البدء في إنشاء أول بيت معرفة للصابئة المندائيين ببغداد

أول طائفة دينية في التاريخ تعمد أتباعها بمياه الأنهار الجارية

جانب من طقوس التعميد لطائفة الصابئة المندائيين في نهر دجلة ببغداد («الشرق الأوسط»)
TT

هم سكان العراق الأصليون وأقدم من استوطن هذه الأرض قبل التاريخ.. ومع ذلك فإنه وبعد يومين من حملة بدت منظمة لغلق النوادي الاجتماعية لأبناء الطوائف الأخرى التي باتت تمثل أقلية سكانية في هذا البلد.. أقدمت وزارة الثقافة العراقية، لوضع حجر الأساس لإنشاء (بيت المعرفة المندائية)، وهو مبنى كبير هدفه الاهتمام بالطائفة الصابئية، في وقت ما زال فيه عمال التنظيف في بغداد يحاولون إزالة أكوام الخراب والفوضى التي نجمت عن حملة مداهمات واسعة قادتها قوات أمنية عراقية مؤخرا لإغلاق المنتديات والنوادي الاجتماعية والثقافية والتي تعود ملكية معظمها لطوائف مسيحية وصابئية وروادها من شرائح وانتماءات متعددة.

إنشاء الدار كما يقول القائمون عليها، جاء ضمن خطة استثمارية وثقافية شرعت بها وزارة الثقافة ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية عام 2013 القادم، ويقع دار الصابئة بجوار أحد أبرز معابد الصابئة في بغداد في منطقة القادسية (جنوب غربي بغداد)، ويأتي إنشاؤه لأجل إنقاذ هذه الأقلية من الإهمال والانحسار الذي طالها في السنوات الأخيرة بعد عمليات التهديد والإرهاب خلال أحداث 2006 - 2009 واضطرارهم إلى السفر خارج البلاد خوفا من عمليات القتل المنظم.

عبد القادر السعدي مدير إعلام وزارة الثقافة تحدث لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «جاء المشروع ليؤكد على الوحدة الوطنية واللحمة العراقية، وضمن خطة مشاريع أخرى سوف تنجزها وزارة الثقافة لجميع الفئات والأقليات المتعايشة مع الشعب العراقي».

وأضاف: «يقام المشروع على مساحة 1080 مترا مربعا، ويتكون من طابق أرضي لقاعة المؤتمرات وطابق ثان للمتحف وغرف الإدارة وبكلفة مليار و200 مليون دينار عراقي ومدة العمل 300 يوم.

في حين وصف طاهر ناصر الحمود وكيل وزارة الثقافة في كلمته الافتتاحية أن المشروع يعد خطوة لإنصاف هذه الطائفة لأنها تعرضت إلى حيف وظلم كبير شأنها شأن الأقليات الأخرى كالمسيحيين والايزيديين، مضيفا: «إن إقامة منتدى للصابئة يأتي في إطار السعي للحافظ عليهم، ونحن نعلم أن أعدادا كبيرة بدأت بترك العراق بحكم الظروف الصعبة وعمليات الإرهاب التي طالتهم مثلما طالت الطوائف الأخرى».

خالد الرومي ممثل الطائفة المندائية في العراق، ونائب في البرلمان العراقي أكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن إنشاء الدار هو هدف لطالما سعينا له، لأجل توفير المكان الملائم لعمل البحوث والدراسات والدورات الثقافية التي من شأنها خدمة أبناء الطائفة ولتحكي سفر مكون أصيل.

وأضاف: «كان للطائفة ناد اسمه نادي التعارف لكنه أغلق منذ عام 2002. وحتى الآن، وسيكون الدار المعرفي الجديد مناسبا لإقامة الفعاليات والمناسبات التي تقيمها الطائفة على نحو أوسع».

وبشأن ما تعرضت له النوادي والمنتديات الثقافية من حملات دهم وإغلاق وصفت بالهجمة الظلامية لتحويل البلاد إلى دولة طائفية متطرفة، وأثرها على وجود أبناء الطوائف والأقليات في العراق ومن بينها الطائفة الصابئية قال: «فوجئنا بما حصل، لأنه خرق كبير للحريات العامة التي كفلها الدستور العراقي، وهي نواد موجودة في كل دول العالم، وبالإمكان مراقبتها أو متابعة أدائها وليس ممارسة العنف ضد مرتاديها».

وأكد: «إن كل شرائح المجتمع العراقي ترتاد هذه المنتديات، وليس فقط أبناء الطوائف المسيحية والصابئية أو المكونات الأخرى، وعليه يجب رعاية وصيانة حقوق الإنسان العراقي بشكل أكبر والالتزام بما نصه القانون والدستور العراقي المشرع».

ويعرف الصابئة أيضا باسم المندائيين وهو يتكلمون تقليديا شكلا من أشكال اللغة الآرامية ويعتبرون آدم نبيهم ويقدسون يوحنا المعمدان.

وتعود جذورهم إلى ما قبل المسيحية بينما يعتقد باحثون أنهم مذهب منشق عن اليهودية وصل إلى بلاد الرافدين في القرن الثاني قبل الميلاد، وأن تسمية المندائيين مشتقة من الفعل الآرامي – مندا والتي تعني العالم العارف فيكون معنى الصابئة المندائيين العارفين.

وفي بداية الثمانينات كان عدد أبناء هذه الأقلية في العراق أكثر من مائة ألف، وتنتشر في ست مدن كبرى هي بغداد وأربيل (شمال) والديوانية والكوت (وسط) والعمارة والبصرة (جنوب)، لكن الطائفة انحسرت بعد أعمال العنف المسلح التي طالت العراق ما بعد الاجتياح الأميركي للعراق.

وتقول المصادر الموثقة إن الصابئة بدأوا بأول هجرة لهم إلى العراق قبل 5000 آلاف عام تقريبا وقد انتشروا على الهلال الخصيب الذي هو العراق وسوريا ولبنان ومصر.

وتعد الصابئة المندائية هي الوحيدة الباقية إلى اليوم والتي تعتبر يحيى عليه السلام نبيا لها، يقدس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي وكذلك التعميد في المياه الجارية من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى، أما ديانة الصابئة فهي أحد الأديان الإبراهيمية لأنها أول الأديان الموحدة، وأتباعها من الصابئة يتبعون أنبياء الله آدم، شيث، إدريس، نوح، سام بن ونوح، يحيى بن زكريا وقد كانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال بعض من أتباعها موجودين في العراق كما أن هناك تواجدا للصابئة في إقليم الأحواز في إيران إلى الآن ويطلق عليهم في اللهجة العراقية «الصبة» كما يسمون، وكلمة الصابئة إنما مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية اصطبغ، غط أو غطس في الماء وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان. ولأجل ذلك أيضا استوطن الصابئة قرب الأنهار.

وتدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته مطلقا، جاء في كتاب الصابئة المقدس (جنزا ربا): باسم الحي العظيم: هو الحي العظيم، البصير القدير العليم، العزيز الحكيم.

ويعد التعميد من أهم الشعائر الدينية لدى الصابئة، ذا التعميد، وهو يهدف إلى تطهير الروح جسما ونفسا، عبر تغطيس الجسم في الماء الجاري، في يوم معين، وهو يعادل تعميد 60 يوما في الأيام الاعتيادية التي تقام يوم الأحد من كل أسبوع وفقا لمبادئ الطائفة.

وللمندائيين أربعة أعياد ومناسبات دينية هي العيد الكبير «دهوا ربا» ومدته يومان، والعيد الصغير «دهوا هنينا» ومدته يوم واحد، وعيد الخليقة «البنجة ـ بر ونايا» ومدته خمسة أيام، وعيد التعميد الذهبي «دفة ديمانه» ومدته يوم واحد. وهنالك الكثير من طقوس العبادة التي ترافق هذا اليوم، أبرزها قراءة التراتيل والأدعية، فضلا عن الصلاة للسنة الجديدة.

أما موطن الصابئة الأصلي فهو العراق أو الأصح (بلاد ما بين النهرين)، وهم جزء من سكان العراق الأوائل عبر تاريخه الحضاري. ويشكلون أقلية دينية ما زالت تمارس طقوسها ودياناتها إلى الآن. ولقد ذكر في كتب المؤرخين العرب القدماء بأن الصابئة كانوا يسكنون بطائح العراق، وفي أماكن أخرى غير بلاد وادي الرافدين منها حران وفلسطين والشام وهم عموما يسكنون على ضفاف الأنهار لما للماء والطهارة من أهمية في حياتهم الدينية والروحية.. وعند إقامة الدولة الإسلامية كان يوجد أعداد كبيرة من الصابئة في بطائح العراق، في المناطق السفلى لنهري دجلة والفرات بالذات، ويبلغ تعدادهم الآن تقريبا 70 ألف نسمة في العالم.