معجم جديد للغة العامية في مصر القديمة

اللغة الديموطيقية في قاموس جديد مكون من 2000 صفحة على الإنترنت

المصريون قد هجروا اللغة الديموطيقية منذ أكثر من 1500 عام واستخدموا بدلا منها اللغة القبطية ثم العربية في النهاية
TT

كان المصريون القدماء لا يتحدثون اللغة الهيروغليفية وحدها، حيث كانت الرموز الهيروغليفية المعقدة تسجل حياة وانتصارات الفراعنة في قبورهم وعلى الحجارة الأثرية الموجودة على طول نهر النيل، في حين كان الناس في حياتهم اليومية يتحدثون بلغة مختلفة ويكتبون حروفا مختلفة أبسط من الهيروغليفية.

وكانت هذه اللغة البسيطة تستخدم للتعبير عن مشاعر الحب وبين أفراد الأسرة وفي القانون والتجارة والرسائل الخاصة والنصوص العلمية والدين والأدب. وعلى مدار أكثر من 1000 عام، وبالتحديد خلال الفترة بين عامي 500 قبل الميلاد و500 بعد الميلاد، كان المصريون يتحدثون هذه اللغة ويستخدمون هذه الأحرف المصرية المميزة والتي كانت تعرف باسم الكتابة الديموطيقية المصرية، وهو الاسم الذي أطلقه اليونانيون للدلالة على لغة العامة.

وكانت الديموطيقية واحدة من بين ثلاث لغات تم العثور عليها على حجر رشيد، بالإضافة إلى اليونانية والهيروغليفية، وهو ما مكن العلماء الأوروبيين من فك رموز اللغة الهيروغليفية في مطلع القرن التاسع عشر، وبالتالي من قراءة اللغة المكتوبة من أعلى إلى أسفل والتي تشرح التاريخ الطويل لهذه الحضارة العظيمة.

والآن، أكمل العلماء في معهد الدراسات الشرقية التابع لجامعة شيكاغو ما يقرب من 40 عاما من البحث وقاموا بنشر المعاني النهائية للغة الديموطيقية في قاموس مكون من 2000 صفحة على شبكة الإنترنت. ويحتوي هذا القاموس على أكثر من ضعف الكلمات المعروفة عن اللغة الديموطيقية. ويتوقع علماء المصريات أن تساعد التعريفات والأمثلة التي استخدمها القاموس على الإسراع في وتيرة حركة الترجمات من الوثائق الديموطيقية، والتي نشر منها أقل مما نشر عن أي مرحلة أخرى من الكتابة المصرية القديمة.

وعُقدت ورشة عمل للمتخصصين في مجال البحث الديموطيقي بجامعة شيكاغو الشهر الماضي، حيث كان يتم نشر حرف الـ«S» في القاموس، وكان أخر فصل من الـ25 فصلا التي يضمها القاموس، على الموقع الإلكتروني لمعهد الدراسات الشرقية، حيث سيكون القاموس متاحا على شبكة الإنترنت مجانا. وأعلنت الجامعة عن أنه سيتم طرح نسخة مطبوعة من القاموس في نهاية المطاف، وستكون مخصصة للمكتبات البحثية.

وقالت جانيت جونسون، وهي عالمة مصريات بمعهد الدراسات الشرقية والتي خصصت جل مسيرتها المهنية لمراجعة قاموس شيكاغو الديموطيقي، إن القاموس «يعد أداة لا غنى عنها لإعادة بناء الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في مصر القديمة خلال فترة رائعة» عندما كان يتم السيطرة على الأرض من قبل أجانب - أولا الفرس، ثم اليونانيون ثم الرومانيون في نهاية المطاف.

وقال مدير المعهد جيل ستين: «إنه شيء رائع حقا ما يقوم به القاموس لفهم مجتمع قديم. سيؤدي ذلك إلى فهم النصوص المتبادلة بين عامة المصريين، وليس بين الحكام وحدهم، في الوقت الذي كانت فيه الدولة تابعة بشكل متزايد للعالم اليوناني والروماني».

وعلى الرغم من أن المصريين قد هجروا اللغة الديموطيقية منذ أكثر من 1500 عام، واستخدموا بدلا منها اللغة القبطية، ثم العربية في النهاية، فإن جونسون يقول إن القاموس قد أظهر أن اللغة الديموطيقية لم تختف نهائيا، وتظهر في كلمات مثل «طوب»، المشتقة من الجذر الديموطيقي «ط ب ي» والذي انتقل فيما بعد إلى اللغة الإنجليزية في شكل كلمة «adobe»، كما انتقلت إلى اللغة الإسبانية التي يتحدثها المغاربة، وتظهر أيضا في العديد من الكلمات الأخرى.

وبالنسبة لمعهد الدراسات الشرقية، يعد هذا تتويجا لمشروع ثان، حيث تم الانتهاء من الفصل الأخير من القاموس المكون من 21 مجلدا والذي يضم لغة بلاد ما بين النهرين ولهجات البابلية والآشورية القديمة، خلال العام الماضي بعد 90 عاما من العمل العلمي.

ويعد القاموس الديموطيقي، الذي بدأ العمل به عام 1975، بمثابة تكملة وتحديث لقاموس آخر متواضع تم نشره باللغة الألمانية عام 1954 من قبل الباحث الدنماركي وولغا إريكسن.

ويضم القاموس الديموطيقي الإنجليزي كلمات جديدة لا توجد في المسرد، فضلا عن استخدامات جديدة لكلمات معروفة من قبل وأمثلة أكثر اتساعا للكلمات المركبة، وعبارات اصطلاحية وأسماء الأماكن والإشارة إلى الآلهة والكلمات المستعارة من لغات أخرى. ويتم نشر الفصول التي تم الانتهاء منها على شبكة الإنترنت من وقت لآخر خلال السنوات الأخيرة.

وقال عالم المصريات بجامعة براون جيمس ألين: «قاموس شيكاغو الديموطيقي يشبه قاموس أكسفورد الإنجليزي، حيث يعطي العديد من معاني الكلمات والفوارق الدقيقة بينها».

وأشار ألين إلى أنه قد استخدم القاموس الجديد كمصدر رئيسي للبحث في كتابة مؤلفه عن تاريخ اللغة المصرية، والذي سيتم نشره العام المقبل عن طريق مطبعة جامعة كمبريدج. وأضاف ألين: «لم أكن لأقوم بهذا العمل دون الاستعانة بهذا القاموس، أو لم يكن العمل ليخرج بهذه الجودة».

واستطرد ألين قائلا إن اللغة الديموطيقية لغة صعبة في القراءة، لأن الكلمات لا تحتوي على حروف متحركة وكل حروفها من الحروف الساكنة. إن الفرق بين اللغة الديموطيقية واللغة المصرية الأقدم في وقت بناء أهرامات الجيزة (2613 - 2494 قبل الميلاد) أكبر من الفرق بين اللغة الأنغلوسكسونية واللغة الإنجليزية الحديثة.

وفي الحقيقة، يمكن أن يكون لهذه الجهود في الترجمة بعض الثمار، مثل الفهم الجديد لما يطلق عليه ألين اسم القصة الديموطيقية للكبار والمشهورة بين العلماء، حيث يذهب بطل هذه القصة إلى كهف لسرقة كتاب السحر، وتحذره مومياء هناك بأن ذلك سيجلب له العديد من الكوارث، ثم سرعان ما تظهر امرأة تدعوه إلى الذهاب لمنزلها لممارسة الجنس، ولكنها لا تمنحه الفرصة لذلك وتطلب منه مطالب لا نهاية لها في ظل ظروف محبطة.

وفيما يتعلق بموضوع الجنس، يقول المتخصصون في اللغة الديموطيقية إن كليوباترا، التي تعد آخر الفراعنة والمفترض أن تكون الوحيدة القادرة على التحدث بلباقة في الخطابات العامة، لم تكن تتحدث سوى باللغة اليونانية في مخدعها، حيث كانت اليونانية هي لغة الطبقة الحاكمة لعدة قرون.

وقال جونسون، الذي يبحث عن دور أكثر مساواة للمرأة في المجتمع المصري القديم، إن العقود الديموطيقية المكتوبة على ورق البردي توضح بالتفصيل إقرار الزوج بالمال الذي تشارك به الزوجة في الزواج، مع وعد بإعطائها كمية محددة من الطعام ومبلغ معين من المال لشراء الملابس. وأظهرت وثائق أخرى أن النساء كن يمتلكن عقارات، ولهن الحق في تطليق أزواجهن.

وأشارت باحثة أخرى في شيكاغو، وهي بريان موهز، إلى أن العديد من الوثائق الديموطيقية قد ألقت الضوء على عملية جمع الضرائب، وأن الحكومة كانت، في كثير من الأحيان، تعهدت بعملية تحصيل الضرائب للجهة التي تدفع أعلى سعر، والتي كانت ملزمة بدفع مبلغ المزايدة بغض النظر عن مقدار الضرائب التي يتم جمعها. وكان الأفراد يحتفظون بإيصالات الضرائب لسنوات، جنبا إلى جنب مع غيرها من السجلات المالية، والتي كانت تكتب في كثير من الأحيان على قطع الفخار.

وبما أن قاموس شيكاغو الديموطيقي سوف يؤدي إلى نشر مزيد من النصوص والكلمات الجديدة، يرى عالم المصريات بجامعة ميونيخ فريدهيلم هوفمان أن ذلك قد يزيد الحاجة للحصول على إصدارات محدثة، مثل الأقراص الصلبة.

* خدمة «نيويورك تايمز»