معرض «مال لول» حصيلة 87 مجموعة خاصة وأعمال 68 تشكيليا

قطر دعت مواطنيها لإخراج كنوزهم من مخابئها

جانب من جناح سبعان مسمار الجاسم وأحد أجنحة المعرض المخصصة للتراث وراديو يعمل على الكاز من مجموعة سبعان مسمار الجاسم
TT

في تجربة هي الأولى من نوعها في قطر، دعي المواطنون في الربيع الماضي للكشف عن مجموعاتهم الشخصية، وإخراجها من مخابئها للاستفادة منها وعرضها على عامة الناس. وتبين بعد إعلان في الصحف بدأ نشره في مارس الماضي، أن لبعض القطريين مجموعات أثرية ثمينة للغاية تستحق أن تكون في متاحف كبرى، كما للبعض الآخر مجموعات لا تقل أهمية، لكنها تركز على الألعاب والصور الفوتوغرافية وزجاجات المشروبات الغازية، أو علب المأكولات المحفوظة وزجاجات الحبر، وأجهزة الراديو وغيرها من المنتجات التي استعملت في الخليج العربي منذ ما قبل منتصف القرن العشرين.

وفي الثاني عشر من الشهر الحالي، فتحت للجمهور أبواب معرض «مال لول» الذي يضم حصيلة هذه الحملة المحلية في صالة «الرواق» القريبة من «المتحف الإسلامي». والمعرض الذي اختير له اسم عامي قطري، يعني «أشياء زمان»، هو متعة للمواطنين ولكثيرين عاشوا في الخليج العربي منتصف القرن العشرين، واكتشاف ثمين لأولئك الذين لم يعايشوا تلك المرحلة.

على مدخل المعرض ينتصب الدكان التقليدي الصغير، بضائعه، على الأرجح، يعرفها الزوار يوم كانوا صغارا. ماركات كثيرة اختفت اليوم، وأخرى غيرت أغلفتها، من علب الحليب إلى الصابون والمحابر والسكاكر والسجائر. الدكاكين الصغيرة التي تلعب على وتر الذكريات، ما هي إلا مقدمة لصالات عرض فيها ما هو أثمن وأقدم. مجموعة الشيخ حمد بن عبد الله بن جاسم آل ثاني، أعطيت مكان الصدارة، لقيمتها التاريخية والفنية. الأهمية تأتي من المخطوطات النفيسة، بينها مخطوطة لمصحف يعود للقرن الأول الهجري، وأخرى موضوعها الموسيقى أو الطب، والبيطرة وكذلك الشعر. كما توجد مخطوطات كثيرة مزدانة برسومات بديعة ملونة غالبيتها فارسية. وهناك مخطوطات لكتب شهيرة كثيرة مثل «المثنوي» وقضايا حساسة مثل «أخبار الجمل وصفين». مجموعة رائعة من الشهنامات المصورة، منها ما رسم في الهند وفارس وتركيا، إضافة إلى جداريتين كبيرتين تصدرت إحداهما القاعة الرئيسية، واحدة تصور ملاحم أبطال الشهنامة، وثانية هي تجسيد لمعركة كربلاء.

من مجموعة الشيخ حمد بن عبد الله، عقود من اللؤلؤ ودانات رائعة كان يستخدمها ملوك الهند ومهراجاتها للزينة.

ضمن هذه المجموعة أيضا كم نادر من العنبر، بالإضافة إلى قطعة من العود تستطيع المنافسة لدخول موسوعة «غينس»، إذ يبلغ طولها 35 مترا وهي من أطول القطع الموجودة في العالم اليوم. كما أن مجموعة الشيخ تضم أطول سبحة من الكهرمان في العالم، تزن 70 كيلو غراما، كما قيل لنا، أثناء تجوالنا في المعرض.

خصصت قاعة للتراث التقليدي، ومن أجمل ما يمكن أن يكتشفه الزائر، سرير لرضيع كان يستخدم في البادية، مصنوع من جلد الحيوان ومزود بغطاء جلدي، يشبه في تصميمه تلك الأسرة البلاستيكية التي يمكن أن نراها في الأسواق في الوقت الراهن، كما أن هناك الهوادج والقرب، والقدور والمهابيج.

قاعة خاصة جدا، تلك التي جادت بها عائلة عبد السلام واقتصرت على الصور الفوتوغرافية. لكن هذه الصور تكشف تاريخا نادرا ما قرأنا عنه. صورتان لمظاهرات قطرية خرجت في خمسينات القرن الماضي تأييدا لجمال عبد الناصر وتأميم قناة السويس، إحداهما نرى فيها قطريين وقد اعتلوا ظهر سيارات مشت في مواكب وقد حملوا العلم الوطني وأعلاما عربية أخرى. المد القومي يبدو جليا أيضا في مظاهرة حاشدة خرجت للغاية نفسها. من الصور اللافتة أيضا، تلك التي يبدو فيها أحد شوارع الدوحة الرئيسية وقد فاض بالمياه بعد أن تعرضت الدوحة لطوفان في العقد نفسه. أمر لا يصدق اليوم في بلد صحراوي تشح أمطاره.

قسمت الأجنحة بحيث خصص لكل صاحب مجموعة جناح، ووصل عدد المجمعين المشاركين إلى 87 شخصا. وأمام أحد الأجنحة المثيرة للاهتمام وقف سبعان مسمار الجاسم، وهو أحد المجمعين القطريين المعروفين، يشرح للزوار بفخر عن فرادة ممتلكاته. وهو محق في ذلك. فقد وقف الرواد يتفرجون باهتمام على راديو يعمل على الكاز، ويشرح لهم الجاسم أن الفانوس المعلق أمامنا ويعمل بالكاز يسخن عند إشعاله الهواء الخارج من الزجاجة. والهواء الساخن يحرك بدوره مروحة معلقة فوقه مما يعيد تبريده. أما حركة المروحة فتولد الطاقة في دينامو يبعث الصوت من المذياع. بهذه الطريقة تعمل مروحة يعرضها الجاسم وأشياء أخرى من المفترض أنها لم تكن ممكنة التشغيل من دون كهرباء، وإذا بالكيروسين أو الكاز يفعلان ما لم نكن نعرف.

في المعرض ملابس قطرية قديمة، ألعاب للأطفال، فخاريات، زجاجيات، أدوات قنص وصيد، ماكينات خياطة عتيقة، رسائل ووثائق رسمية وأخرى شخصية، أثاث منازل، سجاد، قدور، حلي توارثتها نساء عن جداتهن، غراموفونات، قطع موزايك أثرية، صحون نحاسية.

أحد المشاركين الطريفين في المعرض، هاو جمع كل أنواع العملات المتداولة، وأحيانا القديمة. عملات من غالبية بلدان العالم. ميزة المجموعة أنها تضم الأوراق النقدية التي تحمل أرقاما تظهر أنها من أوائل ما تم إصداره وبشكل متسلسل. يسأل صاحب المجموعة الزوار كل عن بلده، ليريه عملته الوطنية ويظهر له اهتمامه بها.

هذا ليس إلا الجزء الأول من المعرض، أما الجزء الثاني فهو مخصص للحركة التشكيلية القطرية، حيث لوحات 68 فنانا قطريا، ينتمون إلى ثلاثة أجيال. هناك لوحات لرواد الحركة التشكيلية القطرية حين بدأت ترتسم ملامحها الأولى، إلى جانب لوحات لفنانين شباب. البعض أخذته البيئة المحلية برمزياتها، وآخرون اتجهوا صوب التجريد، وآخرون ينهلون من الحداثة مواضيعهم. تتنوع التوجهات والأساليب كما هو معهود في الفن التشكيلي الخليجي. إلى جانب اللوحات التشكيلية تنشط هلا الخليفة، مديرة التربية في هيئة متاحف قطر، ورشا للأطفال، وتطلعنا على كتيبين صغيرين يتم تدريب التلاميذ من خلالهما. أحدهما عنوانه «ارسم مع فناني قطر» وفي كل صفحة منه صورة لفنان قطري مع عنوان عريض بأبرز ما اشتهر به وصورة للوحة له، وفي صفحة مقابلة مساحة بيضاء لمحاولة إعادة رسم اللوحة بيد التلميذ المتدرب.

أما الكتيب الثاني الذي يحمل اسم «كتاب النشاط» ففيه رسومات لأدوات تقليدية من الحياة اليومية يطلب من المتعلم إعادة رسمها، كما يضم ألعابا تربوية وفنية. وتقول الخليفة لـ«الشرق الأوسط»: «أطفالنا بحاجة للعودة إلى بيئتهم والتعرف إلى فناني بلدانهم. الطفل العربي بات يعرف من هو بيكاسو وغوغان، لكنه لا يعرف اسم الفنان الذي يشاركه أرضه وبلده».

يصاحب المعرض أيضا إطلاق مشروع «وثق» الإلكتروني. وهو عبارة عن موقع تفاعلي، يطلب من المواطنين أن يزورونه، ويوثقوا من خلاله معلوماتهم، وقصصهم ومعارفهم. والهدف هو تحويل الموقع إلى نافذة افتراضية لتجارب عدة أثرت الثقافة المحلية عبر التاريخ الشفوي.

معرض «مال لول» مستمر حتى الحادي عشر من الشهر المقبل.