاختيار».

وبحسب جمعية المطاعم الوطنية، ربما يكون «بوسطن ماركت» أول سلسلة مطاعم في الدولة تسحب الملاحات من الطاولات (على الرغم من كونها متاحة على الطاولات المرتفعة التي تضم توابل إضافية). وتعتبر الأماكن الوحيدة التي تبدو فيها مثل تلك الممارسة شائعة هي بوينس آيرس، حيث يلزم قانون صحي صادر في عام 2011 زبائن المطعم الذين يرغبون في الحصول على ملاحة بأن يطلبوا من النادل واحدة، وفي المطاعم الفاخرة، حيث تكون لدى الطهاة قناعة بأن الأطباق التي تخرج من مطابخهم متبلة بشكل مثالي.

في الولايات المتحدة، يبدو أن هناك قبولا محدودا لفكرة سحب الملاحات من طاولات المطاعم. وقد تم رفض اقتراح مقدم من إدارة تقدم العمر في أوهايو هذا الصيف بإزالة الملاحات من المراكز الكبرى. ولم يكن رد الفعل تجاه خطوة «بوسطن ماركت»، التي تعتبر جزءا من جهد يرمي إلى تقليل الصوديوم في الطعام الذي تقدمه بنسبة 15 في المائة بحلول عام 2015، إيجابيا على وجه الخصوص.

«نحن لا نعتقد أن تلك ستكون خبرة إيجابية للزائرين»، هذا ما قالته شيريل دولفين، مديرة قسم الصحة بمطاعم «داردين»، الشركة الأم لـ«أوليف غاردن» و«ريد لوبستر» ومطاعم أخرى. وقالت جوي دوبوست، مديرة قسم التغذية والمعيشة الصحية بجمعية المطاعم الوطنية، إنها لا تعرف أي مطعم أميركي آخر يدرس مثل تلك الخطوة.

قد يكون تقليل الملح في الطعام سلاحا ذا حدين بالنسبة لشركات الأغذية. فبينما يتطلع المستهلكون إلى أغذية صحية، فإنهم يكونون أيضا على استعداد لمعاقبة الشركات التي تحقق لهم ذلك على حساب المذاق. وبينما حققت مطاعم مثل «ماكدونالدز» و«أبل بيز» تقدما ملحوظا في مجال الإعلان من أطعمة مثل سلطات الدجاج الآسيوية والوجبات التي تقل فيها السعرات عن 500 سعر حراري، فإن الأطعمة التي تقل فيها نسبة الملح تنتج مادة إعلانية سيئة، بالنظر إلى أنها قد توحي بأن جودة مذاقها أقل.

«لن نتحدث عنها على شاشة التلفزيون في إعلاناتنا»، هذا ما قاله ميشال، من «بوسطن ماركت». لكن هناك وسائل أخرى لنشر هذه المبادرة. تقوم المطاعم بالترويج لمستويات الصوديوم المنخفضة في أطعمتها على شبكة الإنترنت، حيث يبحث عنها العملاء ذوو الوعي الصحي. غير أنه يمكن التباهي بصور الإشادة من جانب قطاع الصحة، مثل شهادة «فحص القلب» الأخيرة التي حصل عليها «ساب واي» من جمعية القلب الأميركية.

ثمة قدر محدود من الجدل في ما يتعلق بضرورة تجنب من يعانون بالفعل من ارتفاع ضغط الدم استخدام الملاحة. لكن نظرا لأن تقدير نسبة الصوديوم لدى البشر بمثابة مهمة صعبة، تتطلب تجميع البول لعدة أيام، فإنه من شبه المستحيل إجراء دراسات واسعة النطاق قد تقيم علاقة ما بين ارتفاع نسبة الصوديوم في الجسم والأزمات الصحية المميتة.

«من المستحيل إجراء تجارب واسعة النطاق حول تأثير تقليل نسبة الصوديوم في الطعام على العواقب الصحية السيئة، مثل الأزمات القلبية والسكتات الدماغية وحالات الوفاة، على السكان، لاعتبارات لوجيستية، ولن يتم إجراؤها مطلقا»، هذا ما قاله الدكتور لورانس أبل، إخصائي الوبائيات بجامعة جون هوبكنز الطبية، ورئيس مجلس إدارة لجنة الملح للتوجيهات الغذائية الخاصة بوزارة الزراعة لعام 2010.

ونظرا لأن تعقب مستويات الصوديوم في الجسم يعتبر مهمة غاية في الصعوبة، فإن غالبية الأبحاث المتعلقة بالصوديوم ترتكز على دراسات الرصد لا على التجارب الإكلينيكية، التي تخضع لرقابة مشددة. تعتبر هذه الدراسات «صعبة جدا في الفهم، لا سيما أن معظم الدراسات لا تتوافر لها إمكانية التجميع الكافي للمقدار المتناول من الصوديوم في الوجبات، ونظرا لوجود احتمال كبير للتوصل إلى نتائج متحيزة ومضللة»، على حد قول الدكتور أبل.

إلا أن بعض عملاء «بوسطن ماركت» قد أعربوا عن امتنانهم لإزالة الملاحات من الطاولات. وقالت المدرسة ساندي ساندورو، وهي مدرسة في «بوسطن ماركت» في مانهاتن، يوم الخميس «إنني سعيدة بذلك، لأن الكم الهائل من الملح ليس مفيدا لي. إنني أستخدم الفلفل».

* خدمة «نيويورك تايمز»