الجوائز على الأبواب فمن يفوز؟

يوميات مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي - 9

ريم عبد الله بطلة «وجدة»
TT

في نهاية كل دورة من كل مهرجان يحتوي على مسابقة فإن السؤال هو من قد يكون الرابح الأول، من يكون الأخير، ومن لن يربح على الإطلاق.

من الآن يمكن استبعاد احتمال خروج فيلم عربي بجائزة المسابقة الرسمية لأنه لا يوجد فيلم عربي فيها. لكن هناك فيلمان عربيان في مظاهرة «آفاق» التي تحتوي على مسابقة وجوائز خاصة بها. هذان الفيلمان هما «وجدة» للسعودية هيفاء المنصور و«الشتا اللي فات» للمصري إبراهيم البطوط. أفضلهما سينمائيا هو «الشتا اللي فات» لكنه، بالنسبة لكثيرين، فيلم بارد الأوصال في حين أن فيلم «وجدة» أقل شغلا على الفن لكنه أكثر مدعاة لتفاعل المشاهدين مع موضوعه عاطفيا.

لكن المظاهرة المذكورة تحتوي على أفلام جيدة أخرى من شأنها أن تلطش الجائزة منهما. على سبيل المثال فقط، هناك الفيلم التسجيلي «ثلاث شقيقات» للصيني وانغ بينغ والدرامي الاجتماعي الإيطالي «إيفان دي ماتاو» والفيلم الإيراني «بيت الأب»، ثم الفيلم الروسي «أنا أيضا» وصولا إلى الفيلم الجزائري «يما» والفيلم التركي «أراف»، وكل فيه نواح قد تثير إعجاب لجنة التحكيم وأخرى قد تؤدي إلى إغفالها وحجب الجائزة عنها.

وكما الحال في كل دورة من كل مهرجان، تبقى الجائزة الرئيسية هي الأكثر استئثارا بالاهتمام والعنوان النهائي للجهد الذي بذله كل المتسابقين من ناحية وكل أعضاء لجنة التحكيم من ناحية أخرى.

من يعرف المخرج مايكل مان، رئيس لجنة التحكيم هذه السنة، يعرف كذلك أي من أنواع السينما يحبذ لنفسه. إنه النوع الهوليوودي السائد الذي من خلاله أنجز أفلاما تشويقية عدة من بينها «ميامي فايس» و«حرارة» و«صائد الرجال» كما فيلم السيرة الذاتية «علي» (عن الملاكم المعروف). لكن الصنف المحبب إليه ليس متوفرا بكثرة هنا. هناك أربعة أفلام أميركية في المسابقة هي «السيد» لبول توماس أندرسن و«مقتحمو الربيع» لهارموني كورين و«إلى العجب» لترنس مالك و«بأي ثمن» لرامين بحراني. وفي حين أن «إلى العجب» هو أفضلها (كما أفضل الأفلام المتنافسة من ناحية فنية بحتة)، إلا أنه قد يخرج خالي الوفاض تماما نظرا لعاملين: فوزه بسعفة «كان» في العام الماضي عن فيلم أفضل قليلا هو «شجرة الحياة» والثاني أن البعض ينظر إليه كفيلم فكرة وليس فيلما كاملا ولو أن هذا هو المقصود لدى مخرجه.

«السيد» أيضا ليس أفضل أفلام مخرجه، لكنه يستدعي الانتباه لتمثيل واكين فينكس وفيليب سايمور هوفمن. في حين أن «بأي ثمن» يصعد ويهبط أكثر من مرة. صحيح أنه لا يهبط إلى الدرك، لكنه يظهر قدرا من التفاوت كذلك فإن تمثيله ليس أكثر من تشخيصات لافتة.

الذي يستحق جائزة بلا ريب هو «مقتحمو الربيع» وذلك كأسوأ فيلم عرضه المهرجان بلا منازع.

إذا ما قرر رئيس لجنة التحكيم الاستجابة إلى محيطه من أعضاء اللجنة والانفتاح على فيلم غير أميركي، فإن أكثر من فيلم سيندفع قدما إلى الأمام في هذا السباق.

الفرنسي أوليفيه أساياس حقق نقطة منخفضة في سيرته الفنية عبر «بعد مايو» كذلك فعل الإيطالي ماركو بيلوكيو في «سبات جميل» في حين أنقسم معظم النقاد حيال الفيلم البلجيكي «الموسم الخامس» لجسيكا وودوورث وبيتر بروزنز كما حيال الفيلم الروسي «خداع» لكيريل سريبرنيكوف. لكن هذا الانقسام ليس حالة شاذة فمعظم الأفلام الأخرى وجدت مثل هذا التباين حتى تلك التي هي في واقعها أقل قيمة من كل ما سبق ومنها «الرحم» للفيليبيني بريلانتي مندوزا (فيلم معاد للإسلام بلا تحفظ)، وفيلم أولريخ سيدل «جنة: إيمان».

فيلمان عنيفان واحد جلب إعجابا أكثر من الآخر هو «بييتا» للكوري تشو مين - سو، والثاني للمخضرم تاكيشو كيتاني وعنوانه «ما بعد الغضب».

إزاء هذه الأفلام وتقارب الكثير منها في المستوى فإن مهمة التوقع شاقة وستبقى كذلك.

* الأفلام الإسرائيلية في فينيسيا: نظرة عامة - تركز على التأثير على الرأي العام

* الأعذار التي صاغها السينمائيون والمثقفون العرب سابقا من أن مهرجانات السينما منحازة إلى السينما الإسرائيلية شكلت ضبابا أمام الرؤية الصحيحة. في زمن لا يقبل أعذارا، كنا وما زلنا نحاول الادعاء بأن عدم ترحيب المهرجانات السينمائية بالأفلام العربية قدر ترحيبها وتشجيعها للأفلام الإسرائيلية هو السبب الذي من أجله لا تصل هذه السينما إلى شاشات المسابقة الدولية. حين يفعل بعضها، بين حين وآخر، فإن عدم فوزها هو أيضا عائد لانحياز لجان التحكيم لسينمات غير عربية. انحياز يتملكها ويتكرر فعله في كل مرة.

بالتأكيد هناك انحياز وبالتأكيد تشجع المهرجانات الإنتاجات الإسرائيلية وبل هناك نظرة فوقية موجهة للسينما العربية في المحافل كافة لكن هذا ليس نتاج فعل غربي بقدر ما هو ناتج عن ما فعلناه (أو بالأحرى ما لم نفعله) حيال السينما العربية.

مهرجان فينيسيا هذا العام عبق برائحة عروضه. المشاركون يستطيعون الاختلاف على كل شيء، بما في تقييم كل فيلم أو مجموعة الأفلام بأسرها، ما عدا شيء واحد: وجود السينما الإسرائيلية كان قويا. فيلم في المسابقة الرسمية وخمسة موزعة في مظاهرات موازية متسابقة وغير متسابقة.

ومع أن عدد الأفلام العربية المشتركة في هذه الدورة كان قريبا (خمسة أفلام) إلا أن أيا منها لم يدخل المسابقة الرسمية. كذلك فإنها تمثل خمس دول فقط هي السعودية ومصر وليبيا وتونس والجزائر. بعض هذه الأفلام مولتها جهات أجنبية ما يجعلها مدانة إلى تلك الجهات التي ربما لولاها لما تم إنتاجها.

إذ لا توجد مؤسسة عربية جامعة تنتج الأفلام ولا توجد إلى جانبها صناعات سينمائية متقدّمة كتلك التي في إسبانيا أو في تركيا أو في إيطاليا أو فرنسا أو بريطانيا أو إسرائيل، فإن الحضور لا بد له أن يتشرذم لأن ما لدينا ليس سينما، بل أفلام.

لقد استوعبت السينما الإسرائيلية منذ زمن بعيد، ثم أعادت استيعابها مؤخرا، لأهمية إنجاز أفلام تتوجه إلى الرأي العام. وبما أنها لا تستطيع إطلاق أفلام تنجز أوروبيا أو آسيويا أو أميركيا نجاحات في شبابيك التذاكر، فإن البديل هو تحقيق أعمال يمكن قبولها في المهرجانات الدولية. وبعد أن ارتفع نبض الأفلام الفلسطينية في العقد الأول من القرن الحالي بفضل أعمال من رشيد مشهراوي وإيليا سليمان وشيرين دعيبس من بين آخرين، شهدنا رد فعل بحجم ذلك النجاح كان مفاده التأكيد على صلاحية الفيلم الإسرائيلي لإحداث معادلة في معركة الأفكار الدائرة بين الطرفين العربي والإسرائيلي.

هنا، قبل ثلاثة أعوام، تم منح فيلم إسرائيلي بعنوان «لبنان» جائزة الأسد الذهبي كأفضل فيلم. وهنا بعد ذلك تم عرض أكثر من فيلم متنافس وغير متنافس، ثم هنا هذا العام اندرجت عروض ستة أفلام جديدة تستحق النقاش.

فيلمان من هذه الأفلام أخرجهما آموس غيتاي، وهو سينمائي محسوب على اليسار الإسرائيلي وله شهرة كبيرة في مجال الفيلم الوثائقي، عنوانهما «أنشودة لوالدي» و«الكرمل». وهما لا يختلفان وبمهارة ما كان يمكن جمعهما في إطار فيلم واحد طالما أن كليهما عملا شخصيا يهم المخرج معتقدا أن ما يهمه لا بد يهم آخرين.

في المسابقة شاهدنا «املأ الفراغ» لراما بيرشتين الذي يذكر بفيلم أسبق للمخرج غيتاي وهو «مقدس» فالمخرجة تتناول دراما تقع أحداثها في داخل المجتمع اليهودي المتدين لدرجة الأصولية والمنغلق على ذاته وتقاليده مع رصد لشعائره وتقاليده. مصوّر جيّدا، لكنه مفتعل المفارقات. وهو إذ يعكس حالات تعصب حاد (يذكرنا بمثيل لها في بعض بيئاتنا) إلا أنه ليس معنيا بنقده بل بمجرّد تقديمه. أما الانتقال من الموضوع الماثل إلى محيطه أو أبعاده فهو متروك لاستنتاجات وافتراضات المشاهد إذا ما أحب.

هذا مختلف إلى حد في فيلم «القاطع» (The Cutoff Man) وهو عن موظف في مصلحة المياه مهمته قطع الماء عن كل مشترك لا يدفع فاتورته في موعدها. إنه ليس سعيدا بعمله لكنه العمل الوحيد المتاح له وعدم سعادته تعود إلى ما يتعرض إليه من شتائم وتعنيف بسبب ما يقوم به ولإدراكه أنه إذ يقطع الماء فإنه يقطع بذلك سبيل الحياة بأسرها. مرة أخرى يمكن استنتاج أن الموضوع له صلة تتعلـق بمفهوم المنافسة على الماء الجاري ليس بين الإسرائيليين، بل بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبين بعض الدول العربية المجاورة. لكن هذا سيكون من نوع الافتراضات والاسترسالات لموضوع محدد الطرح.

عن الماء أيضا فيلم «الماء» عمل يحتوي على سبعة أعمال قصيرة مجموعة تحت غطاء فيلم واحد. ثلاثة من المخرجين هم فلسطينيون: محمد بكري «قطرة» ومحمد فؤاد «بائع الماء» وأحمد البرغوثي «مسبح كريم» لكن كل الأعمال السبعة تتناول تلك الحاجة التي تعد قاسما مشتركا بين الفلسطينيين واليهود في إسرائيل وهي الحاجة للماء. النتيجة الفنية متفاوتة بطبيعة حال كل فيلم شبيه تم - في السنوات العشر الأخيرة على وجه التحديد - صنعه باشتراك أكثر من مخرج وآخر هذه الأفلام «سبعة أيام في هافانا» الذي شارك به الفلسطيني إيليا سليمان.

إضافة إلى ما سبق، هناك الفيلم الأول لهيام عباس «إرث» الذي هو في واقعه إنتاج ثلاثي الهوية: فرنسي، تركي، إسرائيلي. يتعاطى وبعض الشؤون الممكن تفسيرها سياسيا، لكنه يبقى في نطاق الترفيه مع نبرة اجتماعية عالية حول حقوق المرأة الفلسطينية المهدورة من قبل مجتمعها أولا.

الحقيقة هناك عدة شخصيات غير سعيدة في هذا الفيلم. إنه عن الفتاة الشابة (حفصية حرزي) التي تنتمي إلى عائلة محافظة والواقعة في حب رجل مسيحي و«من بريطانيا التي تسببت في ضياع فلسطين» كما يخبرها والدها قبل أن يسقط مشلولا حين ترفض الانصياع إلى توجيهاته. هناك ابنه الذي يسعى لجمع التوقيعات لكي يتصرف بأموال وممتلكات والده حتى يسد ديونه وشقيقه الذي يتحالف مع الإسرائيليين للفوز بالانتخابات المحلية ويعاني إذلال الفريقين، الفلسطيني والإسرائيلي، له. زوجته ليست سعيدة بدورها لأنها تعاني من معاملته القاسية. هؤلاء وبضعة شخصيات أخرى تعيش حالاتها على الشاشة كما لو أن القصة كانت من إنتاج عمل تلفزيوني. «سوب أوبرا» بخامة فنية أفضل من سواها، لكنها تبقى «سوب أوبرا».

المساحة السياسية الوحيدة هنا هي أن الأحداث تقع خلال الحرب التي اندلعت بين لبنان وإسرائيل صيف 2006 ولو أن كل ما يذكّرنا بتلك الحرب هو أصوات القذائف ومشاهد الطائرات الإسرائيلية المتوجهة شمالا.