تطوير مواد جديدة ذات مساحة سطح كبيرة للغاية

لها تطبيقات فريدة وكثيرة واعدة خاصة في تخزين الغازات النظيفة

مواد موفس الجديدة.. وفي الاطار البروفسور عمر فرحة
TT

من بين المجالات البحثية العالمية المتسارعة حاليا ضمن علوم المواد، التي شهدت زيادة هائلة في إنتاج البحوث، نظرا لتأثيرها على الاقتصاد الوطني والعالمي، مجال بحوث الأطر المعدنية العضوية «موفس».

وتعد من بين أهم مجالات الكيمياء المتقدمة في القرن الحادي والعشرين، وتحظى في الوقت الحاضر باهتمام عالمي متزايد من قبل الأكاديميين والباحثين والمستثمرين، نظرا لإمكاناتها الواعدة في تخزين الطاقة وإنتاج الطاقة النظيفة وفي التقاط وتخزين الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري والتغير المناخي.

وفي دراسة حديثة نشرت نتائجها في 20 أغسطس (آب) الماضي على الموقع الإلكتروني لمجلة «جمعية الكيمياء الأميركية»، تمكن فريق بحثي من جامعة نورث وسترن الأميركية من تحطيم رقم قياسي عالمي من خلال تصنيع اثنتين من مواد الـ«موفس» الاصطناعية الجديدة، التي حققت أعلى قدر من مساحات السطح الداخلية على الإطلاق، وقد أطلق عليهما اسم «إن يو - 109» و«إن يو - 110».

فوفقا لما نشر في 7 سبتمبر (أيلول) الحالي على الموقع الإلكتروني لجامعة نورث وسترن الأميركية، تنتمي هاتان المادتان الجديدتان إلى فئة التركيبات النانوية البلورية التي تعرف باسم الأطر أو التركيبات أو الهياكل المعدنية العضوية «موفس»، وهذه الأطر تعد خزانات واعدة لتخزين الغاز الطبيعي اللازم للسيارات، والمواد المحفزة، وكيمياء المواد المستدامة الأخرى. وتكمن أهمية هذه المواد في مساحة السطح الداخلية الشاسعة بها، حيث يمكن لمساحة السطح الداخلية لغرام واحد من مادة «إن يو - 110» الجديدة، أن تغطي مساحة ملعب ونصف من ملاعب كرة القدم. فقد استطاع الفريق البحثي بقيادة البروفسور الأميركي الفلسطيني الأصل عمر فرحة، الأستاذ الباحث في الكيمياء في كلية واينبرغ للفنون والعلوم بجامعة نورث وسترن الأميركية، والمؤسس المشارك والمسؤول العلمي الرئيسي لشركة «نيومات» الأميركية، من تصنيع وتوليف مادتي «موفس» جديدتين بخصائص معينة، وبالاستعانة بالكومبيوتر للتحقق من صحة ومضاهاة سلوك هاتين المادتين، أظهرتا أعلى مساحة سطح لأي مادة مسامية تم تسجيلها حتى الآن، وهي 7 آلاف متر مربع لكل غرام واحد وفقا لمقياس «برونار - إيميت - تيلر» (Brunauer - Emmett - Teller/BET)، وهو أسلوب تحليلي يستخدم لقياس مساحة السطح لأي مادة. وهذا يعني أن كيلوغراما واحدا من هذه المواد يحتوي على مساحة سطح داخلية بإمكانها أن تغطي 7 كيلومترات مربعة.

يقول الفريق البحثي، بأن مساحة السطح الكبيرة للغاية، التي كان من الطبيعي أن لا يمكن الحصول عليها بسبب وجود جزيئات المذيبات التي تظل محتجزة في مسام المواد، قد تم التوصل إليها باستخدام تقنية تنشيط ثاني أكسيد الكربون، على عكس استخدام طريقة التسخين أو التدفئة، التي يمكن من خلالها إزالة المذيب لكن تحدث أيضا تلفا في مادة الـ«موفس»، بينما التقنية القائمة على تنشيط ثاني أكسيد الكربون تزيل المذيب بسهولة ويسر تاركة المسام في حالة سليمة تماما. ومثل هذا التطور من شأنه أن يؤدي وبشكل سريع إلى إنجاز المزيد من التقدم والاكتشافات.

ومواد الـ«موفس» تتكون من روابط عضوية تترابط معا بواسطة ذرات المعدن، منتجة بذلك بنية جزيئية تشبه القفص، ويرى الباحثون أنه ربما يمكنهم مضاعفة مساحة السطح للمواد باستخدام وحدات روابط أقل حجما في تصميم المواد.

وبسؤال «الشرق الأوسط» للبروفسور عمر فرحة، عبر البريد الإلكتروني، عن خصائص ومميزات وتطبيقات مواد الـ«موفس» الجديدة، قال إن «الأطر المعدنية العضوية (موفس) تعتبر فئة أو نوعية مثيرة للاهتمام من المواد الهجينة التي تم بناؤها من خلال تجميع مراكز معدنية بروابط عضوية. وتتميز مواد الـ(موفس) بخصائص رائعة، منها أنها تحتوي على قنوات وتجويفات يمكن ضبطها ولكنها موحدة وتتمتع بمساحات سطح داخلية كبيرة جدا. وأظهرت مواد الـ(موفس) آفاقا واعدة في الكثير من التطبيقات، من تخزين للغازات والفصل الكيميائي والاستشعار الكيميائي، إلى التبادل الأيوني وتجميع الضوء وتوصيل الأدوية».

وبسؤال البروفسور فرحة، عن أهم التحديات التي كان على الفريق البحثي التغلب عليها للوصول إلى هذه النتائج المرجوة، أجاب بأنه «في معظم التطبيقات وخاصة في مجال تخزين الغازات، من الضروري إزالة جزيئات المذيبات الضيفة من مسام مواد الـ(موفس)، ومن دون التقليل إلى حد كبير من مستوى المسامية بها، ومع ذلك فمواد الـ(موفس) التي تحتوي على تجاويف كبيرة تكون عرضة بصفة خاصة لتنشيط غير مكتمل، ولكن لحسن الحظ تم حديثا تطوير طريقة تنشيط للـ(موفس) قائمة على استخدام ثاني أكسيد الكربون فوق الحرج، في مختبرنا بجامعة نورث وسترن، ساعدت على الإزالة الكاملة لجزيئات المذيبات الضيفة، حيث إن هذه الطريقة تقلل من إمكانية حدوث انهيار للأطر أو الهياكل المعدنية العضوية (موفس)، كما تحافظ على سلامة تكامل المسام بها».

وبسؤاله عن الجوانب التجارية والتسويقية لمواد الـ«موفس» الجديدة، قال البروفسور فرحة بأنه «بالنسبة لمواد (موفس) التي ننتجها في مختبرنا بجامعة نورث وسترن، فسوف تقوم شركة (نيومات NuMat) للتقنيات بتسويقها، وهي شركة ناشئة تابعة للجامعة تعنى بتطوير التقنيات النظيفة، من خلال تصنيع مواد نانوية مسامية جديدة عالية الكفاءة بغرض الاستخدام في تخزين الغازات النظيفة وتطبيقات فصل المواد. وقد فازت الشركة بالكثير من الجوائز في كثير من المسابقات المحلية والدولية، حيث حصدت منذ فبراير (شباط) الماضي 2012، أكثر من مليون دولار».

وجدير بالذكر، أن البروفسور عمر فرحة من العلماء العرب الباحثين المتميزين والواعدين في الخارج، فقد حصل على شهادتي البكالوريوس والدكتوراه في الكيمياء كزمالة من المؤسسة الوطنية الأميركية للعلوم، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، وله الكثير من البحوث والإسهامات والإبداعات العلمية الخلاقة. وتقديرا لذلك، قام قسم الكيمياء بجامعة نورث وسترن بتأسيس جائزة باسمه للريادة البحثية، تقدم سنويا للباحث المتميز بالقسم. ومن بين الاهتمامات البحثية للبروفسور فرحة، تصميم مواد الأطر المعدنية العضوية «موفس» ومواد البوليمر العضوية المسامية للاستخدام في الاستشعار والمواد المحفزة وتخزين وفصل الغازات والمواد الكيميائية.