مظاهرات الوقوف في المياه تنتشر في الهند

رضوخ الحكومة لمطالب المتظاهرين بعد استخدام النشطاء للإنترنت

قضى المتظاهرون أياما طويلة في المياه للمطالبة بحماية أراضيهم التي ستغمرها المياه («الشرق الأوسط»)
TT

ارتدت ليلى باي قبعة من الأكياس البلاستيك لحمايتها من أشعة الشمس الحارقة أثناء وقوفها في المياه العميقة التي تصل إلى الرقبة عندما قضى أكثر من 50 فلاحا في قرية خاندوا النائية في ولاية ماديا براديش بوسط الهند 17 يوما في المياه، في محاولة يائسة لإنقاذ منازلهم وأراضيهم. شارك في هذه المظاهرة أطفال ونساء ورجال من كل الأعمار إلى جانب النشطاء لمواجهة ارتفاع منسوب المياه.

وفي قرية هاردا النائية في الولاية ذاتها وقف نحو 200 فلاح في المياه احتجاجا على غرق أراضيهم الزراعية لبناء محطة لتوليد الكهرباء من المياه، سعيا وراء الحصول على أراضٍ بديلة وتعويضات نقدية. وكانت سدود أونكارشوار وإنديا ساغار التي بنيت على نهر نارمادا – وهي جزء من مشروع سدود متعددة - قد غمرت منازل القرويين أو حقولهم في منطقة تجميع المياه.

وتأثرا بالأفراد في ماديا باراديش، الواقعة في أقصى جنوب الهند، نزل المئات من الأفراد إلى مياه خليج البنغال في ولاية تاميل نادو للاحتجاج على ما قالوا إنها أخطار منشأة الطاقة النووية. وكان ما يقرب من 10 آلاف متظاهر، بما في ذلك نساء وأطفال، قد نزلوا إلى البحر لبدء احتجاج مفتوح في المياه. سار المتظاهرون المعارضون للأسلحة النووية على طول الساحل ونزلوا إلى البحر مكونين سلاسل بشرية. وعبر المعارضون لإنشاء محطة الطاقة النووية في كودوكالان عن مخاوفهم من وقوع نفس النوع من الحوادث التي وقعت في مفاعل فوكوشيما داييتشي الياباني، ويتوقع أن تفتتح محطة كودوكالان في غضون أسابيع لإنتاج 2 ميغاوات من الكهرباء.

بدأ هذا النوع الجديد من المظاهرات في الهند، مظاهرات الوقوف في المياه، في أواخر أغسطس (آب)، وأخذت في الانتشار كوسيلة جديدة للتظاهر. يطلق على هذا النوع من التظاهر جال ستايغراها. «جال» التي تعني المياه و«ستايغراها» التي تمثل نوعا من الاعتراض السلمي الذي نشره أب الأمة المهاتما غاندي.

وكان الملايين من الهنود قد تضرروا نتيجة السدود التي أقيمت على نهر نارمادا الذي يمتد بطول 1,300 كيلومتر في وسط الهند. وكان مشروع تنمية وادي نارمادا - إحدى أضخم مبادرات توليد الكهرباء من المياه في العالم - قد أثير جدل حوله منذ إنشائه عام 1979. وعلى الرغم من تخلي الحكومة حتى الآن عن الفلاحين في مقاطعة هاردا الذين غمرت المياه أراضيهم، حقق الفلاحون في خاندوا الذين استخدموا وسائل مماثلة في الاحتجاج النصر عندما أذعنت الحكومة لمطالبهم بالموافقة على منحهم أراضي مقابل الأراضي التي غمرت بالمياه وخفض مستوى مياه السد.

وقال رازيشيام تيرول، أحد المتظاهرين: «مكثنا في المياه 17 يوما، لكننا كنا نخرج في بعض الأحيان لقضاء حاجتنا». وقال شاين بهاراتي غوسوامي، قروي آخر: «كيف يمكن لشخص أن ينام في المياه؟ كنا ننام لثلاث ساعات خلال الليل، وكنا نخرج من المياه لقضاء الحاجة والأكل، وخلافه. كانت الأسماك والجمبري تعضنا، وتأثر جلدنا، وكانت السماء تمطر علينا».

تعرض الكثير من المتظاهرين للإصابة بالأمراض التي كان من بينها الطفح الجلدي الشديد وتفرح القدمين وجروح ملتهبة بعدما بدأت الأسماك تتغذى على أجسادهم.

بدا الوضع قاتما لكن عزيمة المتظاهرين والدعم الاجتماعي الواسع لقضيتهم أثمرت في النهاية عن نتائج تمخض عنها موافقة الحكومة على قبول كل مطالبهم في اليوم السابع عشر من الاحتجاج.

جاء استسلام الحكومة بعد شن مجموعة من النشطاء من نارمادا باتشاو أندولان حملة إعلامية حظيت باهتمام وطني، بعد نشر مظاهرات المياه غير العادية على الإنترنت.

وقد نشهد خلال الأيام القادمة المزيد من أشكال فكرة الاحتجاجات في المياه، حيث تنظم منظمات المجتمع المدني المعوزين في الهند إلى وحدات مقاتلة صغيرة، لإظهار تضمنهم الفعلي مع الأشخاص في ولاية ماذيا باراديش وكوندانكولام في مناطق الهند المختلفة تقوم باحتجاجات الوقوف بالمياه من الطبول المليئة بالمياه وخزانات المياه في المنازل والقنوات والأنهار القريبة عبر نوبات.

ورغم استمرار المظاهرات في هاردا، أجبرت الشرطة الأهالي على الخروج من المياه، لم تتحرك بوغاتي ديفي، الذين وقفوا في المياه العميقة حتى تم تلبية مطالبهم. وقالت غيرجاباي، كبيرة المتظاهرين: «كنت سأغرق»، فلم تتحمل رجلاها وتغير لون جلدها وأصيبت بالمرض. بيد أنهم ظلوا شامخين. وقد أكدت أنها لن تترك المياه، وقالت: «لقد وصلت إلى أعناقنا لكننا لن نخرج، فنحن لم نعد نكترث للموت بعد الآن».

يمثل ذلك خيارا قاسيا بالنسبة للكثير من القرويين، لكنهم لا يمتلكون الكثير من الخيارات على أية حال، فنادرا ما كانت الحكومة تستجيب لاحتجاجاتهم التي استمرت على مدى أكثر من عقد ضد المظالم التي تعرضوا لها خلال إنشاء مشروع أومكاريشوار (لتوليد 250 ميغاوات). انتهى بناء السد بالفعل وسوف يغرق آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية الخصبة وأراضي تجميع المياه ما إن تبدأ في العمل بكامل طاقتها.

يعلم المتظاهرون القرويون أنه إذا تركت الحكومة تغمر بالمياه دون إعادة توطينهم ومنحهم أراضي جديدة، لن يكون أكثر اختلافا، وهو ما يفسر حالة الإحباط التي يعيشون فيها.

ربما كان ذلك هو السبب في أن طريقتهم في الاحتجاج لم تنطلق من التراث الثقافي لاستغلال المعاناة الشخصية كسلاح مظاهرة سياسية، التي لها تاريخ طويل في الهند. كان غواتام، بوذا، يدرك القوة الذاتية لهذه المعاناة، التي لا تطهر قلب الشخص وفقط، بل ضمير العدو، وتجبره على تصحيح أخطائه. وبعد أكثر من ألف عام حول غاندي لتحويل فكرة إلحاق الأذى في النفس إلى أداة قوية من العمل السياسي، وأكثر قوة من المعارضة العنيفة للحكم الاستعماري، بيد أن قضية هؤلاء القرويين المتظاهرين تختلف بشكل ملحوظ عن هذه الفكرة.

وفي كوندوكالان، لا تزال الاحتجاجات متواصلة حتى يتم إغلاق المنشأة النووية. وتقول ريشيكا راج، البالغة من العمر 15 عاما: «المكوث في البحر ليس من قبيل المتعة، هذه المنشأة النووية لعنة ولن يستفيد منها أحد. يمكن لكارثة واحدة أن تقنع سياسيينا وحكومتنا، عندئذ لن نتمكن من العيش كي نروي القصة».

وعلى الرغم من استمرار معاناتهم في البحر، نشرت قوات حرس السواحل طائرات بهدف المراقبة الجوية. وأضافت راج: «ليس من السهل البقاء في البحر لمدة خمسة أيام ساعات طويلة تحت الشمس الحارقة. الأمر ليس وقوفا في بحيرة أو نهر، فالمد قوي».

وتشير الناشطة ميلرد راج، إحدى النساء في حركة الشعب ضد الطاقة النووية، وستواصل القرية بكاملها الوقوف في مياه البحر حتى تستجيب السلطات.

وتقول راج: «كنا نتظاهر خلال العام الماضي، وقمنا بإضراب الجوع وحلقنا رؤوسنا ودخلنا السجن والتقينا رئيس الوزراء ورئيس حكومة الولاية، ورفعنا قضايا في عدة محاكم تحمل مطلبا بسيطا: أنقذونا وأنقذوا أرضنا ومياهنا من منشأة الطاقة النووية. الآن لا يوجد أمامنا خيار، حيث أعطت مفوضة تنظيم الطاقة النووية إشارة البدء لتحميل الوقود، ووضعت الحكومة جدولا لبناء المحطة. وقد أصبحنا غير مرغوب فينا في هذه الأرض، لذا دعوا البحر يأخذنا جميعا».