المهرجان على المحك

يوميات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي -8

من الفيلم الكوري «بييتا»
TT

ينطلق مهرجان تورونتو السينمائي الدولي اليوم، في السادس من سبتمبر (أيلول)، وبهذا يسحب الغطاء من على المهرجانات الأخرى المقامة بمحيط هذه الفترة الزمنية ذاتها من دون أي عناء. من «مونتريال» الكندي الذي بدأ وانتهى من دون ضجيج، ومن «سان سابستيان» الإسباني الذي تحوّل إلى ما بين الصف الثاني والثالث من الاهتمامات، ومن «توليارايد» الأميركي، الذي كل ما استطاع القيام به عرض حفنة من أفلام كانت في طريقها إلى «تورونتو» أساسا، كما من «فينيسيا» الإيطالي الذي يشعر، وتشعر معه، بخواء المعدة من الطعام.

نعم، المدير الجديد ألبرتو باربيرا فعل جهده ليطلق دورة تتخلص من ثقل طموحات مدير «فينيسيا» السابق ماركو مولر، فخفّض عدد الأفلام التي كانت تعرض ليتيح للموجودين مشاهدة أكثر عدد من الأفلام، وقام بتقديم نسخة أولى من سوق سينمائية، أخفق مولر في تقديمها من قبل. ثم نجح في جلب فيلمين أميركيين من أكثر أفلام هوليوود تمتعا بالنوعية، هما «السيد» و«إلى العجب»، لكن هالات هذه الإنجازات المحددة انحسرت حالما بدأ المهرجان، فإذا بعدد الضيوف من نجوم السينما أقل مما كان عليه سابقا (الممثلة أولغا كوريلنكو، مثلا، كانت الوحيدة الموجودة عن فيلم «إلى العجب»)، مما حث الإعلام والصحافة الإيطاليين على الشكوى، وإذا بعدد الضيوف عموما أقل مما كان عليه الحال سابقا، مما خلّف مقاعد شاغرة حتى من اليوم الأول من المهرجان.

وتستطيع أن تدرك أن الوضع ليس، اقتصاديا، على ما يرام حين تلحظ أن الفنادق خسرت بعض حجوزاتها تدريجيا. الفندق الذي يتخذه هذا الناقد مقرا، وللمرة الأولى منذ سنوات كثيرة، فيه عدة غرف شاغرة. فندق آخر قريب عرض غرفه بأسعار أقل مما كان أعلن عنها حالما أدرك أن عددا من غرفه ستبقى خالية من الزبائن.

ولاستكمال الصورة الكلية، فإن جزيرة الليدو، وهي آخر جزر الشمال الشرقي في المقاطعة (كرواتيا أقرب الشواطئ إليه)، كانت رفعت أسعار فنادقها وبضائعها المختلفة نحو 20 في المائة مما كانت عليه سابقا، مما يجعل المهرجان واحدا من أغلى المهرجانات السينمائية الدولية التي يمكن التوجه إليها.

أما بالنسبة للسوق السينمائية، فإنها أنجزت بعض الصفقات التي عادة ما ينجزها المنتجون والمشترون من دون الحاجة إلى سوق. مجلة «فاراياتي»، المعنية بشؤون الصناعة، جاءت متحمسة لمواكبة المهرجان، لكن الإعلانات التي حصلت عليها من شركات توزيع وإنتاجات نضبت مؤخرا، فألغت المجلة طبعتها اليومية، وهي الآن تضخ ألوف النسخ في المهرجان الكندي.

علاوة على كل ما سبق، على المهرجان أن يتعامل ومنافسة «تورونتو»، الذي ليس لديه وضع اقتصادي صعب ودولاره جيد المستوى مقابل اليورو القلق والمقلق، والذي يكمن وسط مدينة متدرجة التكلفة بحيث تستطيع أن تنال وجبة غذاء بعشر دولارات أو بمائة دولار، كذلك هناك عدد أكبر من الفنادق وأسعار أفضل.

هذا كله ولم نأت بعد على ذكر الأفلام ذاتها. ففي الميزان، دورة «فينيسيا» التي لا بريق لها، مقابل دورة جديدة لـ«تورونتو» بكل ما فيها من زخم ونشاط. وعدد كبير من الحاضرين هنا لمّ أغراضه وحوائجه وانتقل إلى تورونتو، مؤملا نفسه بأفلام أكثر ونشاطات أكبر.

ومن لم يفعل وشاهد ليل أمس فيلم «Spring Breaker»، وهو فيلم أميركي مستقل لهارموني كورين، ندم على أنه لم يفعل. الفيلم، الذي لا بد أنه تسلل في غفلة من الجميع، يبدأ وينتهي (بعد ساعة ونصف) على تكرار لا يخرج عنه: أبدان عارية. رقص غرائزي. تحشيش. حوارات حول واجب التحرر من كل الارتباطات الأسرية، ثم أبدان عارية. رقص غرائزي. تحشيش. حوارات حول واجب التحرر من كل الارتباطات الأسرية. وحين ينتهي من ذلك، يعود إلى منواله ذاته. من العبقري الذي وافق على ضم هذا الفيلم إلى المسابقة؟ أمر غير معلوم، لكن المجتمع السينمائي لا يمرر مثل هذه الأخطاء بسهولة.

فيلم آخر أخفق في إثارة الاهتمام، اسمه «بييتا» Pieta، وهو من شغل كوريا الجنوبية، أخرجه كيم كي - دوك. على الأقل، توجد هنا قصة، لكن عمل المخرج غير مقنع، والعنف فيه متكلف وغير مبرر.

بذلك، يقف مهرجان «فينيسيا» على المحك. ما بدا خطوات في الاتجاه الصحيح كشفت عن جوانب لم تكن في الحسبان، وما أعتقد أنه سيكون انطلاقة جيدة وجديدة، أنجز نصف المأمول، فإذا بالانطلاقة جديدة فقط.

نعم، هناك التاريخ، وهناك مجموعة رائعة من الأفلام وبعض الحضور الذي يعوض غياب آخرين، لكن ألبرتو باربيرا مقبل على مرحلة بالغة الحرج ربما بدأت بالفعل. عليه أن يعمل ضعف جهده لكي يضمن استمرار المهرجان كواحد من أهم ثلاثة وليس من أهم عشرة.

* كيفر سذرلاند لـ «الشرق الأوسط»: المهرجانات كانت تبدو بالنسبة لي أقل أهمية مما هي عليه بالفعل - فخور بفيلم يعبّر عن وجهة نظر جديدة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر

* في عام 1983، عندما ظهر الممثل كيفر سذرلاند في أول فيلم له، (كان عنوانه «عودة ماكس دوغان» وشاركه البطولة فيه كل من جاسون روباردس ومارشا ماسون)، كان والده دونالد سذرلاند في مطلع تحوله من أدوار البطولة إلى الأدوار المساندة. في الثمانينات والتسعينات، شاهد هواة السينما كل من الأب وابنه في العشرات من الأفلام، لكنهما لم يمثلا معا، بل خط الابن طريقه من دون أبيه، كما واصل الأب مسيرته من دون ابنه.

الآن، كيفر يطرق باب الخامسة والأربعين من العمر بشهرة تعلو من حين لآخر، لكنها لا تنخفض كثيرا، ووراءه نحو ستين فيلما سينمائيا وبضعة أفلام ومسلسلات تلفزيونية. وهو منذ أن تسلم بطولة حلقات «24» وتبعها بحلقات «Touch» الأسبوعية، اضطر إلى الابتعاد عن السينما أكثر مما كان يريد. يقول: «أكثر من مرة حاولت النفاذ للعودة إلى الشاشة الكبيرة، لكني لم أستطع»، لكنه في نهاية العام فعلها ليقوم بأداء أحد الأدوار الرئيسية في فيلم «الأصولي المتمنّع» الذي افتتح مهرجان «فينيسيا» الحالي. هذه المقابلة، تمت في لوس أنجليس قبل بدء مهرجان «فينيسيا» أعماله بعدة أسابيع.

* كيف تجد هذا المهرجان؟ أعتقد أنها المرة الأولى التي تأتي فيها إلى هنا.

- لدي احترام كبير لمن يشتغل في صناعة المهرجانات والمناسبات السينمائية، لكني إلى حين قريب كنت من الذين ينظرون بقدر من السخرية الناتجة عن الشك في أن هذه المهرجانات تستطيع أن تفعل شيئا أكثر من مجرد الترويج لفيلم. لست ضد ترويج الأفلام عبر أي وسيلة ممكنة، لكن المهرجانات كانت تبدو بالنسبة إلي أقل أهمية مما هي عليه بالفعل. لا. ليس هذا مهرجاني الأول، لكنه الأول ربما من بعد تجديد ثقتي بها.

* تجدها اليوم ضرورية؟

- جدا. إنها تكمل الحلقة التي على الفيلم الجيد المرور عبرها. أو إذا ما استطعت الإيضاح، فهي حلقة في سلسلة متصلة تبدأ بعملية إنتاج الفيلم وتنتهي بعروضه في المهرجانات المختلفة. طبعا، هذا للإيجاز، فالفيلم كما تعلم يبدأ في ذهن كاتب أو كاتب ومخرج أو أحيانا ممثل، لكني أتحدث عن المعالم التنفيذية البارزة.

* ما الداعي الذي جذبك إلى تمثيل «الأصولي المتمنع»؟

- أريد أن أقول أولا إنني فخور بالعمل في فيلم يعبر عن وجهة نظر جديدة ومهمة بالنسبة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). تعرفت من خلال هذا الفيلم إلى مخرجة رائعة (ميرا ناير) وإلى سيناريو جيد يشرح للمشاهد ما لم يسبق تقديمه على الشاشة من مواضيع تتعلق بالعملية الإرهابية سنة 2001 وما تركته من تأثير على قطاعات كبيرة من الناس، أميركيين وغير أميركيين. أنا فخور بهذا الفيلم لأني أتفق مع رؤيته هذه، وهي أن الجهد يحتاج إلى طرفين متكاملين ليقوما به لأجل تصحيح العلاقة وتحقيق السلام. لا يمكن تحقيق شيء إذا لم يكن هناك استعداد مواز من الطرف الآخر، وهذا بعض ما يتولى هذا الفيلم قوله.

* مسلسل «24»، من نظر الكثيرين من الناس كان قاسيا بحق الأقليات من العرب والمسلمين. هذا الفيلم يمنح المسلـم وجهة نظر لم تكن موجودة في المسلسل.

- لا أتفق معك في كل شيء. فقط في بعض ما تقول. «24» قدم وجهة نظر بعض الشخصيات المسلمة، ربما ليس بالطريقة الكافية وليس بالمرات الكافية. ما يختلف فيه الفيلم عن المسلسل التلفزيوني هو أن الفيلم لديه الوقت لكي يمنح الشخصيات وقتا أفضل تستطيع خلاله أن تتبلور وأن تعكس أكثر من جانب، في حين أن المسلسل التلفزيوني أمامه وقت ضئيل لذلك، وأنا معك ربما لم تكن كل الشخصيات معبرا عنها جيدا. لا تنس أن على المسلسل أن ينتمي إلى وجهة نظر الشخصية التي تقود، في حين أن الفيلم يتيح تعدد وجهات النظر على نحو أكثر فاعلية.

* الفيلم يقول إن سوء الظن يقود إلى سوء المعاملة واعتبار أن الجميع سواسية، علما بأن هذا غير صحيح. كيف تجد هذه الرسالة؟ هل أنت مرتاح معها؟

- بالتأكيد، وإلا لامتنعت عن الاشتراك في الفيلم. حين يكون الموضوع بمثل هذه القوة والصراحة، فإن رسالته تتحول من مجرد أطروحات إلى حقائق أو واقعيات. نعم، هناك سوء ظن وسوء معاملة يعبر عنهما الدور الذي لعبه ريز (أحمد)، والرسالة واضحة: تدفع الإنسان العادي بعيدا عنك خوفا منه، فيتحول إلى كاره لك يستحق أن تخاف منه. في الفيلم أمثل الجانب الأميركي غير الرسمي. هذا الجانب هو المدير الذي لا يهمه دين أو لون أو عنصر الموظف الذي يعمل معه. ما يهمه هو المصلحة المادية التي يوفرها الموظف للمؤسسة. هناك مشهد قرب نهاية الفيلم تتولى فيه الشخصية التي أقوم بها تذكير شخصية ريز بأنها تستجيب لأفكار هدامة. هو بالطبع لا يعرف كل ما يدور في باله، لكنه وثق به وساعده على تحقيق مركز مهم في عمله. هو الآن مصاب بخيبة أمل كون موظفه هذا يسقط تحت أعباء ما يحدث له عوض أن يقوى عليها.

* كيف وجدت الوقت المناسب لتمثيل هذا الفيلم، علما بأن لديك مسلسلا جديدا الآن (Touch)؟

- لحين طويل، وجدت نفسي غير قادر على الالتزام تلفزيونيا وسينمائيا في وقت واحد. لكني في العامين الأخيرين قررت أن أتحرر من هذا القيد.. ربما كنت سعيدا بفرص العمل في التلفزيون أكثر مما اعتقدت، مما منعني من الإصرار على الانفلات ولو مرة في السنة. لا أعد بأنني سأفعل ذلك كل عام، فأنا أميل حاليا إلى أن أختار أدواري بدقة أكثر مما فعلت سابقا، وهذا يحدد ما أوافق عليه من أفلام.

* هل علاقتك طيبة مع أبيك؟ وهل هو من نصحك بالعمل في التمثيل أم كان ذلك اختيارا تلقائيا منك؟

- علاقتي مع والدي رائعة، وأنا فخور أني استفدت من خبرته، ودائما ما أتطلع إليه كنموذج. بالنسبة للسؤال الثاني، كنت متحفزا لدخول التمثيل، ولا بد أن ذلك له علاقة بأن والدي كان ممثلا، لكن من بعد أن خطوت أولى خطواتي، بدا لي وله أننا مستقلان تماما كل بمهنته عن الآخر، وهذا وضع جيد.