«الموغا».. حرير ينتج من شرنقات لا توجد سوى في ولاية «أسام» الهندية

تجمع الديدان وتنقل إلى شجرة لتنضج فتنتج الألياف الذهبية

جانب من مصنع النسيج الحريري
TT

يعد حرير «الموغا» البراق، أو الحرير الذهبي، أكثر أنواع الحرير الطبيعي نعومة وأكثرها رقيا، كما أنه القماش الطبيعي الوحيد الذي يحظى بلون ذهبي طبيعي. ويأتي حرير الموغا من ولاية «أسام» التي تقع في شمال شرقي الهند، ولا يتم إنتاجه في أي مكان آخر في العالم.

ويتم إنتاج حرير الموغا (موغا تعني باللهجة المحلية اللون الأصفر)، من شرنقات ديدان الموغا («موغا بولو» بلغة أسام، واسمها العلمي هو «أنثيرا أسامنسيس») التي لا توجد سوى في «أسام» ولديها نفس دورة حياة دودة القز (الحرير).

وتعيش دودة الموغا في البرية، وتتغذى على شجرتي سوم (ماكيلاس بومبكينا) وسوالو (لتسي بوليناثا)، وتجردهما من أوراقهما، وهو ما تعقبه حالة هجرة جماعية. يتم، بعدها، جمع الديدان ونقلها إلى شجرة أخرى حتى تنضج بما يكفي لكي تنسج الألياف. وعندما تصبح مستعدة لغزل شرنقاتها، يتم جمعها ووضعها في حاويات صغيرة مصنوعة من الأغصان الجافة. وهي تغزل أليافا ذهبية اللون تعرف بحرير الموغا. ثم يتم غلي الشرنقات ولفها عبر ماكينة للف.

يرجع تاريخ ذلك النسيج إلى القرن الحادي عشر، عندما كان يتم استخدام ذلك الحرير الذهبي في صناعة الزخارف الملكية، ولذلك أصبح يعرف باسم «الحرير الملكي الذهبي». وقد تعرف العالم الخارجي على ذلك الحرير في عام 1662 من خلال الرحالة الفرنسي جان جوزيف تافرنيير. ولذلك الحرير لون ذهبي براق يتزايد بريقا مع كل مرة يتم غسله فيها. وهو لا يحتاج إلى الصبغة، ولذلك فهو أكثر أنواع الحرير جمالا بالإضافة إلى كونه خامة تتوارثها الأجيال! وتعد «سولكوتشي»، قرية صغيرة بديعة في «أسام»، من أكبر القرى على مستوى العالم في صناعة حرير الموغا حتى أصبح يشار إليها بـ«مانشستر الشرق».

ابتسمت غولابي بوردولوي، فتاة صغيرة من منطقة نائية، بخجل وهي تعرض نقوشها البديعة باللونين الأحمر والأسود على نسيج من حرير الموغا، حيث تنقش يداها على نحو سحري تصميمات خاطفة للأنظار على ذلك الحرير الملكي الذهبي المثبت على «الشال»؛ آلة ضخمة لغزل النسيج. وتؤكد بوردولوي أن كل منزل في قريتها لديه «شال»، وأن جميع الأسر تقريبا تعمل في إنتاج ذلك الحرير الرائع.

وتظهر التصميمات - سواء كانت منسوجة أو منقوشة - تنوعا مذهلا: أشجارا، ونباتات متسلقة، وأوراق شجر، وزهورا، وطواويس، وطيورا، وحيوانات بأشكال أنيقة.. بالإضافة إلى الموتيفات العرقية لولايات شمال شرقي الهند التي تمتاز بهندسيتها الحديثة والتي تنتج أعمالا إبداعية استثنائية. وتضفي الألوان التقليدية مثل الأحمر، والأخضر، والأسود، تأثيرا دراميا على اللون الذهبي لحرير الموغا. وقد أصبح النساجون يستخدمون ألوانا أخرى مثل الأصفر، والأخضر، والأزرق، والبيج، والفضي، والوردي، والبني، رغم أن الموتيفات ما زالت تقليدية. ويتم تزيين الساري الخاص بحفلات الزفاف بخيوط فضية وذهبية.

ونظرا لأن النول (آلة الغزل) ضيق، فإنه يتم غزل إطار النسيج على نحو منفصل ثم حياكته، وهو ما يعد إحدى الخصائص المميزة للساري المصنوع من حرير موغا أسام. وهو ما يجعل أيضا الساري ثقيلا ورسميا وثريا وساحرا.

ويشتهر نساجو الموغا بالمهارة والحس الفني، حتى ليقال إن المهاتما غاندي زار نساجي حرير الموغا في عام 1946، وإن أحد النساجين قدم له قطعة من النسيج مرسوما عليها وجه المهاتما وكان مرسوما بدقة حتى إن ابتسامته كانت تظهر أسنانه الأمامية المكسورة. ويؤثر عن المهاتما غاندي قوله إن النساجين يمكنهم نسج الأحلام على منسوجاتهم. ويعد الرئيس الهندي السابق، أبو بكر زين العابدين عبد الكلام، هو أول رئيس هندي يزور ذلك المكان بعد ذلك، وكان ذلك في عام 2006. وهناك ما يزيد على 30 ألف أسرة من نساجي حرير الموغا في أسام. والمثير للاهتمام هو أن النساء هن من يهيمن على تلك الصناعة، حيث إنهن مسؤولات عن سلسلة من النشاطات المرتبطة بإنتاج الحرير - بداية من تربية ديدان الحرير، ورعاية الشرنقة، وغزل أثواب المخلاس والشادارس، المصنوعة من حرير الموغا. وتعد منسوجات حرير الموغا من أكثر الهدايا باهظة التكلفة التي يستطيع شاب من أسام أن يشتريها لكي يربح قلب امرأة، وذلك لأن هذا الحرير بديع، حتى إن وزنه يعادل بالذهب! ولا يعد حرير الموغا أو الحرير الذهبي مجرد هبة من الطبيعة لأسام، لكنه رمز لثقافة أسام الثرية.

ولا يزداد ذلك الحرير مع الوقت إلا جمالا؛ حيث يزداد حرير الموغا مع كل مرة يغسل فيها بريقا. ولا عجب إذن في أن حرير الموغا هو أحد أغلى أنواع الحرير المتوافرة في العالم. فقد أصبح باهظ التكلفة حتى أصبح يمثل بالنسبة لامرأة من الطبقة الوسطى في أسام أحد الممتلكات القيمة، مثل مقتنياتها الذهبية تماما. فيمكن أن يتراوح سعر ساري من الموغا الجيد بين 12 ألفا و45 ألف روبية، وهو ما يعني حرفيا أنه يوزن بالذهب. وأخذا في الاعتبار أن نسج قماش الساري يستغرق شهرين وأن تصنيع 125 غراما من الحرير يحتاج إلى ألف شرنقة وأن صناعة الساري تحتاج ما بين 725 غراما إلى ألف غرام من الحرير، فإنه يمكننا أن نتخيل سر ارتفاع تكلفة ذلك المنتج.

وقد حصلت أسام على تصنيف «المؤشر الجغرافي» عن حرير الموغا في عام 2007. وتشير التقديرات إلى أن هناك نحو 30 ألف أسرة تشارك في مجمل عملية إنتاج حرير الموغا وخامات الأثواب. ويعد غزل الحرير من التقاليد العريقة في تلك البلاد. وقد منحت الملكية رعاية هائلة لتلك الصناعة، وهو ما أسفر عن استمرار نموذج قرية النساجين «سولكوتشي»، التي تأسست في عهد الملك بارتاب سينغ (1603 - 1641). وتقول الأساطير إنه في يوم من الأيام كان حرير الموغا مقصورا على الأسرة المالكة، وإن الناس العاديين كان محظورا عليهم ارتداؤه. لكن اليوم، وبخلاف سولكوتشي، أصبح هناك في كل مدينة، وقرية، تقريبا عدد من الأسر التي تقوم بإنتاج تلك الأنسجة لأغراض تجارية. وتنتج «سولكوتشي» وحدها عشرة ملايين متر من حرير الموغا كل سنة.

وتتذكر ميونتي بويان، في أواخر الستينات من عمرها، كيف أن أمها وجدتها وعماتها كن ينسجن ويرتدين أفخر ملابس حرير الموغا في المنزل. «حتى وقت أمهاتنا.. كان هناك نول في كل منزل. وما زال ذلك الحال حتى اليوم في معظم منازل القرى».

كما أن أنجو براغوهاين، الرائدة في مجالها والتي أنشأت مصنعا صغيرا بمنزلها في غواهاتي، لديها 20 نولا و20 نساجا من كل أنحاء أسام. وعن ذلك تقول «يتزايد الطلب على حرير الموغا كل عام». وتضيف أنجو وهي تشير إلى أحد أرفف محلها «إن شادار مخلا (الساري التقليدي لأسام) يتم تصنيعه خصيصا لأهل أسام الذين يعيشون الآن في دلهي، وبنغالور، وكندا، والمملكة المتحدة».

ومن خلال خبرتها التي نجمت عن مشاركتها في العديد من المعارض التجارية التي عرضت من خلالها منسوجات أسام، تؤمن أنجو بمدى شعبية حرير أسام، وعن ذلك تقول «تحقق أغطية الوسادات المصنوعة من الموغا مبيعات كبيرة خارج أسام والهند. فقد كانت قمصاني تحقق مبيعات كبيرة في كل مرة أعرضها خلالها في أوروبا. وفي اليونان، أصبح الساري الحريري وحقائب النساء يحظيان بشعبية بالغة». لكنها تؤكد أنه من الصعب وضع معايير منضبطة لتلك المنسوجات. فتقول «كل نساج يضفي أسلوبه الخاص على نسيجه، حتى إذا ما كانوا ينفذون التصميمات نفسها. وبالتالي، لا يمكنك ضمان وحدة الإنتاج. وهو ما يعوقني عن قبول الطلبيات الكبيرة لأي ملابس محددة، خاصة في أوروبا، التي لديها قيود حادة على معايير الوحدة».

ويعد حرير الموغا هو ثاني أكثر المنسوجات ارتفاعا في السعر على المستوى العالمي بعد الباشمينا. ولا يستخدم الباشمينا سوى في صناعة الشال، لكن حرير الموغا يمكن استخدامه في صناعة الساري، وأقمشة الفساتين، وربطة العنق، والوشاح، والمفروشات، والستائر، وما إلى ذلك. وبعيدا عن صناعة الفساتين، يمكن استخدام حرير الموغا أيضا في صناعة إطارات الطائرات، وشباك الصيد، والحبال المستخدمة في صناعة الباراشوت، وغيرها.

وتقول تولتول بورا، صاحبة محل ريتو بغواهاتي، إن الأحماض لا تستخدم في إنتاج حرير الموغا، مضيفة «وهو ما يجعل ذلك الحرير يدوم لفترات أطول. كما أن عملية إنتاجه تشتمل على الأساليب العضوية مثل استخدام الأصباغ النباتية».

ومن جهة أخرى، يمتلك حرير الموغا قوة هائلة تفوق كل المنسوجات الطبيعية الأخرى. كما أنه يتمتع بقدرته على استعادة الليونة. ولذلك فإن حرير الموغا يظل مريحا سواء في الملابس الصيفية أو الشتوية. كما أنه يستطيع الاحتفاظ بصفائه البلوري، بالإضافة إلى كونه رديء التوصيل، وصلبا، وكون لونه ذهبيا، وغيرها من الخصائص، حتى إنه يحتمل درجة حرارة تصل إلى 200 درجة مئوية. ويزيد بريق منسوجات الموغا مع كل مرة يتم فيها غسله في تناقض واضح مع القانون الطبيعي لتراجع بريق المنسوجات مع الوقت.

وبعدما لاقى إعجاب العملاء في الولايات المتحدة، وأوروبا، وغرب آسيا، بدأ يكتسب شعبية متزايدة في اليابان التي ربما تصبح أكبر سوق لذلك الحرير، حيث يتزايد استخدام المصممين في اليابان لحرير الموغا في حياكة زي الكيمونو وغيره من الأزياء التقليدية. فيقول إس كيه مينون، المدير الإداري لشركة «سيلك مارك» الهندية «لقد أثبت حرير الموغا وجوده بالفعل في الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الأوروبية بالإضافة إلى جنوب أفريقيا والشرق الأوسط، وهو الآن يحقق نجاحا هائلا في اليابان».

لكن ديدان حرير الموغا تواجه مخاطر متعلقة بالمناخ والأنشطة البشرية. فقد كان هناك انخفاض في الإنتاج نظرا للمخاطر التي تتعرض لها زراعة أشجار السوم التي تتغذى عليها الديدان، وهو ما يحدث إثر الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية في حدائق الشاي الصغيرة في أسام التي تعد إحدى أكبر الولايات المنتجة للشاي في الهند.

وقد أعربت أنجو، صاحبة محل لبيع حرير الموغا، أيضا عن مخاوفها بشأن الأسمدة المستخدمة في حدائق الشاي بالمنطقة، والتي، وفقا لروايتها، تفسد حياة الديدان المطلوبة لصناعة حرير الموغا.

وكانت كونيكا رابحا (37 عاما) وزوجها بانكاج (44 عاما) قد اتخذا قرارا قبل عامين، حيث يعاني هذان الزوجان اللذان يعملان على تربية تلك الديدان من التأثير السيئ للتغير المناخي على حياتهما. فقد دمر التغير المناخي خاصة الأنماط غير المتوقعة للأمطار والجفاف المستمر إنتاج شرنقات «الموغا». ومن ثم قرر الزوجان أن يجربا إنتاج حبوب الموغا «بيض ديدان الحرير». ومن ثم، سافرا إلى مناطق نائية في غارو هيلز لكي يجمعا شرنقات الحرير السليمة ويعملا على مزاوجتها. وكان أملهما أن يعمل إنتاج ذلك البيض على إنتاج ديدان سليمة تستطيع مقاومة التغير المناخي. وقد أثمرت مغامراتهما خيرا، وبدأ بيض الموغا الذي يتم إنتاجه تجريبيا في معملهما الخاص يحقق مكاسب مادية. فعن تلك التجربة يقول الزوجان «لقد كانت نتيجة تجربتنا رائعة؛ حيث إن الحبوب المصنوعة من بيض الشرانق الذي نجمعه من مناطق منعزلة وبعيدة عن التدخل البشري قد أثبت أنه صحي وخال من الأمراض وقابل للاستمرار. (موغا) هو أحد الأنواع البرية من ديدان الحرير.. ومن ثم، فإنه يحتاج إلى بيئة طبيعية وخالية من التلوث لكي يتمكن من البقاء».