حرب «السيدتين» مشتعلة في باريس.. وهولاند «بين نارين»

كتابان جديدان ينشران «الغسيل النسائي» للرئيس «العادي»

غلاف «بين نارين» وغلاف كتاب «الزوجة السابقة» وغلاف «النوفيل أوبزرفاتور» عن حرب المرأتين
TT

أراد فرنسوا هولاند، الساكن الجديد لقصر «الإليزيه»، أن يكون رئيسا عاديا، حسب قوله، وليس مثل خصمه الرئيس السابق ساركوزي، الذي كانت حياته الخاصة تغري الصحافيين والمصورين، وكأنه أمير أو نجم من نجوم الفن. لكن رفيقة حياته فاليري تريرفيلر، وبتغريدة إلكترونية واحدة، «مزقت حجاب العادية» الذي ظل يستر حملة هولاند الانتخابية على مدى أشهر. هذا غيض من فيض مما جاء في كتاب نزل إلى المكتبات، الأسبوع الماضي، بعنوان «بين نارين»، من تأليف الصحافيتين آن روزنشير (من مجلة «ماريان») وزميلتها آنا كابانا (من مجلة «لوبوان»).

الكتاب المحشو بالتفاصيل المثيرة للحرب الخفية القائمة بين سيغولين روايال، شريكة حياة هولاند السابقة وأم أولاده الأربعة، ورفيقته الحالية فاليري تريرفيلر، جاء بالتزامن مع كتاب ثان أكثر إثارة وكشفا لما يدور وراء الجدران التي لها آذان، عنوانه «الزوجة السابقة»، من تأليف الصحافي سيلفان كوراج الذي سبق أن خص سيغولين بكتاب عنوانه «مصير ملكي»، لاعبا على المعنى اللغوي للقب روايال. أما الكتاب الجديد فهو مكرس لشرح الاستراتيجية التي اتبعتها سيغولين، عندما شعرت بـ«خطر» فاليري يتهدد حياتها العائلية ومناوراتها للبقاء في الساحتين العاطفية والسياسية، على الرغم من تحول قلب هولاند عنها.

كيف يمكن للرئيس أن يكون مواطنا عاديا مثل الآخرين حين تتصارع في حياته امرأتان قويتان؟ وهل من سبيل لإخراس الأصداء التي تتناقلها وسائل الإعلام عن حياته الخاصة؟ للرد على هذين السؤالين، يكشف الكتابان أن الصراع كان قائما بين المرأتين منذ أكثر من 10 سنوات، أي منذ الفترة التي كانت فيها سيغولين تركز كل جهودها على مسيرة ارتقائها السياسي التي أوصلتها إلى الترشح للرئاسة، عام 2007، وخسارتها على الرغم من أنها جمعت 17 مليون صوت. آنذاك، كان هولاند الشريك والرفيق السياسي الوفي الذي يدعم والدة أبنائه ويتوارى من المشهد لكي يزداد بروزها في الصورة. لكن سيغولين، بعد أن فشلت في اقتحام «الإليزيه» كأول امرأة ترأس فرنسا، وجدت نفسها مضطرة لترتيب حياتها الخاصة ومواجهة خيانة هولاند العاطفية لها، فأرسلت بتصريح إلى وكالة الصحافة الفرنسية تقول فيه إنها طلبت منه أن يأخذ متعلقاته ويغادر البيت العائلي. كيف كان لها، في تلك السنوات، أن تتنبأ بأن شريكها سيبني مصيره السياسي مثلما يبني عصفور عشه، قشة بعد قشة؟ وهل تصورت أن دأبه سيقوده إلى كرسي الرئاسة، الحلم الذي كان مستحيلا قبل سنتين؟

وإذا كان كتاب «بين نارين» يتناول موقف هولاند من الصراع، فإن كتاب «الزوجة السابقة» يستند إلى وقائع تميل إلى وجهة نظر سيغولين روايال، مما يرجح مساعدتها للمؤلف وتقديمها الوثائق له. فالكتاب يرسم صورة امرأة حاولت الحفاظ على بيتها بكل الوسائل. وعندما بدأت الأخبار تصل إليها عن علاقة بين هولاند والصحافية الشقراء الجميلة العاملة في «باري ماتش» والمتخصصة في تغطية أخبار الحزب الاشتراكي، فإنها لم تتورع عن الاتصال برئيس تحرير المجلة، ثم بمالكها رجل الأعمال لاغاردير، وهددت بأنها ستشعل فضيحة في حال عدم ابتعاد فاليري عن شريك حياتها، ذلك أن «أخلاقيات المهنة لا تسمح بأن تقيم صحافية علاقة عاطفية مع مصدر أخبارها». ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل اتصلت سيغولين بزوج فاليري، الأكاديمي دوني تريرفيلر، وأبلغته بخيانة زوجته له مع هولاند ورجته أن يتدخل لإنهاء الأمر.

كان هولاند يدافع عن نفسه بأن فاليري مجرد صديقة، وليس بينه وبينها أي شيء. بل إن زيارات قليلة تبودلت بين العائلتين ودعت فاليري هولاند وسيغولين للعشاء في منزلها ومع زوجها. لكن مشاعر العاشقين كانت في تطور، وبدأت فاليري تشعر بالضيق من سيغولين التي كانت قد أصبحت نائبة ووزيرة. ولما طلبت «باري ماتش» منها إجراء مقابلة مصورة مع غريمتها في مستشفى الولادة بمناسبة إنجاب سيغولين لطفلتها الرابعة، رفضت الصحافية الامتثال لطلب مدير التحرير، وتحايلت بحيث تجري الحديث هاتفيا وأرسلت زميلة لها لمرافقة المصور. لقد سارت المنافسة بين المرأتين على خيط من التوتر المستمر، إلى أن طلبت سيغولين من شريكها مغادرة البيت، وفي الوقت نفسه طلب دوني تريرفيلر من زوجته الخروج من حياته، فاضطر العاشقان إلى استئجار شقة تجمعهما مؤلفة من 3 حجرات، في الدائرة الخامسة عشرة من باريس، بعد أن كانا يتقابلان خفية في شقة مفروشة. وحتى بعد انتهاء علاقته بسيغولين، فإن هذه الأخيرة واصلت تسميم حياة فاليري بأن أطلقت تصريحا لمحت فيه إلى أن هولاند قد عرض عليها استئناف حياتهما المشتركة لكنها رفضت.

مع ترشيح نفسه للرئاسة ممثلا عن الحزب الاشتراكي، هبت سيغولين لتدعم والد أطفالها دعما غير مشروط، أمام منافسيه من بارونات الحزب. وهنا وجهت فاليري تحية إلى سيغولين، عبر «تويتر»، وصفتها فيها بالإخلاص والتجرد. لكن الكتاب يكشف أن تأييد سيغولين لم يكن من دون مقابل. لقد كان على هولاند أن يقدم كشفا بممتلكاته، كأي مرشح نزيه، وقد واجهته مشكلة اقتسام الشقة الواسعة التي كان قد اشتراها مع شريكة حياته السابقة والواقعة في ضاحية «بولون» الراقية. وحسب أسعار العقارات الباهظ في باريس، لم يكن في مصلحة الرئيس الاشتراكي «العادي» أن يصرح عن ممتلكات تزيد على المليون يورو. وهكذا تم حسم الموقف بالتنازل عن كامل الشقة لسيغولين، مقابل أن يحتفظ هو بمنزل ريفي كانا يقضيان فيه الإجازات. وحسب هذه المعطيات، فإن تغريدة فاليري في مديح «تجرد» سيغولين لم تكن بريئة كما بدا للمواطن العادي بل محملة بمعنى خبيث يدركه أصحاب الشأن.

إن «التغريدات» المدروسة والمحملة بالمعاني هي سلاح تجيد فاليري التلاعب به. لكن طلقة طائشة خرجت منه، من دون تفكير، أدت إلى غضب هولاند منها وإعلانه عن تحديد دورها كمرافقة له في المناسبات البروتوكولية، لا كشريكة في إدارة سياسة البلد. كان ذلك حين بعثت السيدة الأولى الجديدة بتغريدة تضامن مع مرشح لرئاسة بلدية «لاروشيل»، على الساحل الغربي لفرنسا، نكاية بسيغولين التي كانت قد نزلت منافسة له في الانتخابات. إن الرسالة الإلكترونية قد خرجت من «الإليزيه»، لكنها تعارض موقف الرئيس، وموقف الحزب الاشتراكي المعلن لدعم سيغولين. لقد بدا واضحا أن الأمور لا تسير على ما يرام في هرم السلطة، وأن في المخدع الرئاسي امرأة تريد أن تقرر مواقفها المغايرة لموقف القصر.

هنا، لجأت سيغولين إلى سلاح الرسائل الإلكترونية، عملا ببيت الشعر العربي «وداوني بالتي كانت هي الداء»، وصرحت للجميع بأن هولاند أرسل لها رسالة تضامن، كما أنه واساها بعد خسارتها بلدية «لاتروشيل» وخروجها من المشهد السياسي من دون منصب، على الرغم من نجوميتها في الحزب الاشتراكي الذي صار حزبا حاكما ويملك الأغلبية في البرلمان. لقد عرضت على من يهمه الأمر رسالة هولاند الهاتفية النصية التي يقول لها فيها إن حياة السياسي لا يمكن أن تنتهي، لكنه يحتاج زمنا للنهوض من الفشل العابر. أما أبناء الرئيس، وأبرزهم البكر توما هولاند الذي ساهم بشكل فعال في حملة والده نحو الرئاسة، فقد أخذوا جانب والدتهم وقرروا مقاطعة فاليري تريرفيلر، ورفضوا دعوة أبيهم للغداء معها في القصر.

إن الحرب الخفية ما زالت مستمرة. وقد يحسمها إقدام هولاند على الزواج رسميا بشريكة حياته الحالية. وفيما عدا ذلك فإن كل الاحتمالات تبقى قائمة.