«أسبوع لندن» يكشف عن نضجه في وجه الأزمة

في ظل منافسة شرسة مع محلات الموضة الشعبية

TT

مر اليوم الأول والثاني من «أسبوع لندن» لربيع وصيف 2013، وليس فيه ما يثير بشكل سلبي سوى أخبار تداعيات الأزمة الاقتصادية على سوق المنتجات المترفة وتأثيراتها على قطاع صناعة الموضة ككل. فمنذ أن نشر خبر تراجع مبيعات دار «بيربيري» والكل يتوجس خيفة، ويحسب للمستقبل القريب ألف حساب. أمر يمكن القول إنه انعكس على الاقتراحات التي جاد بها خيال ومقصات المصممين في لندن، والتي تميزت في الغالب بالأناقة والواقعية. أمر مرحب به، بلا شك، لأنه يخاطب شرائح أكبر من النساء بغض النظر عن أذواقهن وأساليبهن، ولا يلومهن عليه أحد أيضا في ظل الأحوال الاقتصادية الحالية. ومع ذلك، فإن الطبع يغلب التطبع أحيانا، وبالتالي لا يمكن أن يمر «أسبوع لندن» للموضة، من دون أن تطل علينا منه تقليعات باسم الابتكار وزيادة البهار، يتم التخفيف منها في ما بعد لتناسب متطلبات السوق. الأسبوع لا يزال في أوله ولن يتسارع إيقاعه إلا اليوم وغدا مع مصممين كبار بإمكانهم استقطاب المشاهير مثل «جوناثان سوندرز»، «بيربيري»، «ألكسندر ماكوين» وغيرهم. بالطبع، لن نرى شطحات أيام زمان حين كانت هذه البهارات لاسعة بسخونتها ويطغى عليها الجنون لإحداث الصدمة أكثر من إحداث الإثارة، لكننا سنرى زخات خفيفة منها، تقتصر على تفاصيل صغيرة جدا لا علاقة لها بالأزياء بقدر ما لها علاقة بالمكياج أو تسريحات الشعر أو بعض الإكسسوارات مثل القبعات أو الجوارب.

المصممة كوري نيلسون، مثلا، قدمت تصاميم مبالغا فيها، لكن من الواضح أنه يمكن تفكيكها في ما بعد لتصبح مناسبة لسوق الأزياء الجاهزة. كما لعبت كغيرها على الأقمشة الشفافة، والتفصيل الهندسي من خلال فساتين طويلة وجاكيتات مفصلة بعضها من التول. لكن رغم هذا التلاعب بالأقمشة ومزجها بطرق غير معهودة، فإن أولويتها كانت الأشكال الضخمة، من خلال فساتين طويلة ومعاطف وقمصان جد واسعة وبنطلونات بجيوب واسعة تتدلى من الجانبين. الانطباع العام كان أن العارضات متوجهات لحفل تنكري من القرن الثامن عشر، لكن بتفكيكها يمكن حضور أي مناسبة بها، سواء كانت حفلا أو اجتماع عمل.

في المقابل، أخذ المصمم جون بيير براغانزا، الذي عودنا تصاميم تركز على الزوايا الحادة، أسلوبه باتجاه جديد يحتفل بتضاريس المرأة أكثر، وحسب قوله: «بتقاطيع امرأة ناضجة»، ومن هنا أسهب في تقنية الأوريغامي التي أضفت حجما على بعض القطع، إلى جانب فساتين ناعمة من الحرير بأطوال مبتكرة في القطعة الواحدة، إلى جانب طبعات ثلاثية الأبعاد زادت التصاميم عمقا. لم يغب أسلوبه تماما، حيث ظهرت في المجموعة الأولى من العرض قطع مفصلة على شكل صديري بالأبيض والأسود، مقصوص من الأمام ليطول من الخلف ويتخذ شكل معطف، وجاكيت على شكل توكسيدو بأكتاف واسعة وخصر محدد.

لكن يبقى أجمل ما في العرض الفساتين الناعمة، بالإضافة إلى الطبعات الهندسية التي تهدف إلى نحت الجسد وإبراز جماله من دون إضفاء أي وزن عليه.

في عرض «بي بي كيو» كانت الأجواء مختلفة، أو بعبارة اصح كان الأسلوب مختلفا. فقد كان عبارة عن توليفة غنية، تزاوجت فيها الطبعات المربعة بالخطوط المقلمة لتخلق إحساسا بالمرح الذي يقارب التفكه الكارتوني. لا يمكن إنكار أنها كانت خفيفة الظل، لكنها كانت تتكلم لغة فتيات صغيرات من حقبة ماضية، أكثر من مخاطبتها امرأة تريد أزياء معقولة وأنيقة في الوقت ذاته. فهذه القطع يمكن الحصول على مثلها من محلات الموضة الشعبية المترامية في «أكسفورد ستريت» أو «بوند ستريت» وغيرها، بسهولة وبأسعار متاحة للجميع. ما لم يتم الانتباه إليه هنا أن زبونة ماركة «بي بي كيو» الوفية التي كانت صغيرة منذ عقد من الزمن، كبرت وأصبحت تريد أزياء مختلفة ومتميزة عن تلك التي تتوافر في كل المحلات.

لحسن الحظ أن باقي المصممين فهموا أن المنافسة مع المحلات الشعبية أصبحت شرسة ولا يمكن التهاون فيها. فالخامات التي تستعملها هذه المحلات أصبحت أكثر جودة، وكذلك الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة، عدا أنها أسرع منهم في طرح نسخ من تصاميمهم بفضل إمكانياتها الإنتاجية الهائلة. كل هذا دفع المصممين إلى زيادة عيار الجودة والإبداع حتى يتميزوا ويبرروا أسعارهم. بل إن أغلبهم، بمن فيهم المصممون الشباب، باتوا يعرفون أهمية التسويق، وأن الابتكار وحده، أو مخاطبة شريحة دون غيرها، لا يبيعان أو يشبعان من جوع. بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلك بطلب النصح من أصحاب المحلات التي يتعاملون معها، ويسألونهم عما يباع من إصداراتهم وما لا يلقى إقبالا في أسواق معينة، بل منهم من يطلب رأي هؤلاء في التسعيرة أيضا، وهو الأمر الذي لم يكن يخطر على بال أحد في لندن منذ عقدين مثلا. المصمم جايلز ديكون، الذي سيعرض تشكيلته يوم غد، الاثنين، اعترف ضمنيا بأن المنافسة على أشدها وعلى جميع الأصعدة، بقوله: «مصممو لندن ينتجون الآن أزياء قوية في وجه المنافسة العالمية، من حيث جودتها وتصاميمها». وهذا ما يفسر أن ما تم تقديمه لحد الآن، كان في معظمه أزياء تظهر الوجه الآخر للندن، وهو الوجه الناضج الذي يركز على جماليات الأزياء وحرفيتها لا على تشتيت جهودهم في محاولات لإغراء وسائل الإعلام.