مدن هندية تتخصص في صناعة الأسلحة والملابس للأفلام التاريخية

تعد مستودعا للأسلحة بالنسبة للأعمال الدرامية التاريخية التي تنتجها هوليوود

صانع أسلحة هندي
TT

كانت كل ملابس العصور الوسطى التي ارتداها الممثلون في الأفلام الملحمية الأميركية مثل «الساموراي الأخير» و«مملكة السماء» و«المصارع» و«ملك الخواتم» وفيلم ريدلي سكوت «روبن هود» الذي تم إنتاجه في عام 2010، فضلا عن الأسلحة التي استخدمت في هذه المعارك مصنوعة في الهند، التي صارت المكان المفضل لصفوة شركات الإنتاج السينمائي في هوليوود ونخبة الجيوش العالمية للحصول على السيوف والخوذات والدروع وأجربة السيوف.

وقد برزت 3 مدن هندية، دهرادون وميروت وساهيباباد، بصفتها مقصدا رئيسيا لصناعة الأسلحة القديمة والذخيرة والملابس والأثاث والكتب والأغراض المنزلية لصانعي الأفلام التاريخية والعروض التلفزيونية.

ويسعى الحدادون والحرفيون الهنود إلى تلبية الطلب على الدروع والسيوف من منتجي هوليوود. فتعمل شركة ويندلاس ستيلكرافت ومقرها ديهرادون في صناعة الأدوات التاريخية منذ 1943، في إنتاج الأسلحة من السيوف المقلدة والدروع الأخرى والأسلحة التاريخية الأخرى.

ويقول آي كي تشاذا، مخرج بشركة «ويندلاس ستيلكرافت»: «نحن أكبر مورد للسيوف في العالم. وتشمل قائمة عملائنا قوات المارينز الأميركية والأكاديميات العسكرية وأغلب دول أميركا الوسطى وكثيرا من الدول الأوروبية». وفرت «ويندلاس» هذه الأدوات لأفلام مثل «ملك الخواتم»، و«طروادة» و«نارينا» و«الرجل الحديدي». ويضيف تشاذا، في حوار أجري معه عبر الهاتف: «نحن نقوم فقط بتصنيع المنتجات الحاصلة على تصاريح من شركات الإنتاج. نحن حاصلون على تراخيص بصناعة كل المواد التذكارية الخاصة بفيلم (الرجل الحديدي) بما في ذلك خوذات الرجل الحديدي، ودرع الجسم والمجموعات الأخرى».

تبدي الهند استعدادات ضخمة لمواكبة الزيادة الكبيرة في إنتاج الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية حول العالم. زادت صناعة معدات العصور الوسطى - التي يصل عمرها إلى 40 عاما بشكل كبير في السنوات السبع إلى الثماني الماضية ويقدر حجمها بنحو 3.5 مليار روبية.

في هذه الأثناء يكتشف الموردون الهنود أن هوليوود لم تكن وحدها التي تقبل على شراء أدواتها. فالعالم كله في الحقيقة في ملعبهم، من شركات إنتاج الأفلام في كاليفورنيا إلى المسلسلات التلفزيونية في المملكة المتحدة إلى الفرق المسرحية في أستراليا، وهناك طلبات من كل أنحاء العالم لشراء هذه المنتجات.

ويقول سورابه ماهاجان، الملازم السابق في الجيش الهندي والمدير الإداري لشركة «إس إن إكسبورتس»، بدهرادون: «اعتاد الناس على الذهاب إلى جمهورية التشيك وبلدان شرق أوروبا الأخرى بحثا عن هذه الأدوات، لكنهم يدكون الآن أنه بات من الصعب التغلب على حرفيينا». وقد زودنا مؤخرا دروعا لحلقات مسلسل «ميرلين» الناجح الذي تنتجه شبكة «بي بي سي»، وملابس وإكسسوارات لمسرح الريفييرا الفرنسي الشهير، وفيلم «تسار» الروسي، وإيفان غروزني وميتروبوليت فيلبي. ويعمل لدى ماهاجان أكثر من 100 حرفي ويوردون هذه المعدات مثل صدريات الدروع والدروع الكاملة وملابس العصور الوسطى والسيوف الدمشقية والسكاكين والسيوف للأفلام والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية في العالم.

ولكن هناك فارق بين صناع الأفلام الغربيين والهنود عندما يتعلق الأمر باستخدام هذه الأدوات. يقول ماهاجان: «على عكس الهنود الذين لا يقومون إلا بوضع صف واحد فقط من الجنود حتى يظهروا في الأعمال الدرامية، يقوم صناع الأفلام وجماعات المسرح الغربية بهذا الأمر بمنتهي الإتقان، بل ويرغبون في قيام كافة الأشخاص بأعمالهم بنفس درجة الإتقان طيلة فترة إنتاج أعمالهم، وهو ما يعني المزيد من العمل بالنسبة لنا».

تعد مدينة ميروت، تلك المدينة القديمة التي شهدت مولد التمرد الهندي ضد الإنجليز، التي تقع على بعد 70 كلم من نيودلهي، مستودعا آخر للأسلحة بالنسبة للأعمال الدرامية التاريخية التي تنتجها هوليوود، حيث جاءت كافة الأسلحة والدروع التي استخدمها جيرارد بتلر في فيلم «300» من هذه المدينة. تعد شركة «دبيكا للصادرات» إحدى الشركات الرائدة في هذا المجال، حيث تم استخدام منتجاتها في كثير من الأفلام مثل «المصارع» للممثل راسل كرو و«300» و«قراصنة الكاريبي». قامت الشركة أيضا بتزويد هواة جمع الأشياء التاريخية بالدروع ونسخ مقلدة من المنتجات التاريخية.

يقول غاغان أغاروال، مدير شركة «دبيكا للصادرات» التي توظف 500 حرفي: «نحن نقدم منتجاتنا للسوق العالمية فقط. وحيث إن كل طلبية شراء مختلفة عن الأخرى، ينبغي أن يتم إخبار الحرفيين بكافة التفاصيل الدقيقة في كل مرة».

تتم صناعة هذه المعدات الحربية القديمة بدقة متناهية، ولكن الجزء الأكثر صعوبة في هذه الأمر يكمن في عملية التصميم.

يقول أغاروال: «كل حقبة لها خصوصياتها التي تميزها. تدخل الشركة في شراكات مع متحف كريفيلد بألمانيا، ومتحف مدينة ليدز ومدينة لندن، فضلا عن أنها تقوم بدعوة الخبراء لفحص منتجاتها لجعلها تبدو أصلية. نحن نقوم بهذا الأمر لأننا نريد تقديم هذه المعدات كما كانت في الماضي. وعلى الرغم من أن الجميع لا يلاحظون مثل هذه التعقيدات، فإننا لا نريد خداع الناس».

نجحت شركة «دبيكا للصادرات» في حفر اسمها في مجال توفير هذه المعدات لـ«لعبة تقمّص أدوار الحركة في إطار طبيعي»، (live action role - playing games)، التي تشتهر في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وأوروبا. وكما يوحي الاسم، يقوم المشاركون في «لعبة تقمّص أدوار الحركة في إطار طبيعي» بارتداء الملابس وفقا للعبة ويقومون بتمثيل الأدوار المنوطة بهم.. تعتمد هذه اللعبة على أساطير الرومان والفايكينغ وغيرها من الأساطير التاريخية.

ولكن كيف يشعر صناع هذه الأدوات العسكرية عندما يشاهدون منتجاتهم في بعض الأفلام التي تتحول بعد ذلك إلى علامات في تاريخ السينما؟ يقول ماهاغان: «إنه لشعور رائع، ولكننا أصبحا الآن معتادين عليه». أما أغاروال فكان أقل حماسا، حيث قال: «إنه جزء من عملنا. لم نعد نستطيع حصر عدد الأفلام التي استخدمت منتجاتنا. إذا سارت الأمور على ما يرام، فهذا يعني أننا أنجزنا عملنا بصورة جيدة، وهذا هو بيت القصيد».

تقوم شركة «الحمد تريدينغ بوست»، وهي شركة أخرى يقع مقرها في مدينة ميروت، بتصنيع هذه المنتجات للبرامج التاريخية التي تنتجها قنوات «بي بي سي» و«ديسكفري تشانل» و«هيستوري تشانل».

كل ما يعرفه محمد علي، أحد الحرفيين في شركة «الحمد»، عن أستراليا هو أنها تلعب الكريكيت. ولكن صاحب العمل قام بإعطائه 5.000 روبية تعبيرا عن الشكر والتقدير من هذا البلد التي لا يعرف عنها أي شيء، مما تركه سعيدا للغاية. يقول علي: «أحبت فرقة مسرحية في أستراليا الدرع والسيوف التي صنعتها لدرجة أنهم أرادوا أن يعطوني هذه الجائزة، وحينها فقط أدركت أن أعمالي كانت تذهب إلى هذا البلد».

قال المتحدث الرسمي باسم شركة «الحمد»، التي تقوم بتوظيف نحو 30 حرفيا، إن أرباح الشركة تتراوح من 8 إلى 10 ملايين روبية في العام، اعتمادا على عدد الطلبيات. عادة ما تكفي الطلبيات التي نتلقاها لاستمرار العمل داخل الشركة لنحو 8 أشهر في العام. مضيفا: «أما في الأشهر الأربعة المتبقية، فنحاول خلق خطوط جديدة لإضافتها إلى مجموعة منتجاتنا». وللحفاظ على سير العمل في الشركة في الأوقات التي تكون فيها الطلبيات منخفضة، يمارس هؤلاء التجار هواياتهم في صنع نسخ مشابهة لبعض الأعمال القديمة مثل المنتجات اليدوية والأثاث واللوحات والملابس.

يتم عرض ترسانة من الأسلحة المقلدة الخاصة بجيوش كثير من الدول، التي تتم صناعتها من الصلب الذي يحتوي على نسب عالية من الكربون وغيره من المواد الأصلية، خلال المواكب الاحتفالية التي تنظمها هذه الشركات. وفي مدينة صاحب آباد التي تقع على مشارف مدينة نيودلهي، تتم صناعة السيوف النابليونية، والدروع التي تنتمي للعصور الوسطى والقنابل اليدوية الخاصة بالحرب العالمية الثانية والخوذ.

تقوم هذه الشركات بصناعة نسخ مقلدة من بعض المعدات التاريخية مثل السيوف والرماح والبنادق والحراب والأزياء، التي يعود تاريخها بداية من القرن العاشر الميلادي وحتى الحرب العالمية الثانية. يقول أشوك راي، صاحب إحدى هذه الشركات: «شركتنا تقوم بتصدير 100 في المائة من منتجاتها». راودت فكرة تصنيع المعدات التاريخية المقلدة راي منذ 14 عاما، عندما سمع أن إحدى الشركات الفرنسية التي تصنع الشمبانيا طلبت 100 سيف لتوزيعها هدايا.

حثت هذه التجربة راي على التفكير في استكشاف سوق المنتجات التاريخية المقلدة، الذي لم يكن يعرف عنه كثيرا. وعندما لاقت الإعلانات التي قام بنشرها على الإنترنت والخاصة بطلبيات تصنيع هذه المنتجات المقلدة بعض الاستجابة، قام راي بتحويل هذا العمل إلى دوام كامل.

وفي شهر مايو (آيار) عام 2002، قامت مجموعة من ممثلي الشركات بزيارة مفاجئة إلى شركة راي، حيث كانوا يريدون الحصول على بعض المعدات العسكرية التي ستستخدم في فيلم توم كروز «الساموراي الأخير». وسرعان ما وجد راي نفسه يقوم بتصنيع المزيد من الطلبيات لأفلام هوليوود، ولكن نقطة التحول الحقيقية في شركته جاءت بعد حصوله على عقد ضخم لتصنيع المعدات التاريخية الخاصة بفيلم «مملكة السماء» للنجم أورلاندو بلوم، الذي يحكي عن فترة الحروب الصليبية.

يقول راي، الذي كان عاشقا للتاريخ منذ نعومة أظافره: «لطالما كنت أرغب في مشاهدة كل الأفلام الخاصة بالحروب التي كانت تعرض في مدينتي، فطوال حياتي كنت أقرأ كثيرا عن كافة المعارك الكبرى في التاريخ. لذا، فعندما نقوم بصناعة المعدات التاريخية الخاصة بأحد الحروب في العصور الوسطي، يكون من السهل جدا بالنسبة لي أن أشرح للحرفيين العاملين في الشركة ما يتوجب عليهم فعله بالضبط».

والآن، تعد الأفلام سوقا صغيرة للغاية بالنسبة لأعمال الشركة، حيث تأتي أغلبية الطلبيات من الجماعات والمؤسسات، التي تقوم بتنظيم فعاليات محاكاة الأحداث التاريخية، وهو نشاط تعليمي شائع في الغرب حيث يتم إعادة تمثيل بعض المشاهد التاريخية مثل المعارك وغيرها. ينطوي تصنيع النماذج المقلدة من المعدات التاريخية على اهتمام كبير بالتفاصيل الدقيقة.

وحتى يتسنى له التأكد من دقة المعدات التاريخية التي يصنعها، يقوم راي بتوظيف اثنين من الباحثين من ألمانيا - أحدهما باحث يحمل درجة الدكتوراه في علم الآثار، والآخر أستاذ للتاريخ في جامعة أوغسبورغ. تبدأ عملية صناعة نسخ طبق الأصل من المعدات التاريخية عن طريق إرسال صور تفصيلية عن المعدات الأصلية إلى الهند، يتم بعدها صناعة نموذج أولي ويرسل إلى الباحثين، ولا يبدأ الإنتاج الضخم لهذه المعدات إلا بعد موافقة الخبراء.

يقول راي: «هذا العمل شاق للغاية ويتطلب عمالة كثيفة. هناك كثير من الأبحاث التي تم إجراؤها على هذه المعدات التاريخية، وهو ما يصعب مهمة عمل نسخ طبق الأصل منها»، مضيفا: «قمنا بصناعة 1.500 من صدريات الدروع من أجل فيلم «مملكة السماء» وقمنا باستخدام الألومونيوم كي تظل الملابس لامعة أثناء التصوير. قام نحو 500 عامل، معظمهم من النساء، بصناعة الوصلات الصغيرة لتكوين هذه الصدريات. تتطلب صناعة صدريات الدروع عمالة كثيفة، حيث ينبغي ربط كل وصلة صغيرة بالوصلة المجاورة».

قام راي بإنشاء شركة خاصة به في ألمانيا لتسويق معدات المعارك لفعاليات محاكاة الأحداث التاريخية ومعارض العصور الوسطى، فضلا عن دخوله في شراكة مع إحدى الشركات الإسبانية لاستئجار الأزياء والمعدات لصالح صناع الأفلام الوثائقية.

ومؤخرا، يقوم عمال راي بصناعة كافة أنواع المعدات القتالية لإعادة تمثيل معركة واترلو والثورة الأميركية، بالإضافة إلى فيلم وثائقي حول ألمانيا بين الحربين العالميتين. بلغت الإيرادات التي حققتها شركته في العام الماضي 3 ملايين دولار.

لذا، ففي المرة القادمة عندما ترى سيفا يلمع في الشاشة في أحد أفلام هوليوود التاريخية أو إحدى المسرحيات في أي مكان في العالم، قم برفع قبعتك له، فمن المحتمل أن يكون هذا السيف قد قام بصناعته رجل حرفي مثل علي، الذي يعمل في أحد الشوارع الخلفية في مدينة ميروت.