ربيع وصيف «بيربيري» 2013 يتلونان بألوان قوس قزح

تصميماتها وعروضها تؤكد مرة أخرى أنها نجمة الأسبوع اللندني

جانب من عرض «بيربيري» في الأسبوع اللندني
TT

بعد بداية هادئة يوم الجمعة بسبب تزامن اليوم الأخير من «أسبوع نيويورك» مع اليوم الأول من «أسبوع لندن»، مما أدى إلى تأخر وصول العديد من الصحافيين والمشترين على حد سواء، فإن الإيقاع تسارع يوم الأحد مع عروض نيكول فارحي وبول سميث ليصل، أوجه يوم الاثنين الماضي مع عرض «بيربيري». تألق هذا اليوم بعدد لا يستهان به من النجوم والشخصيات الإعلامية والفنية والرياضية بالنسبة لأسبوع لم يكن يحضره أي أحد من قبل، وكان يستعمل مجرد محطة عبور من نيويورك إلى ميلانو. إلى جانب لاعب التنس البريطاني أندي موراي، والعارضات كيت موس، وأليكسا تشانغ، ولورا بايلي، وآنا وينتور التي قدمت من نيويورك لحضور عروض كل من «نيكول فارحي»، و«كريستوفر كاين» و«بيربيري» و«مالبوري»، كانت هناك أيضا سمانثا كاميرون زوجة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون التي أصبح حضورها بمثابة التقليد المنتظر والمرحب به.

من جهتها، تعرف جيدا ضرورة دعمها قطاع الموضة وأهمية تشجيعها المصممين الشباب، خصوصا أنها أيضا المصممة الفنية لدار «سميثسون» في قسم الجلديات. أول ظهور لها كان في عرض الأسكوتلندي كريستوفر كاين، الذي أعلنت إعجابها به في مرات سابقة، بظهورها بتصاميمه في عدة مناسبات ومحافل.

العرض كان مزيجا بين المستقبلي والحنين إلى الماضي.. فقد ظهرت العارضات بأسلوب قوطي وكأنهن عرائس فرانكشتاين، سرعان ما تحول إلى مجموعة أكثر ابتهاجا لعبت فيها ألوان الحلوى مثل الوردي والأخضر والأبيض المستوحاة من حقبة الستينات، دورا كبيرا في التخفيف من حدة تفصيلها وتفاصيلها. فقد صبغت هذه الألوان جاكيتات منفوخة مستوحاة من تلك التي يلبسها سائقو الدراجات النارية، وأخرى بأكتاف واسعة، فضلا عن فساتين ناعمة ومفصلة على الجسم. اللمسة المستقبلية تجلت أيضا في استعمال المطاط لمنح هذه الفساتين والقطع المنفصلة الأخرى حجما ومرونة في الوقت ذاته، بالإضافة إلى استعمال تقنيات أخرى تذكرنا لماذا تهلل له أوساط الموضة العالمية. الطريف أن العرض أقيم في مكان لم يكتمل بناؤه وديكوراته في «أكسفورد ستريت» بالقرب من محل «بريمارك» المشهور بطرحه أزياء رخيصة جدا تحاكي تلك التي تعرض على منصات عروض الأزياء. وهذا يعني شيئا واحدا وهو أن نتوقع استنساخ ما تم عرضه حتى قبل أن تدور ماكينات الإنتاج في المعامل التي تعاقد معها المصمم لكي يطرحها للصيف المقبل.

التركي الكندي البريطاني إريديم، مصمم آخر لم تخف سمانثا كاميرون إعجابها به ولم تتخلف عن أي من عروضه لحد الآن، كما أن دوقة كمبردج، كيت ميدلتون، ظهرت في العديد من تصاميمه مؤخرا. هذه المرة، لم يقدم جديدا بالمعنى المفاجئ، وجاد علينا في المقابل، باستعمال باقات ورد صاغها من قماش الدانتيل ورصع بها فساتين الكوكتيل، مع تلاعبه بالشفاف والسميك في القطعة الواحدة. الدانتيل شكل مادة مهمة في هذه التشكيلة؛ إذ تكرر في العديد من القطع، وإن كان الجديد فيه ألوانه المشعة، بالإضافة إلى استعماله جلود الأفاعي في بعض القطع والترصيعات المتنوعة ليمنح تصاميمه حيوية ولمسة منعشة تختلف عما قدمه في السابق.

أقيم العرض في ساحة «بلومزبيري»، المنطقة التي عاش فيها أدباء وكتاب مثل فيرجينيا وولف وغيرها، لهذا عندما شرح المصمم بعد العرض أنه استلهم هذه التشكيلة من كاتبة قصص الخيال المستقبلي، زينة هندرسون، التي كانت تعمل مدرسة في النهار وتؤلف قصصها في المساء، توضحت الفكرة أكثر، وفسرت الخطوط المستوحاة من الخمسينات على شكل تنورات مستقيمة والتصاميم الأنثوية. كما فسرت تلاعبه بالشفاف من خلال قماش الأورغنزا الذي يطل من الجوانب والسميك من خلال الحرير، والألوان الفاتحة للنهار والغامقة للمساء. ورغم غياب الجديد في هذه التشكيلة، فإن ما يشفع له تلك الأناقة التي صاغها بشكل يحاكي الـ«هوت كوتير»، سواء تعلق الأمر بالأشكال الأنثوية أو الألوان الناعمة التي اختارها أو الخامات المترفة.

على الساعة الرابعة ظهرا، كانت الوجهة حدائق كينسجتون، لمتابعة أكبر حدث في الأسبوع، ألا وهو عرض دار «بيربيري». فهو العرض الذي ينجح دائما في استقطاب لفيف من النجوم والشخصيات. أهميته لا تكمن فقط في إمكانات الدار البريطانية العريقة التي تتيح لها إقامة عروض ضخمة توازي تلك التي تقام في باريس وميلانو، بل أيضا في قدرة مصممها الفني كريستوفر بايلي على إدهاشنا في كل موسم بجديد رغم أن المادة التي يلعب عليها دائما محدودة. فالدار التي تأسست على معطف ممطر اخترعه توماس بيربيري منذ أكثر من قرن من قماش الغاباردين ليحمي الجنود في الخنادق والمستكشفين في الأماكن الوعرة والباردة جدا، أصبحت لصيقة بهذه القطعة، تماما مثلما أن «شانيل» مرتبطة بتايور التويد و«ديور» بالتنورات المستديرة الفخمة والجاكيت المحدد عند الخصر. وهذا يعني أنه لزاما على المصمم الشاب أن يحترم هذا المعطف وفي الوقت نفسه يجدده حتى يواكب تطورات العصر ومتطلباته.. وهذا ما نجح فيه إلى حد الآن، ففي كل موسم، يطرحه بألوان وأشكال مختلفة، وأقمشة بتقنيات متطورة، يبدو فيها الجلد مثل الدانتيل، والترتر والخرز مثل قشور أسماك تسبح تحت الماء وتنعكس عليها أشعة الشمس، من دون أن يجرده من كلاسيكيته.

العنصر الوحيد الذي غاب هذه المرة وافتقده الحضور، هو أنه لم يجعل السماء تمطر أو ترعد كما في السابق بعد انتهاء العرض، ربما لأن التشكيلة تتوجه إلى الربيع والصيف المقبلين، أو ربما لأنه كان لا بد من تقليص الميزانية تحسبا للأزمة الاقتصادية العالمية التي أثرت على مبيعات الدار في الآونة الأخيرة. في المقابل، اكتفت بصورة محلها الجديد في «ريجنت ستريت» بلندن، الذي يعتبر الأضخم والأكبر، وعكسته على المكان الذي تخرج منه العارضات، وتلاشت بعد بدء العرض لتسليط الضوء على الأزياء. ولحسن الحظ أن كريستوفر بايلي لم يشأ أن يخيب توقعاتنا، وعوض عن المطر بشلال من الألوان المستوحاة من قوس قزح، في تشكيلة غلبت عليها الدرجات المتوهجة والبراقة. هناك معطف مثلا يتدرج لونه من الأزرق الفيروزي إلى الأزرق الملكي، وآخر من الوردي إلى الفوشيا وهكذا. طبعا، لا نحتاج للقول إن المعطف كان البطل في هذه التشكيلة، فقد جاء بخامات مختلفة تخاطب كل المناسبات، بدءا من الجلد إلى الدانتيل والبروكار، و«ألوان مطفية» وأخرى معدنية بلون الذهب، فضلا عن المعطف الكلاسيكي بلونه البيج. تصاميمه أيضا تراوحت بين الكلاسيكي والعصري الذي زين بالدانتيل حينا. بيد أنه لم يكن القطعة الوحيدة اللافتة في هذه المجموعة، فبعض الفساتين خطفت الأضواء ببريقها، وإن كان التصميم الغالب فيها هو الضيق الذي يعانق الجسم ويبرز تقاطيعه. كانت هنا أيضا قطع منفصلة كثيرة، لعب فيها على الجزء العلوي من الجسم، وتحديدا الأكتاف، التي غطاها بما يشبه جاكيت قصيرا يغطي الكتف وبأكمام طويلة.

يذكر أنه على الرغم من أن النتائج السنوية التي أعلنت منذ أيام تشير إلى أن مبيعات الدار وأسهمها انخفضت بنسبة لا يستهان بها، الأمر الذي أرسل قشعريرة في أوصال سوق المنتجات المترفة، فإن الدار لا يبدو أنها ستتوقف على افتتاح محلات جديدة في المستقبل القريب مثل محل جديد خاص بالأزياء الرجالية في منطقة «نايتسبريدج»، أو عن إبداع قطع مبتكرة وأنيقة تجعلها تبقى ضمن الكبار. وبالنظر إلى ما قدمته يوم الاثنين، فإنها لحد الآن أهم دار أزياء بريطانية، مما يطمئن النفس بأن الأزمة الحالية مجرد سحابة صيف سينجح المعطف الكلاسيكي بأوجهه المختلفة في الوقاية منها، لا سيما إذا عرفنا أن معطفا مغطى بريش الطاووس بالكامل يقدر سعره بـ22.000 جنيه إسترليني.. وبتصميمه المميز وألوانه وتأثيره الدرامي سيعرف طريقه حتما إلى خزانات العديد من نساء العالم ولن يقف سعره عائقا أمام تسويقه. كما العادة، وبحكم أن الدار البريطانية، ورائدة في مجال التكنولوجيا، فإن العرض بث مباشرة على موقعها الخاص، وكذلك على شاشات بلازما ضخمة في محلها الجديد بـ«ريجنت ستريت».