رحلة سفر في السينما العربية الشعبية تستضيفها لندن

مع أفلام كلاسيكية أنتجت منذ منتصف القرن الماضي

TT

لم يكن من المستغرب عقب اندلاع الثورات الشعبية في المنطقة العربية في أوائل عام 2011 أن يظهر العالم أجمع، والغرب على وجه التحديد، شغفا كبيرا لمعرفة المزيد عن التي لا تزال تعتبر «المنطقة العربية المُساء فهمها».

قامت لندن بالتأكيد باستضافة كثير من الفعاليات الثقافية الموجهة للعرب، وشعر المواطنون اللندنيون حقا بالزيادة الكبيرة في مثل هذه الفعاليات، ولكن النقاش لا يزال محتدما حول مدى قدرة اللندنيين، أو الغربيين بشكل عام، على الوصول إلى الثقافة العربية التي تم تبسيطها لتتناسب مع الأذواق الأوروبية والأجنبية.

وفي رده عن هذا السؤال، قام «المركز العربي البريطاني» بتنظيم مهرجان «سفر.. رحلة في السينما العربية الشعبية»، وهو أسبوع لعرض الأفلام العربية. لا يهدف عرض هذه الأفلام إلى دراسة الثقافة العربية من خلال الفن العربي عن طريق وضعها تحت العدسات السياسية المكبرة التي شاهدتها الجماهير كثيرا في الآونة الأخيرة، ولكن هذا المهرجان كان قد تعهد بأن يجلب إلى المملكة المتحدة ذوقا مختلفا من الأفلام التي تبدو بالأساس شعبية، أو ربما تكون ميلودرامية أو ملحمية أو حتى سخيفة ولكنها تعكس تغير الزمن في إطار اجتماعي بصورة أكبر. تغطي هذه الأفلام فترة خمسين عاما، حيث إن القليل منها فقط يرجع تاريخ إنتاجه إلى سنة 2005 وما بعدها، ولكن المهرجان يتضمن أيضا أفلاما كلاسيكية تم إنتاجها في الفترة بين عامي 1960 و1999.

يقول المنظمون: «بالنظر إلى كون كثير من البلدان العربية لا تزال في خضم عملية إعادة هيكلة داخلية سياسيا واجتماعيا، يبدو أن موضوع إعطاء هذه الأفلام منصة للعرض في المملكة المتحدة قد أصبح أكثر إلحاحا من ذي قبل».

أوضح الكاتب المقيم في مدينة ليفربول والمشرف على المهرجان عمر خليف، مدى الحاجة إلى النظر إلى هذه الأفلام من منظور أكثر إنسانية، بدلا من أن يرى المرء شخصيات الأفلام على أنها شخصيات عربية وأجنبية غير موضوعية بداخل وباء سياسي أكبر.

يضيف خليف: «يرجع السبب الرئيسي في كون الأفلام الشعبية شديدة الأهمية في الوقت الراهن إلى حقيقة أن الصورة الوحيدة المنطبعة في الأذهان عن العالم العربي الآن هي تلك الصورة المسيسة بشكل مفرط، لذا نهدف إلى إضفاء «اللمسة الإنسانية» على هذه الصورة وتوصيلها إلى المشاهدين الأجانب. أعتقد أن السينما هي شكل من أشكال الفن التي تهدف إلى الوصول إلى العامة عن طريق استخدام امتيازات القرنين العشرين والحادي والعشرين، والتي توفر ستارا يمكن أن يرتبط به القراءات الجديدة للثقافة العربية المعربة».

وبالإضافة إلى التركيز على الإنتاج الثقافي المصري، باعتباره مركزا تاريخيا للسينما العربية، يتضمن برنامج المهرجان أيضا بعض الأفلام اللبنانية والأردنية. ومن بين الأفلام المعروضة في المهرجان يأتي فيلم «عمارة يعقوبيان»، المأخوذ عن قصة تحمل نفس الاسم للمؤلف علاء الأسواني. الفيلم من بطولة عادل إمام وهند صبري ويسرا وغيرهم كثير من نجوم السينما المصرية.

يتناول هذا الفيلم، الذي تم إنتاجه في عام 2006 وتصل مدة عرضه إلى ما يقارب الثلاث ساعات، قضايا معقدة متعلقة بالفساد والجنس والأصولية، وينظر إليه على أنه قصة ملحمية حول الثقافة الاجتماعية المعاصرة في مصر. أدت الشعبية الكبيرة التي حظي بها الفيلم إلى اعتباره أحد الأفلام الحديثة التي تسد الهوة بين الجماهير الإقليمية والدولية.

أما الفيلم الذي يبرز الأهداف الحقيقية التي يرمي إليها المهرجان فهو الفيلم المصري «إسكندرية ليه» من تأليف وإخراج المخرج المصري الشهير الراحل يوسف شاهين، وبطولة محسن محيي الدين وفريد شوقي وأحمد زكي وتم إنتاجه في عام 1978. وبينما يصف المنظمون هذا الفيلم على أنه أكثر أفلام شاهين «التي أحبها الجمهور»، يعكس استعراضا للفيلم نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 1979 رأيا مختلفا، حيث وصفت الصحيفة الفيلم على أنه «فوضى مبتذلة حاولت صهر الكليشيهات الخاصة بالسينما الشعبية في نوع من الملحمة الشعبية». تمضي الجريدة في وصف الفيلم بأنه «غير قابل للتصديق» و«لا مبرر له».

لم يلق هذا الفيلم الرائع، الذي تقع أحداثه في العالم العربي خلال الحرب العالمية الثانية، رواجا كبيرا في الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من هذه الصورة السينمائية الغنائية التي تشبه السيرة الذاتية والقريبة من ذلك النوع من الأفلام الموسيقية التي تنتجها هوليوود، التي كان لها تأثير بارز على السينما المصرية، التي يطلق عليها «هوليوود النيل».

ولكن الأشخاص الأكثر دراية بالسينما العربية بشكل عام قد يكونون أكثر حماسة، عندما يعرفون أن بعض الأفلام الكلاسيكية المفضلة، مثل الفيلم الكوميدي «الإرهاب والكباب» للفنان عادل إمام، الذي تم إنتاجه في عام 1993 ويحكي عن بعض المشاكل البيروقراطية، وفيلم «خللي بالك من زوزو» لمحبوبة الجماهير المصرية سعاد حسنى، الذي يحكي عن مغامرات راقصة شرقية، وتم إنتاجه في عام 1971، فضلا عن الفيلم الأبيض والأسود «البداية والنهاية» المأخوذ عن رواية الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ ومن بطولة عمر الشريف وإخراج مخرج الواقعية الكبير صلاح أبو سيف سوف تكون من بين الأفلام التي سيتم عرضها في المهرجان.

يتضمن المهرجان أيضا كثيرا من الندوات والمناقشات، بعضها سيكون أكاديميا بشكل كبير مع وجود بعض الخبراء في هذا المجال مثل فيولا شفيق، مؤلفة كتاب «السينما العربية: تاريخ وهوية ثقافية»، والدكتورة دينا مطر، رئيس مركز الدراسات الإعلامية والسينمائية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، ومنى ديلي، المدير المؤسس لهيئة برمجة الأفلام والفنون في شركة «زينث». أما جلسات الحوار والندوات الأخرى فسوف يحضرها بعض من أشهر الممثلين السينمائيين، مثل الممثل المصري حسين فهمي والممثل الأردني نديم صوالحة. سوف تجري فعاليات مهرجان «سفر.. رحلة في السينما العربية الشعبية» في «معهد لندن للفن المعاصر» في الفترة بين 21 - 27 من شهر سبتمبر (أيلول) الجاري.