أطراف أصابع إلكترونية تعزز الإحساس باللمس

النانوتكنولوجي عند أطراف أصابعك

TT

من المعروف أن أصابع اليدين أجهزة دقيقة، ولكنها قد تكون غير حساسة بما فيه الكفاية للقيام بدورها، نتيجة للكثير من الأشياء، وبخاصة لدى الجراحين الذين قد ترتعش أصابعهم عند إجراء العمليات الجراحية.

وفي خطوة علمية مثيرة، باستخدام النانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر)، تمكن مؤخرا فريق بحثي من كل من جامعة إلينوى الأميركية في إربانا - شامبين، وجامعة نورث وسترن الأميركية، وجامعة داليان للتكنولوجيا في الصين، من تصميم أطراف أصابع إلكترونية مرنة، يمكن ارتداؤها على أطراف الأصابع الطبيعية، لتعزيز الإحساس باللمس. ستكون لها تطبيقات كثيرة وبخاصة في الإجراءات الطبية، من قبيل تصميم قفازات جراحية ذكية متقدمة يمكن أن توفر للأطباء الجراحين يوما ما الإحساس العميق عند لمس الأنسجة، والتعرف جيدا على مكوناتها وخصائصها، والشعور بالنشاط الكهربائي المتعلق بصحة القلب، والتمكن من إزالة أنسجة القلب أثناء الجراحة بلمسة من أطراف أصابعهم. فقد تمكن الباحثون من تحويل أشباه الموصلات الجامدة أو في الحالة الصلبة إلى إلكترونيات لينة مرنة يمكن استخدامها في تصنيع جهاز ذكي مرن يمكنه أن يلتف حول المجسمة مثل الإصبع البشري. وقد نشرت نتائج الدراسة في 10 أغسطس (آب) الماضي، على الموقع الإلكتروني لمجلة «نانوتكنولوجي» (Nanotechnology)، التي يصدرها معهد الفيزياء البريطاني.

فوفقا لما نشر، قام الباحثون بمحاكاة وصياغة الخصائص المعقدة لأطراف الأصابع، باستخدام أجهزة أشباه الموصلات، وأظهرت قدرتها على الاستجابة بدقة للضغوط والإجهادات المرتبطة باللمس وحركة الأصابع، وهي خطوة سوف تؤدي إلى تصميم قفازات جراحية لاستخدامها في الإجراءات الطبية، مثل الاستئصال الموضعي والتصوير بالموجات فوق الصوتية.

يقول الباحثون إن هذه الدراسة تقدم مبادئ توجيهية لتصميم أجهزة تحفيز حسية كهربائية يمكن تثبيتها على الجلد الصناعي على أطراف الأصابع، وقد اشتملت المواد المستخدمة في تصميمها على إلكترونيات قائمة على السليكون تتميز بأنها فائقة الرقة وقابلة للمد، وكذلك على أجهزة استشعار لينة.

يقول البروفسور جون روجرز، أستاذ الكيمياء وهندسة وعلوم المواد بجامعة إلينوي الأميركية في إربانا - شامبين، والمؤلف الرئيسي للدراسة، إنه: «من خلال أطراف الأصابع، وباستخدام قفازات جراحية ذكية، سوف يكون ممكنا القدرة على الإحساس بالخصائص الكهربائية للنسيج والقيام باستئصاله موضعيا، كما يمكن التصوير بالموجات فوق الصوتية».

ويشير الباحثون إلى أن هذه التقنية الجديدة يمكن أن تفتح آفاقا واعدة أمام الروبوتات الجراحية، لأن تتفاعل مع نماذج الاتصال اللينة، ومع كل ما يحيط بها من خلال اللمس.

وعن استراتيجيات تصنيع وتصميم التقنية، يقول الباحثون بأن الدوائر الإلكترونية على الجلد الصناعي تتكون من أنماط لخطوط موصلة من الذهب، وألواح فائقة الرقة من السليكون، وتم دمجها على بوليمر مرن يسمى« بوليميد»، ثم يتم حفرها على شبكة هندسية مفتوحة، وتحويلها إلى لوح رقيق من المطاط السليكوني المصبوب في شكل دقيق للإصبع.

فقد قام البروفسور روجرز وزملاؤه بتصميم دائرة مرنة يمكن ارتداؤها على أطراف الأصابع، تحتوي على طبقات من أقطاب كهربائية من الذهب، يبلغ سمكها بضع مئات من النانومترات، (النانومتر: مقياس مقداره واحد من ألف مليون من المتر)، وتقع الطبقات بين طبقات أخرى من بلاستيك «بوليميد»، لتشكل «غشاء نانويا» (nanomembrane)، ثم يتم رفعها على أنبوبة على شكل أصبع من مطاط السليكون، الأمر الذي يسمح بأن يكون جانب واحد من الدائرة على اتصال مباشر بأطراف الأصابع، وعلى الجانب الآخر يمكن إضافة أجهزة استشعار لقياس الضغط ودرجة الحرارة والخصائص الكهربائية مثل المقاومة.

و«بوليميد» (polyimide)، هي مواد خفيفة الوزن ومرنة وتتميز بالاستقرار الحراري والميكانيكي العالي، فهي مقاومة للحرارة والمواد الكيميائية. وطبقات «بوليميد»، لها استطالة ميكانيكية جيدة وقابلية للمد، مما يساعدها على الالتصاق بين بعضها البعض، أو بينها وبين الطبقات المعدنية، وتستخدم في صناعة الإلكترونيات للأسلاك المرنة، وفي صناعة أشباه الموصلات كلاصق في درجات الحرارة العالية، وتستخدم كحاجز للضغط الميكانيكي وعازل على الأسلاك المغناطيسية والأنابيب الطبية. فاستقرار درجة الحرارة العالية لفيلم «بوليميد»، ينتج عنه نظام توفير عزل موثوق به، عند التعرض لأنواع مختلفة من الضغوط البيئية، فيمكن استخدام فيلم «بوليميد» كحاجز في مكبرات الصوت، كما تستخدم ألياف «بوليميد» في محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم، وفي محارق النفايات ومصانع الإسمنت لترشيح الغاز الساخن.

وقد تم تصميم الجلد الإلكتروني أو أصابع الكف الصناعية، لقياس الضغوط والإجهادات في الإصبع، عن طريق قياس التغيير الحادث في السعة (القدرة على تخزين الشحنة الكهربائية)، لأزواج الأقطاب الكهربائية الدقيقة (microelectrodes) في الدائرة الإلكترونية. ويمكن أيضا تزويد الجهاز المثبت في الإصبع، بأجهزة استشعار لقياس الحركة ودرجة الحرارة، وأيضا بسخانات بمقاييس صغيرة للعمل كمشغلات ومستحثات لتنفيذ عملية الاستئصال في الجسم والعمليات الأخرى ذات الصلة.

يقول البروفسور روجرز: «لعل النتيجة الأكثر أهمية هي أننا قد تمكنا من القيام بعملية إدماج متعددة الوظائف لتقنيات جهاز أشباه موصلات السليكون في شكل لين ثلاثي الأبعاد وبشكل مناسب للجلد وملائم لتحقيق التكامل، ليس فقط مع أطراف الأصابع، ولكن أيضا مع الأجزاء الأخرى من الجسم».

يقول الباحثون بأن الأفراد الذين يرتدون الجهاز الجديد الذي تم تصميمه، يستقبلون تحفيزات حسية كهربائية، عبارة عن إحساس بوخز خفيف ناجم عن الجهد الصغير الذي يتعرض له الجلد، ويتم التحكم في حجم الجهد بواسطة أجهزة الاستشعار ويختلف تبعا لخصائص الأشياء التي تم لمسها.

ويضيف الباحثون أن التطبيقات المحتملة لهذه التقنية الجديدة، هي في تصميم القفازات الجراحية. يقول روجرز إن «القفازات المزودة بغشاء نانوي، يمكن أن تحس بسماكة أو مكونات النسيج، من خلال الخصائص الكهربائية للأنسجة».

وينوي الباحثون الآن، تحقيق التكامل في أجزاء أخرى من الجسم مثل القلب. ففي هذه الحالة، سيقوم الجهاز بتغليف سطح كامل ثلاثي الأبعاد من القلب، لمراقبة صحة القلب وتوفير خريطة ثلاثية الأبعاد للنشاط الكهربائي والاستشعارات المختلفة ووظائف العمل، لتوفير الأجهزة التشخيصية والجراحية المتطورة التي تفيد في علاج عدم انتظام ضربات القلب.

يقول الباحثون إن هذه الدراسة تسلط الضوء على أهمية هندسة الأغشية النانوية، في تحقيق الخصائص الميكانيكية المطلوبة، كما يمكن استخدام هذا النوع من التكنولوجيا في تطبيقات تتراوح بين التفاعل بين الإنسان والآلة، والقفازات الجراحية المجهزة وغيرها.