لبنان يدخل اختبار «أول يوم من دون تدخين»

بالغناء.. وعلى وقع العروض البهلوانية

حملة «فوت شم الهوا» وعداد عكسي وسط بيروت بانتظار ساعة الصفر بدون تدخين
TT

بالموسيقى والغناء والرقص، تحتفل نحو 15 جمعية مدنية، اليوم (الاثنين)، بدخول قانون منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة في لبنان، الذي يحمل رقم 174 حيز التنفيذ.

ومساء أمس شهد وسط بيروت احتفاليات فنية متعددة، لتشجيع جمهور الناس على احترام القانون، شارك فيها فنانون وممثلون مثل معين شريف، مايا دياب، رهف عبد الله ويوسف حداد. وبحلول الساعة الـ12 ليلا، اعتبر المحتفلون أن لبنان دخل مرحلة جديدة لا بد من دعمها وتجييش الرأي العام من أجل إنجاحها.

وامتدت الاحتفالات التي نظمتها جمعيات مدنية من أجل صدور القانون، مثل «منظمة الناشطين المستقلين»، وقسم الشباب في «الصليب الأحمر اللبناني»، وقسم الأبحاث في الجامعة الأميركية، لتصل إلى مدينتي جبيل وصور.

أما اليوم، بدءا من الساعة السابعة مساء، فإن نشاطات ترفيهية ستعم شارع الحمرا الرئيسي ورأس بيروت، حيث تشارك أكثر من 6 فرق موسيقية في إحياء المناسبة، وتقدم عروضا بهلوانية، إضافة إلى فنون القتال الصينية، وستعمد بعض المطاعم إلى تقديم المأكولات والمشروبات مجانا، احتفاء بأول ليلة من دون تدخين تحت شعار «في شي برا.. في شي جوا».

وكانت حملة قد أطلقت تحت عنوان «فوت شم هوا» شملت إعلانات في مختلف الوسائل الإعلامية، فيما وضعت بلدية بيروت عددا في ساحة الشهدا يظهر للمواطنين العد العكسي بانتظار ساعة الصفر.

وينص القانون 174 الذي أقرّ في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وبدأ العمل به جزئيا في حينه، على حظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة ويفرض على من يخالفه من الأفراد غرامة بقيمة 135 ألف ليرة. أما الغرامة للمؤسسات أو سائقي التاكسي فهي مليون و350 ألف ليرة على الأقل، أي ما يزيد على 800 دولار. وينظم القانون إعلانات السجائر والتبغ ويشمل النارجيلة.

وكانت الوزارات المعنية بتطبيق القانون، وهي وزارات الصحة والداخلية والاقتصاد والسياحة، قد أعطت المؤسسات والمطاعم والمقاهي مهلة سنة كاملة لتدبر أمرها، وإيجاد حلول في الهواء الطلق لموظفيها وزبائنها الذين يودون التدخين. لكن أصحاب المقاهي بشكل خاص لا يزالون يرفعون الصوت ويطالبون بتعديل نص القانون الذي يرونه متشددا جدا، نسبة إلى قوانين مماثلة تطبق في دول مجاورة وحتى في بعض الدول الأوروبية. ويطالب هؤلاء باستثناء المقاهي التي لا تقدم المأكولات من هذا القانون.

ولكل فريق من الداعمين للقانون والمعترضين عليه حججهم ودراساتهم وأرقامهم التي يقولون إنهم استندوا إليها. إذ أعلن وزير الداخلية أن لبنان يتكلف ما قيمته 53 مليار ليرة سنويا كفاتورة صحية جراء الأمراض الناجمة عن التدخين. وأظهرت إحصاءات أن 38 في المائة من البالغين اللبنانيين هم من المدخنين، 46 في المائة منهم من الذكور و34 في المائة من الإناث. وهي نسب مرتفعة مقارنة بالدول المجاورة، خاصة فيما يخص الإناث.

واعتبرت «نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والنوادي الليلية» أن القانون بصيغته الحالية مجحف وله تأثيرات سلبية على الاقتصاد والسياحة، بل إنه يمهد لسوء التطبيق والفساد. وأعدت النقابة دراسة بينت أن القانون يصعب تطبيقه بالتساوي بين المناطق التي لا يخضع بعضها لسلطة الدولة. وتأمل النقابة بتعديلات طفيفة على القانون تستثني أصحاب الملاهي الليلة التي تعتمد المشروبات من كحولية وغير كحولية كأساس في عملها وليس الأطعمة. وترى الدراسة التي أعلنت عنها النقابة أن المطاعم والمقاهي والملاهي تجني عائدات تصل إلى 735 مليون دولار في السنة، وأن القانون الحالي بعد تطبيقه سيقلص هذه العائدات إلى 282 مليون دولار، مما يهدد بفقدان 2600 وظيفة ويشكل انتكاسة للاقتصاد اللبناني، خاصة أنه يأتي في وقت يعاني فيه لبنان من انتكاسة كبيرة، بسبب الأوضاع الأمنية فيه، وما تشهده المنطقة من توترات.

وإذ بدأت المطاعم والملاهي فعليا باتخاذ التدابير لمنع التدخين بشكل كلي في الأماكن المغلقة، وأظهرت دراسات ميدانية أن غالبية كبيرة من اللبنانيين تؤيد القانون، إلا أن الانطباع السائد هو أن غالبية القوانين التنظيمية التي أقرت قليلا ما استطاعت الدولة تطبيقها، ومخالفة المخلين بها بشكل رادع، بدءا من القيادة من دون حزام، إلى استخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة وصولا إلى السرعة الزائدة. ويتندر اللبنانيون على ارتفاع سعر المخالفة، قائلين إن الدولة تسعى لجمع أكبر مبلغ من المال، وتمويل خزينتها من جيوب المدخنين، وإن القانون سرعان ما سيتم إهماله وتناسيه.

ويقول محمد عبد الهادي، وهو أحد أصحاب المطاعم في لبنان لـ«الشرق الأوسط»: «علينا من اليوم أن نجد الوسيلة اللائقة لنطلب ممن يشعل سيجارته أن يطفئها بأقصى سرعة. وعلينا أن نتحسب أيضا لأن بعض الزبائن لا يريدون الانصياع، وحينها فإن العبء الأكبر لن يقع على المدخن، وإنما على المطعم المهدد بالإغلاق في حال تمت مخالفته 3 مرات». وتعمل نحو 15 جمعية مدنية من أجل إنجاح تطبيق القانون، وشكلت ما سمته «الحملة المدنية لرقابة قانون منع التدخين»، وتضم 70 مراقبا متطوعا تم تدريبهم لمتابعة تطبيق القانون في مختلف المناطق، ورفع التقارير للوزارات المعنية. كما وضع الخط الساخن 1214 في وزارة الاقتصاد لتلقي شكاوى المواطنين، والتبليغ عن المخالفين. وطلبت الحملة من المواطنين تصوير المخالفين وتزويدها بصورهم لتعقبهم وتحرير المخالفات بحقهم، بعد ضبطهم بالجرم المشهود.

ويخضع تطبيق القانون بالفعل لصعوبات كبيرة، عبّر عنها أحد أهم الوزراء المعنيين وهو فادي عبود، معتبرا أن العدد القليل لأفراد الشرطة السياحية لا يسمح بمراقبة التطبيق، فإن التعويل على ما يبدو هو على المواطنين غير المدخنين الذين انتظروا، بفارغ الصبر، صدور هذا القانون للثأر ممن لوثوا هواءهم الذي يستنشقونه دون أن يكون لهم قانون يتسلحون به لحماية أنفسهم.

وسأل مواطن لبناني على «فيس بوك»: «كيف لدولة لا تستطيع منع مواطنين من حمل الكلاشنيكوف والقنابل، أن تقوى على ردع من يشربون السجائر»، فإن تساؤلات كثيرة تحوم حول إمكانية ردع المدخنين في الأماكن المغلقة. لكن اليوم هو للاحتفال بانتصار أولئك الذين أمضوا سنين يحلمون بمثل هذا القانون، وها هي أمنياتهم تتحقق.