خليفة صدام حسين في ساحة الفردوس يفجر جدلا بين وزارة الثقافة وأمانة بغداد

ساسة ومفكرون ينتظرون تشييد تماثيل لهم

نصب الجندي المجهول للجادرجي
TT

بعد أكثر من 9 سنوات على تغيير نظام الحكم في العراق، الذي تجسد رمزيا لدى العراقيين، بإزالة تمثال الرئيس السابق صدام حسين من ساحة الفردوس الشهيرة وسط العاصمة بغداد، لم تزل هذه الساحة محط جدل وخلاف حول التمثال البديل، الذي يمكن أن يحل محل التمثال السابق، بينما يصر آخرون على إعادة تمثال نصب الجندي المجهول الذي صممه المهندس المعماري رفعت الجادرجي في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم إلى مكانه الأصلي.

وزارة الثقافة العراقية، حاولت فض النزاع والجدل بالإعلان عن مسابقة لعمل نصب الساحة وأطلقت عليه اسم «نصب العراق» بدعوة كل النحاتين والفنانين العراقيين في الداخل والخارج لأجل الإسهام في إنجاز تصميم جديد يراعي كل مكونات الشعب العراقي، وذلك ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013، في وقت كانت أمانة بغداد قد أعلنت أكثر من مرة عن نيتها إعادة نصب الجندي المجهول السابق إلى مكانه بعد اكتمال عمليات تأهيله، لكن يبدو أن ذلك اصطدم برفض البعض مما دعا إلى ترك التنفيذ حتى إشعار آخر.

وشيد النظام العراقي السابق بعد إزالة نصب الجادرجي نصبا آخر للجندي المجهول في ثمانينات القرن الماضي في جانب الكرخ من بغداد، وهو عبارة عن خوذة عسكرية تحيط بها مجموعة من الأعمدة في شكل مائل، وقام بتصميمه الفنان خالد الرحال. وقررت لجنة تسمى «إزالة مخلفات النظام السابق» إزالته قبل عامين إلا أنها تراجعت بسبب ضغوط شعبية ورسمية.

«نصب العراق» اليوم جرى اختياره بعد انتهاء موعد المسابقة المعلن عنها، التي شملت أيضا إعداد نصب وتماثيل جديدة لشخصيات ثقافية وفنية وفكرية عراقية بارزة، وذلك ضمن فعاليات مشروع «بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013»، وجرى لأجل فرز الأعمال المميزة تكليف لجنتي تحكيم من كبار الفنانين والنقاد لأجل اختيار النموذج الذي يمثل كل حضارة وتأريخ العراق، ويراعي تعدد مكوناته ومعالم وحدته، ووقع الاختيار فيها على عمل نحتي لفنان شاب اسمه عباس غريب، وهو مصمم في دار الأزياء العراقية وله تجارب فردية في أعمال النحت.

عن وصف ملامح لعمله الجديد قال الفنان عباس لـ«الشرق الأوسط»: «إنه عبارة عن نصب أرضي على ارتفاع 21 مترا وله 4 أبواب على شكل الأبواب العباسية يبلغ ارتفاع كل باب 5 مترات. ويمثل الحضارات العراقية من سومر وأشور، ورمزت للأرقام السومرية التي تعني أن العراق أول من علم الإنسان الكتابة، كما أن هناك إشارة إلى أول مسكوكة سكت في بغداد حصرا مع التاريخ الذي سكت به كما تم العمل على الجدارية بشكل دائري في إشارة على استمرارية الإبداع والتوهج الحضاري للعراق منذ القدم إلى الآن وكذلك للرمز بغداد المدورة. مضيفا أن: «النصب احتوى أقواسا ذات زوايا ترمز إلى سعف النخيل وبواقع 18 قوسا دلالة على عدد محافظات العراق حيث ركز النصب على التعبير عن وحدة العراق وتماسكه».

وعن أبزر مزايا النصب الجديد وخصوصيته، يقول غريب: «استحدثت الإنارة الليلية التي ستشع لمسافات واسعة جدا في الليل وهناك مقتربات تشتمل على حدائق وممرات فالنصب سيطفو حول بحيرة كبيرة من الماء مع شلالات».

وعن توقعاته بالفوز من بين أكثر من 25 نحاتا اشترك في المسابقة يقول غريب: «توقعت الفوز لأني حاولت استحضار كل مكونات وحضارة بلاد مابين النهرين، كما حاولت الابتعاد قدر الإمكان عن كل مظاهر القتال والتسليح في إنجاز العمل بالابتعاد عن رموز السلاح والرايات والإعلام، وحاولت فيه أن يكون مدنيا مبتعدا عن النماذج العسكرية التي أتعبتنا كثيرا».

وعن موعد إنجاز العمل والمواد المستخدمة فيه قال: «أسعى للاتفاق مع شركات أجنبية لأجل إنجاز العمل في وقته المطلوب، لأن الشركات المحلية لا تقدر على ذلك لعدم توفر الكهرباء ومواد العمل والأمور اللوجيستية الأخرى.

وعن توقعاته إلى أي مدى قد يحوز عمله إعجاب الجمهور قال غريب: «العمل هنا ليس واضحا، بقدر ما سيكون عليه حال إنجازه، وأتمنى أن يعجب كثيرين وينال ثقتهم لأني أعلم بمدى أهمية هذه الساحة في نفوس العراقيين.

مدير عام دائرة الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة والمشرف على المسابقة، الدكتور جمال العتابي أكد لـ«الشرق الأوسط»: «إن العمل يمكن أن يكون بمثابة قراءة للعراق، وفيه المواصفات التي تؤهله لتجسيد تاريخه العظيم، مع حرصنا على أننا بلد يمتلك خلفية حضارية نحتية فنية تمتد إلى عصور ضاربة في القدم، مما يحتم علينا أن تكون كل أعمالنا امتدادا لهذا المنجز الفني».

وأضاف: «إن كثيرا من الشخصيات المرشحة لإقامة نصب لها في بغداد قريبا من بينها الفنان محمد غني حكمت والدكتور علي الوردي وكامل شياع وبلند الحيدري وجواد سليم ونازك الملائكة والأب أنستاس الكرملي ومصطفى جمال الدين ونزيهة الدليمي.

يذكر أن هناك أسماء أخرى تنتظر مشاركة الفنانين مثل عبد الكريم قاسم ومصطفى جواد والفنان عزيز علي والشيخ الوائلي والشاعر مظفر النواب وحقي الشبلي والشهيدة أطوار بهجت، حيث يلاحظ تنوع الأسماء بين الأدب والرياضة والصحافة والفن والسياسة في بادرة تعيد أمجاد هؤلاء الكبار في مجالاتهم.