آثار إمبراطورية عظيمة منسية في هامبي الهندية

فيجاياناغار كانت تمتد على مساحة شاسعة بين القرنين الـ14 والـ16

جانب من آثار فيجاياناغار الامبراطورية الزائلة
TT

لقد نظرت إلى حافة «حمام الملكة»، وهو مغطس كان فيما مضى مكانا تستحم فيه السيدات في واحدة من أعظم الإمبراطوريات في الهند. قال كومار، المرشد السياحي الذي كان يصطحبني في هذه الرحلة: «هذا هو الخندق المائي» مشيرا إلى خندق عميق يحيط بالمبنى الذي كنا فيه من الخارج. وأضاف: «لقد كان الملك يملؤه بالتماسيح حتى لا يقترب أحد ويسترق النظر إلى الملكة وهي تستحم». وكان هذا من سوء حظ هؤلاء.

كان الحمام واحدا من ضمن عدد كبير من المباني المذهلة التي رأيتها خلال زيارتي إلى مدينة هامبي الصغيرة التي تقع في جنوب غربي ولاية كارناتاكا الهندية. المدينة، التي قل عدد السكان بها عن ذي قبل، هادئة الآن، لكن منذ عدة قرون كانت المدينة عاصمة لواحدة من أعظم الإمبراطوريات الزائلة التي كانت تمتد على مساحة شاسعة من جنوب الهند بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر، وهي إمبراطورية فيجاياناغار.

كانت «مملكة النصر» كما كانت تعرف تمتد من ميناء غوا الغربي إلى شواطئ الهند الشرقية وإلى الجنوب (كيب كومورين الآن). أما الآن فقد أصبحت أثرا بعد عين.

اكتشفت هامبي للمرة الأولى بالمصادفة من خلال دليل سياحي أثناء زيارتي إلى نيبال، حيث كنت أحضر حفل زفاف زميل لي من أيام الجامعة. تشككت في بادئ الأمر، فقد سمعت عن «المعبد الذهبي» و«تاج محل» والحياة الصاخبة في مومباي، لكن ما هي تلك المملكة الخفية في الجنوب؟ طلبت من سائحين في نيبال النصيحة. وقد اقتنعت بزيارتها بعد ما رأيته من حماس في حديث هؤلاء السائحين عنها. وقد نصحوني جميعا بالذهاب.

خلال يومي الأول في هامبي، ذهبت إلى مركز الشرطة من أجل تسجيل جواز سفري وآلة التصوير الخاصة بي، وهو أمر يجب على الأجانب القيام به، ثم قمت بزيارة بعض المعابد القريبة. لم تكن شيئا يذكر، حيث كانت بعض الأجزاء المدعمة بأعمدة بسيطة مستطيلة الشكل من الجرانيت، وهي لا شيء مقارنة ببعض الآثار والتماثيل الأخرى في هامبي.

في وقت لاحق من زيارتي، اكتشفت تمثال الإله غانيش، وهو من آلهة الهندوس. وهو منحوت من قطعة من الصخر ارتفاعها 18 قدما. لقد كان لا يزال كاملا سليما فيما عدا الجذع والبطن، الذي هدمهما جمع غاضب من الناس في القرن السادس عشر. مع ذلك لم ألاحظ هذه التماثيل في البداية لأنني لم أستطع أن أحول ناظري عن البناء الذي بدا كأنه قادم من المريخ. لقد كان المكان مليئا بجلاميد حمراء وصفراء عظيمة مكونة تلالا صغيرة أو منحوتات طبيعية جميلة ومعبرا يربط بين مكعبات ثلج ذائبة وقوالب متآكلة بشكل غريب من لوحة لسلفادور دالي. وكما جاء في ملحمة «رامايانا» الهندوسية، كانت هامبي موطن الإله هانومان الذي يتخذ شكل قرد. وبدت أحجار الجرانيت الضخمة الحمراء والبنية مثل آثار لمجموعته المفقودة المصنوعة من الرخام. وكان يحيط بالمكان قنوات خضراء وكان هناك نهر أزرق يمر حوله.

لقد قضيت اليوم في التجول وسط الحرارة الشديدة في محاولة للاستمتاع قدر الإمكان بهذه الوليمة المرئية متفاديا أشواك الصبار والديدان العملاقة.

ووجدت في معبد مهجور حفرة محصورة بين صخور تقف بها سيدة ضئيلة الجسد ترتدي ساري أخضر اللون وتدعوني. وكانت بشرتها داكنة وتحمل تجاعيد بفعل التعرض للشمس لساعات طويلة. وتراقص لهب شعلة صغيرة داخل المعبد أمام صورة لقط مفترس مرسومة على الجدار الخلفي. وقادتني إلى الداخل ونطقت بعض الكلمات غير المفهومة، ثم دهنت جبهتي بمعجون أحمر قبل أن تبعد يديها وتأمرني بالابتعاد عن المكان.

ذهبت بعد ذلك إلى معبد أكيوتارايا، وهو معبد مهجور قمته حمراء اللون وكانت تسكن به قبيلة من القرود الباحثة عن الظل بدلا من الزهاد.

كانت هناك سوق تحيط بطريق عريض يخرج من المعبد. لقد كان طريقا معبدا طويلا لا يمنح سوى الظل الوارف خلال وهج الصيف بدلا من كنوز الإمبراطورية. مع ذلك في أوج ازدهار الإمبراطورية في القرن الرابع عشر، كتب سفير فارسي للمملكة: «لكل طائفة من أصحاب الحرف متاجر ملاصقة لبعضها البعض؛ فتجار المجوهرات يبيعون اللآلئ والياقوت والزمرد والماس في السوق».

خلال هذا اليوم الأول، لم أركز كثيرا على تاريخ الإمبراطورية الطويل، بل ركزت على كنوز هامبي التي ما زالت باقية حتى اليوم ومنها تمثال «لاكشمي»؛ وهو أنثى الفيل معبودة المدينة. لقد وجدته في معبد فيروباكشا الذي لا تزال طقوس العبادة تمارس به حتى هذه اللحظة. وهو معبد أكبر كثيرا من المعابد الصغيرة التي تقع جانب التل. لقد كان المعبد يبدو مثل أثر مفقود من آثار حضارة المايا؛ فهو يتخذ شكل قرطاس هرمي كريمي اللون ارتفاعه 160 قدما ومكون من أعمدة ومنحوتات ذات تفاصيل دقيقة.

وفي حرم المعبد وجدت أبرشيات مخفية إلى حد ما ورهبان، وفي ركن قصي تقبع «اللاكشمي». وكان هناك صبيان يقدمان لها عملة معدنية، ثم وقفا ثابتين بلا حراك في خشوع جميل، بينما تربت على رأسيهما لتمنحهما البركة. في صباح اليوم التالي رأيت مساعديها يصطحبونها إلى النهر حتى تأخذ حمام الصباح.

في يومي الثاني، كنت قد انتهيت من استكشاف المكان بأكمله، حيث قمت بزيارة الآثار والمعابد، لكن هذه المرة برفقة كومار. وبينما كنا نمر بجانب تمثال «غانيش» العظيم، أخبرني كومار أن هناك أسطورة محلية تقول إن هاريهارا رايا، أمير تيليغو، اختار هامبي لتكون مكان مملكته بعد أن زارها عام 1336 وشاهد بها أرنب صغير يطارد كلبا من كلابه ويثير الخوف في نفسه. وقال كومار: «لقد رأى أن الأرض كانت قوية بالنظر إلى وجود هذا الأرنب بها، مما جعله يرغب في بناء ملكه هنا».

كان الحظ أو القدر حليف الأمير، حيث سرعان ما ازدهرت فيجاياناغار خلال القرنين التاليين، وكان لها جيوش قوامها مليون شخص وتم تشييد آلاف المعابد بها وكان عدد سكانها يصل إلى 500 ألف نسمة أي أكبر مدينة بعد بكين في ذلك الوقت. لقد جذبت المستكشفين والتجار من البرتغال وروسيا وإيطاليا وكذا المغول والفرس والعرب. وبعد مرور مئات السنوات، أصبحت هامبي مدينة ذات آثار مهملة، بل وخاوية على عروشها. وحتى وقت قريب كان الناس يعيشون في ظلال المعابد، بل وكانوا يبنون المتاجر والمنازل في بعض الأسواق المهجورة، لكن خلال العام الماضي هجرت الحكومة نحو 350 أسرة باسم حماية التماثيل والمعابد المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو.

وتخطط الحكومة لنقل السكان النازحين إلى مكان جديد يبعد نحو ثلاثة أميال ومنحهم تعويضات حتى يتمكنوا من بناء منازل جديدة لهم.

وحتى هذه اللحظة لم يتم تنفيذ سوى القليل في هذا الاتجاه بحسب ما أخبرني به السكان المحليون.

تقف المنازل وواجهات المتاجر، التي تم هدمها، شاهدا كئيبا يذكرنا بالمصير المشئوم الذي انتهى إليه أجداد سكان القرية العظماء منذ قرون.

وقال نيكولو دي كونتي، أول أوروبي يرى إمبراطورية فيجاياناغار عام 1420: «لم أر في حياتي مثل هذا المكان». ولم أتمكن من أن أبعد هذه الفكرة عن رأسي.

كانت هناك قناة مائية على الطراز الروماني، أنشئت بمساعدة إيطاليين زاروا الإمبراطورية لاحقا، تنقل المياه إلى المدينة من بحيرة تبعد عنها بعض الأميال على حد قول كومار.

لقد وجدت نفسي أبحث عن صنبور مياه لأرى ما إذا كان لا يزال يعمل أم لا. أين كان هذا المكان في حصص التاريخ؟ «لقد كانت هامبي، أو إمبراطورية فيجاياناغار، في أوج ازدهارها وعظمتها، مدينة لا يمكن أن تضاهيها أي عاصمة أوروبية في ثرائها وعظمتها»، هكذا كانت كلمات المؤرخ البريطاني روبرت سويل كما جاءت في كتابه «إمبراطورية فيجاياناغار المنسية». لقد درست الإسكندر الأكبر وجانكيز خان والمستكشفين الغربيين العظماء وما هو أكثر، لكن لم يأت ذكر هذه الإمبراطورية العظيمة إلا إذا كان حدث ذلك خلال غفوة لي في إحدى الحصص. وكان هذا الاكتشاف غير المتوقع باعثا على التواضع والخجل من الذات ومبهجا في الوقت ذاته، ولا بد أنه لا شيء مقارنة بما شعر به الأوروبيون عندما تجولوا في هذه المملكة متعددة الثقافات القابعة في أعماق الهند للمرة الأولى.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»