ألمانيا «بطل» تدوير علب الصفيح في أوروبا

أوروبا دورت 24 مليار علبة وقلصت 2.5 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون عام 2010

الصناعة الألمانية دورت نسبة 96 % من علب الصفيح التي يشكل الألمنيوم الجزء الأكبر منها
TT

تقلص إنتاج علب الصفيح، المستخدمة في تعبئة المرطبات، إلى أقل من النصف خلال سنوات بفضل نظام «الضمانة النقدي» الذي فرضته ألمانيا على هذه العلب. وهو نظام يضع مبلغ 25 سنتا ضمانة على العلبة، يستعيدها المواطن بعد إعادة العلب إلى منتجيها.

الطريقة التي فرضها حزب الخضر الألماني، إبان فترة حكمه المشتركة مع حزب المستشار السابق غيرهارد شرودر، أثبتت فائدتها في زيادة نسبة تدوير العلب، وفي تقليص إنتاجها، وفي وضع ألمانيا في قمة الدول الأوروبية التي تدور العلب المعدنية. هذا مع ملاحظة أن ألمانيا تتفوق على الدول الاسكندنافية في مجال تدوير العلب فقط؛ لأن بلدان الشمال الأوروبي تتفوق في مجالات تدوير الورق والأجهزة الإلكترونية والمواد الكيماوية.

أحد أسباب تخلف الدنمارك والسويد وراء ألمانيا في مجال تدوير العلب يعود إلى عدم قناعة المؤسسات البيئية في هذين البلدين بعملية تدوير العلب المعدنية بأكملها. ويعتقد علماء البيئة في الدول الاسكندنافية أن تدوير العلب لا يطلق غاز ثاني أكسيد كربون أقل، ولا يستهلك طاقة أقل، من عملية الحرق البسيط لهذه العلب. وهذا تفصيل سنأتي عليه لاحقا.

وتوج اتحاد منتجي الألمنيوم الأوربيين ألمانيا على عرش «الصفيح» لعام 2010 بعد أن ثبت له أن الألمان أبطال تدوير الصفيح بلا منازع. وجاء في الإحصائية، التي نشرها الاتحاد قبل أيام، أن الصناعة الألمانية دورت نسبة 96 في المائة من علب الصفيح التي يشكل الألمنيوم الجزء الأكبر منها. هذا في حين أن معدل التدوير في أوروبا وتركيا يدور حول نسبة الثلثين (66 في المائة)، وهذا يعني أن الألمان نجحوا في الاستفادة من معدن الألمنيوم مرة ثانية، وتمكنوا بالتالي من تقليص استهلاك هذا المعدن أيضا.

عموما نجحت البلدان الأوروبية الأخرى في رفع نسبة تدوير العلب بين عامي 2009 - 2010 بنسبة 2.4 في المائة. وهو معدل ينطبق على 27 دولة من أعضاء الاتحاد، بينهم المرشحة الأبدية لعضوية الاتحاد تركيا. لكن استهلاك علب المشروبات المعدنية، على المستوى الأوروبي، زاد بمقدار ملياري علبة خلال نفس الفترة، وبلغ 36 مليار علبة مع نهاية عام 2010.

وحسب معطيات الاتحاد فإن تدوير العلب، على الرغم من زيادة إنتاجها على المستوى الأوروبي، كان مكسبا ظاهرا للبيئة. فعن طريق الاقتصاد بنحو 24 مليار علبة، تم تدويرها، جرى تقليص انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار2.5 مليون طن، وهو ما يعادل ما تطلقه مليون سيارة في سنة. ولم تتحدث الإحصائية عن الطاقة التي استخدمت في عملية قطع وإذابة الألمنيوم، ومن ثم إعادة استخدامه، وهو ما يؤكد عليه كثير من علماء البيئة في الدنمارك والسويد.

كريستيان فيللنر، مدير اتحاد إنتاج الألمنيوم الألماني، امتدح الإنجاز الألماني في مجال تدوير العلب، قال إن هذا دليل على أن القطاع نجح في تحديد دورة حياة الألمنيوم على كوكب الأرض. وقال فيللنر إن تدوير 96 في المائة من العلب يعني أن قطاع إنتاج الألمنيوم يلحق، من ناحية حماية البيئة، بالقطاعات الأخرى البارزة في هذا المجال مثل قطاع إنتاج السيارات وقطاع البناء.

واقع الحال أن تدوير العلب الصفيح لم يتجاوز نسبة 5 في المائة عام 1988، لكنه قفز إلى 65 في المائة عام 2000 بفضل قانون فرض الضمانة عليها من قبل حكومة شرودر، ثم قفز إلى80 في المائة عام 2007.

ويبدو قطاع إنتاج الألمنيوم متفائلا بنتائج تدوير العلب لأنه وضع عام 2015 كحد أقصى للارتفاع بنسبة تدوير دول الاتحاد الأوروبي إلى75 في المائة، وإلى 80 في المائة عام 2020. ويفترض أن يتم تحسين عملية تدوير العلب من خلال طريقة جديدة لتصنيف العلب وفرمها وتذويبها يطلق عليها اسم «التقطيع بالزوبعة الكهربائية». ويجري عادة في المصانع، باستخدام طاقة كبيرة، تقطيع العلب في قطع صغيرة، ثم تذويبها، وفصل المواد المعدنية الإضافية عن الألمنيوم، وأخير يجري كبسها في مكعبات هائلة من الألمنيوم. ويكفي مكعب من الألمنيوم وزنه 18 طنا لإعادة إنتاج 1.5 مليون علبة لتعبئة المشروبات. فضلا عن ذلك سيقع على بلدان الاتحاد الأوروبي تحسين عملية جمع العلب من خلال تخصيص «الحاويات» الخاصة بجمعها، واعتماد طريقة فرض الضريبة أو الضمانة على عليها، بهدف تشجيع المواطنين على إعادتها إلى المنتجين. وتشير إحصاءات دائرة البيئة الاتحادية إلى أن تدوير طن من علب الصفيح يقتصد بمليون ونصف المليون من المواد المعدنية المستخدمة في الإنتاج، ويقتصد بنصف طن من المركبات الكربونية.

معروف أن دوائر حماية البيئة الدنماركية سبقت الألماني في محاولات إيجاد بديل بيئي للعلب في نهاية التسعينات. حاولوا في البداية منع إنتاجها في قطاع المشروبات ثم تراجعوا بعد ذلك عن القرار لصالح فرض ضمانة عليها، وإن بشكل أقل سعة مما هو في ألمانيا.

ويعود سبب تردد الدنماركين إلى دراسات نشرت في حينها (مطلع الألفية الثالثة) تشكك بأفضلية تدوير الألمنيوم على التخلص منه عن طريق الحرق. وجاء في أكثر من دراسة اسكندنافية أن تدوير العلب لا يطلق غاز ثاني أكسد الكربون أقل من حرقها، ولا يستخدم طاقة في ذلك أقل.

نشر الدراسة الأولى معهد الأبحاث البيئية الدنماركي مشيرا إلى أن الألمنيوم ليس بالمعدن النادر الذي ستوجب على الإنسان إعادة تدويره وجاء في الدراسة على وحدات مصانع إعادة تدوير العلب أن الطاقة المستخدمة كبيرة، كما أن كميات غاز ثاني أكسيد الكربون المنطلقة عن العملية لا تقل إلا قليلا. وذكرت الباحثة دروته فيغسو حينها أن عملية التدوير أغلى مرتين من عملية التصنيع الأولى للعلب من الألمنيوم، وتكلف إعادة التدوير الدولة الدنماركية مبلغ 6 ملايين يورو أكثر، يمكن أن توظف في مشاريع بيئية أخرى.

وشككت دراسة سويدية أخرى، من معهد الأبحاث البيئية، صدرت عام 2002، بعملية تدوير البلاستيك أيضا. وجاء فيها أن الغازات المنطلقة عن العملية، والطاقة المهدورة فيها، في كسب مادة صناعية، لا تستحق التدوير. وطالبت الدراسة بالبحث عن سبيل آخر للتخلص من مخلفات البلاستيك أو إعادة تدويرها.

وكان قطاع صناعة المواد البلاستيكية الأوروبي عبر عن طموحه بزيادة تدوير البلاستيك، من خلال طريقة يطلق عليها اسم فينايللووب (Vinylloop)، وهي طريقة خاصة أساسا بتذويب وفرز وتدوير المادة البلاستيكية (Poly Vinyl Chloride - PVC) التي تدخل في صناعة كثير من المواد الصناعية. وكان من المفترض أن تعين هذه الطريقة الاتحاد الأوروبي في التخلص من جبال النفايات البلاستيكية الخاصة، التي تتراكم في بلدانه كل عام. إلا أن طريقة فينايللووب لم تعن القطاع على الإيفاء بتعهداته أمام مفوضية البيئة الأوروبية، التي فرضت على صناعة البلاستيك حتى عام 2010 التوصل إلى تدوير 300 ألف طن من PVC سنويا.