أسبوع لندن للموضة يزيد العيار بقصص من الماضي وألوان الطبيعة

ربيع وصيف 2013.. ساخن ولو من دون بهارات

TT

تسلمت لندن يوم أمس المشعل من نيويورك مفتتحة أسبوعها لربيع وصيف 2013، في أجواء لا تزال مفعمة بروح الانتصار والاعتزاز الذي خلفته الاحتفالات باليوبيل الماسي للملكة منذ بضعة أشهر، ومؤخرا أولمبياد عام 2012. انتصار جعل عمدة لندن ينفش ريشه مثل الطاووس ولسان حاله يقول إن لندن هي أم الدنيا، حتى وإن لم يصرح بذلك بالحرف الواضح.

وبالفعل، ما كاد الرياضيون يغادرونها حتى بدأت الفنادق في استقبال ما لا يقل عن 5000 مهتم بالموضة من وسائل الإعلام ومشترين.

وهذا يعني أن لندن، وعلى مدى خمسة أيام ستمتد إلى يوم الثلاثاء المقبل، ستكون محط أنظار العالم مرة أخرى، لمتابعة ما سيولد من رحمها من توجهات لربيع وصيف 2013.

أمر يعرفه مصمموها جيدا، وبالتالي يجتهد كل واحد منهم في تقديم الأفضل الذي يبيع وفي الوقت ذاته لا يفتقد عنصر الابتكار الذي أصبح لصيقا بهم.

طوال الـ5 أيام، سنتابع نحو 82 عرضا، منها عرض للماركة الأميركية «راغ آند بون» التي ستشارك لأول مرة في الأسبوع بشكل رسمي، بالإضافة إلى فيليب ترايسي وماركة «برين» اللذين عادا للعرض فيها هذا الموسم بعد غياب. ويتوقع أن يحقق الأسبوع ما يقارب 100 مليون جنيه إسترليني، أو نحو 159 مليون دولار أميركي، بعد أن يوقع المشترون عقودهم مع المصممين. وهذا أمر لا يمكن الاستهانة به في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، ويجعل كل العواصم، من نيويورك إلى ميلانو وباريس، تعمل جهدها لتحقيق المعادلة الصعبة بين تقديم الجديد وإطلاق العنان لخيالها، وما هو قابل للتسويق بسهولة إرضاء للمشترين والزبائن.

ما يحسب للندن دائما أنها عاصمة لا تخاف من المغامرة وخوض الصعاب من أجل تقديم هذا الجديد، وما تفتقده من عنصر الإبهار الذي يصبغه وجود النجوم الكبار في المقاعد الأمامية، تعوض عنه بالابتكار والبهارات الفنية التي تشد لها الانتباه وتشد الأنفاس. صحيح أنها غيرت جلدها في المواسم الأخيرة، بهدف أن تتكلم نفس لغة السوق التي أتقنتها عواصم أخرى، إلا أن قلبها لا يطاوعها أن تتنكر لأصلها تماما، ولا تزال تحت غطاء المضمون الذي يخاطب العقل، ترسل بين الفينة والأخرى رسائل مجنونة تخاطب الوجدان وتذكرنا بأنها العاصمة التي رفعت شعار «الجنون فنون» في يوم من الأيام. جنون تم ترويضه بلا شك، وهذا ما أكده عرض الثنائي «أنتوني آند أليسون» صباح يوم أمس على الساعة التاسعة صباحا في «سومرست هاوس» المقر الرئيسي للموضة اللندنية. بما أن الوقت كان مبكرا بالنسبة لعشاق الموضة الذي لا يزال بعضهم يعاني من فرق التوقيت وعناء السفر، بحكم أن كثيرا منهم مقبلون من نيويورك التي لم ينتهِ أسبوعها بعد، فقد استعان المصممان بفرقة موسيقية حية تلعب على آلات نحاسية صاخبة جعلت الحواس كلها تفيق وتتوثب، صاحبت العرض من البداية إلى النهاية وكأنها تخاف أن يغفي الحضور. أمر مستحيل وقوعه بالنظر إلى الأزياء التي جاءت مفعمة بالفرح والألوان والنقوشات. أنتوني بوراكوسكي، صرح بأنهما عادا في هذه التشكيلة إلى الجذور، بمعنى اهتمامهما بالموضة كفن. كما ركزا على قطعة واحدة أغدقا عليها كل الجهد، تمثلت في الفستان الذي جاء بعدة أطوال وتصاميم، ما عدا التصميم الضيق. السبب أن أغلبها كان من الحرير، مما تطلب أن تكون منسابة بنعومة على الجسم لتمنحه انطلاقا وتخلق شعورا بالانتعاش. القاسم المشترك الثاني فيها النقوشات التي تجسدت في كل قطعة لتمنحه صفة لوحة فنية.

تجدر الإشارة إلى أن الثنائي «أنتوني آند أليسون» يحتفلان هذا العام بمرور 25 عاما على دخولهما مجال الموضة. وككثير من مصممي العاصمة البريطانية بدأ من لا شيء متسلحين فقط برغبة جامحة في النجاح. فعندما تخرجا من معهد «سنترال سانت مارتن»، وأطلقا خطهما الخاص كان رأسمالهما لا يتعدى الـ200 جنيه إسترليني حينها، ومع ذلك، قررا أن لا يقف ذلك حائلا أمام تحقيقهما حلما طالما راودهما وتفانيا في دراسته، لهذا، وعوض أن يصمما مجموعة متكاملة من الأزياء، اكتفيا بمجموعة «تي شيرتات» بسيطة كتبا عليها «بي هابي»، أي: «كن سعيدا». مجموعة ترجمت ثقافة الشارع في ذلك الوقت وأكسبتهما شعبية استثمراها جيدا إلى اليوم.

في عرض الثنائي «فيودور آند غولان»، كانت القصة أكثر درامية وإثارة، جمعا فيها بين الحبكة المفصلة والحبكة المنسابة. في الكتيب الذي وضع على المقاعد، كتب المصممان أنهما استوحيا تشكيلتهما من كتاب «الوشم الأزرق» The BlueTattoo الذي يحكي قصة واقعية بطلتها فتاة من العصر الفيكتوري كانت مسافرة مع أهلها في صحراء أميركا الشمالية عندما هوجمت قافلتهم من قبل الهنود الحمر. قتل كل أهلها وبيعت هي لقبيلة أخرى تبنتها، وأصبحت منها. كجزء من تقبلها ضمن القبيلة وللتعبير عن انتمائها، كان لا بد من وشم وجهها. مرت السنوات ثم اشتراها البيض وأطلقوا سراحها لتصبح بطلة تحكي الأجيال قصتها.

المصممان ترجما هذه القصة من خلال الوشم الذي غطى أجزاء من وجوه العارضات، كما من خلال التصاميم. ففضلا عن التشكيلة استقت ألوانها من ألوان الصحراء الغنية ومن زخرفات من حضارات قديمة، مثل المايا والازتيك، فإن التصاميم كانت تتبع المراحل التي مرت منها الفتاة من الاستعباد إلى الحرية. فقد بدأ العرض بقطع مفصلة على الجسم والكثير من الكشاكش والطيات وكورسيهات تشده وتنورات ضيقة تجعل الحركة أنيقة وأنثوية لكن محدودة. الرسالة هنا واضحة ترمز للقيود التي كانت تكبل البطلة، بعدها توالت القصات المنسابة والمتحررة. الألوان أيضا تدرجت من قوية مثل الأزرق إلى ألوان الرمال والشمس. من خلال هذه القصة، نجح المصممان في أن يبرهنا عن قدراتهما الفنية المتنوعة جدا. وهذا أمر له ما يفسره، إذ سبق لهما العمل مع كثير من دور الأزياء المهمة والمختلفة مثل ألكسندر ماكوين، وراف سيمونز، وإيسي مياكي وريتشارد نيكول، قبل أن يقررا إطلاق خطهما الخاص في عام 2010.

المصممة المخضرمة، كارولين تشارلز، تحتفل هذا العام بـ50 عاما في مهنة تصميم الأزياء، وأعطت بطاقة الدعوة التي تلقاها الضيوف، الانطباع أنها ستتحفنا بقصة تاريخية أخرى تتبع مشوارها في هذا المجال عبر الأزياء. في المقابل، اكتفت بمجموعة صاخبة من ملابس البحر والقطع المنفصلة الواعدة بصيف ساخن في أدغال أفريقيا افتتحت بها العرض، تلتها مجموعة مطبوعة بأسلوبها الإنجليزي الكلاسيكي المتحفظ. فقد أرسلت العارضات في فساتين ناعمة باللون الأسود وأخرى بألوان صيفية منتعشة، وجاكيتات من التويد محددة عند الخصر نسقتها مع بنطلونات مستقيمة وأخرى واسعة، وكلها تصاميم قد تكون أنيقة ومفصلة بأسلوب راقي، لكنها تفتقد إلى الجديد. بيد أنها أنهت العرض كما بدأته، بمجموعة لافتة جاءت عبارة عن تنورات واسعة تميل إلى الفخامة، يمكن القول إنها كانت أجمل ما في العرض نظرا لأنوثتها.

من جهتها، قدمت المصممة ماريا غراشفوغل، تشكيلة حالمة وناعمة في الوقت ذاته. قالت إنها استلهمتها من سكون الطبيعة وجمالها، مما يفسر درجات ألوانها المتباينة بين الأخضر والوردي والأصفر والأبيض والأوبال فضلا عن النقوشات التجريدية المتداخلة في بعضها. الإحساس الذي يتبادر للذهن، أن المصممة تبنت المدرسة الانسيابية في هذه التشكيلة، لكن ما إن تمر بضع لحظات وبالتمعن فيها، تجد أن التفصيل هو السمة القوية فيها، إلا أن نوع الأقمشة الخفيفة في معظمها، والمزج بين الشفاف والسميك هو الذي يخلق الإحساس القوي بالانسيابية. الأشكال المنفوخة التي ظهرت في بعض الفساتين والجاكيتات استحضرت أسلوب الستينات، بينما تقنية الدرابية التي عهدنا في تشكيلاتها سابقا تطورت إلى بليسيهات خفيفة وطيات تتماوج مع الجسم. لم تختفِ بعض بصماتها السابقة في هذه التشكيلة، فقد تكررت هنا أيضا القطعة الواحدة، أي البنطلون المشبوك بقطعة تغطي الصدر، سواء كانت على شكل «قميصول» أو قميص، والفستان المستلهم من الوشاح، مرة منسابا على شكل قميص طويل بطيات جانبية خفيفة، ومرة من خلال الأكمام. البنطلون كان أيضا قطعة قوية وتباين بين الواسع والضيق. أما إذا كان هناك تحفظ على هذه القطعة، فهو ذلك البنطلون الواسع والقصير الذي غطى الركبة، لأنه لن يناسب معظم النساء.