فيلم «فتح 1453» التركي يغضب المسيحيين في لبنان

اعتصام غدا لمنع عرضه.. واحتجاجات على مضمونه

مشاهد من الفيلم التركي «فتح 1453»
TT

«لن يعرض فيلم (فتح 1453) في لبنان ما دمنا موجودين. يوم السبت (غدا) عند الساعة الرابعة بعد الظهر، سنعتصم في بيروت في ساحة ساسين، ونعلي الصوت ضد هذا الفيلم الذي يمس بالديانة المسيحية وليس فقط بالطائفة الأرثوذكسية وحدها»، هذا ما قاله رودريك خوري من حركة «شباب روم المشرق» الجهة الداعية للاعتصام ضد الفيلم التركي عن محمد الفاتح.

هذا الفيلم بدأ عرضه في تركيا منذ مدة، وافتتحت عروضه العربية مؤخرا، وتم تقديم طلب لعرضه لبنانيا، لكن حركة احتجاجية بدأت ضده متهمة إياه بأنه يصور المسيحيين في تركيا عند الفتح الإسلامي «بأبشع الصور»، إضافة إلى أنه «يزور التاريخ ويقدم معلومات تاريخية مغلوطة عن المسيحيين». ويكمل خوري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «سنقول للجميع بهذا الاعتصام إننا لن نقبل المس بقيمنا وحضارتنا، وإذا صمت الزعماء ورجال الدين فنحن لن نسكت، لأن الفيلم يمس أيضا بالقيم اللبنانية القائمة على التسامح والحوار والتعايش. هذا فيلم يعرض تحت اسم (صراع حضارتين) أو (إمبراطوريتين)، ونحن مع الحوار والتعايش لا الصراع والصدام».

ولا يعبأ المحتجون بأن تكون دول عربية قد قبلت بعرض الفيلم ويعتبرون أن «كل هذه الدول انتصرت فيها حضارة على أخرى، لكن هذا لم يحدث في لبنان، الذي لم ينتصر فيه أحد، وعلى اللبنانيين أن يحافظوا على عيشهم المشترك».

ويعتبر خوري أن ردود فعل رجال الدين المسيحيين في لبنان بقيت دون المستوى المأمول لأن ذلك «يعود على الأرجح لخوفهم من تعريض البطريركية المسكونية في تركيا للانتقام - وهذا سبق أن حصل - إن هم هاجموا الفيلم بشدة».

وتتواصل حركة «شباب روم المشرق» في لبنان مع الكنائس والتجمعات الأرثوذكسية في العالم لتنظيم حملة موسعة ضد الفيلم تتجاوز لبنان.

ويروي رودريك خوري: «استنفارنا بدأ منذ أربعة أشهر، عندما وصل إلينا الفيلم وشاهدناه. وقلنا للجميع خذوا حذركم. اتصلنا بكل الجهات، وأوصلنا رسالتنا إلى رئيس الجمهورية، ونواب ووزراء، وبعثنا بتقارير للأمن العام اللبناني، نحذره فيها من مخاطر قبول عرض الفيلم في لبنان. نحن نتحرك سياسيا وأمنيا وشعبيا. وفي حال لم يتم الإصغاء لحملتنا فنحن لن نسكت وسنتخذ خطوات تصعيدية». ويكمل خوري: «نحن نرفض فكرة عرض الفيلم، ولا نقبل عرضه باقتطاع أجزاء منه لأنه بكامله مغرض ومبني على تزوير الحقائق التاريخية».

وبالاتصال مع «مكتب شؤون الإعلام» في الأمن العام اللبناني، علمت «الشرق الأوسط» أن قرارا بعرض الفيلم من عدمه لن يتخذ على الأرجح قبل يوم الاثنين، وأن الشركة المستوردة للفيلم قدمت طلبا بعرضه منذ ثلاثة أيام. وفي حال وجد الأمن العام أن ثمة ما يستدعي الدراسة فإنه سيعرض الفيلم على «لجنة الرقابة على الأشرطة السينمائية المعدة للعرض» لتعطي رأيها أيضا، وهذا سيستغرق عدة أيام. ويشرح لنا مسؤول في الأمن العام رفض الكشف عن اسمه: «نحن نستأنس برأي اختصاصيين، قد يرون غير ما نرى، ونستمع إليهم، ونستفيد من آرائهم».

الأب الأرثوذكسي بولس وهبي لا يرى جدوى من المنع «لأنه في كل مرة يحقق هدفين مزدوجين، فهو يروج للعمل الممنوع ويزيد من الطلب عليه بدل أن يحد من انتشاره. وثانيا المنع يدخلنا في أمر غير صحي، وهو الرقابة بدل مقارعة الحجة بالحجة»، لكن في الوقت نفسه فإن الأب بولس وهبي يتساءل عن جدوى عمل هذا الفيلم في هذا الوقت بالذات. فهو فيلم يمس عواطف آلاف الروم الأرثوذكس في العالم، الذين تضاءل وجودهم بسبب هذا الفتح الذي يتحدث عنه الفيلم تحديدا. ويتساءل وهبي: «لماذا نبش القبور الآن، وتصوير التاريخ بهذا الاستهزاء والتزوير، الذي سيترك في أذهان من يرونه صورة يصعب محوها».

الفيلم التركي الذي يحمل اسم «فتح 1453» يحكي قصة فتح القسطنطينية، وسقوط الإمبراطورية البيزنطية على أيدي المسلمين بقيادة محمد الفاتح. وهو من إخراج وإنتاج التركي فاروق أكصوي، ويعتبر من أضخم الإنتاجات السينمائية التركية، إذ بلغت تكلفته أكثر من 18 مليون دولار. وبدأ عرضه في تركيا يوم 16 فبراير (شباط) الماضي، وشاهده في اليوم الأول لعرضه 300 ألف متفرج.

وإذ رأى البعض أنه مجرد فيلم تاريخي يخلط الفانتازيا بالتاريخ، أثار حفيظة البعض الآخر، وخصوصا في اليونان، متهمين الفيلم بأنه يختلق ويزور الحقائق. وفي لبنان يصفه رودريك خوري بأنه «بروباغندا» تركية يتوجب محاربتها. ويرى أن «الفيلم هو ترجمة سينمائية لما قاله أردوغان لثوار مصر بأنهم في ثورتهم يشبهون حملة قادها شاب مسلم في التاريخ على حضارة سوداء»، ويضيف خوري: «نحن الأرثوذكس، الحضارة السوداء التي قصدها أردوغان». ويشرح: «الفيلم يبدأ بحديث نبوي يقول: (لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش) ثم يرينا أن العثمانيين هم من حققوا هذه النبوءة، فإنما هو استصغار للعرب، وللقول بأن الأتراك هم أصحاب هذا الفتح وهم من حققوا النبوءة».

«شباب روم المشرق» يعرفون عن أنفسهم بأنهم شبان أرثوذكسيون، تجمعوا بشكل عفوي، ويبذلون الجهود من أجل «الدفاع عن كل ما يمس مقدساتنا. كما أننا نسعى لتأسيس حزب سياسي أرثوذكسي يحمل اسم (المشرق)».

ويشرح «شباب روم المشرق» رأيهم في الكثير من المشاهد التي يقدمها الفيلم ويعتبرونها تزويرا لتاريخهم. منها أن الله يسمع تضرع المسلمين ولا يصغي لدعاء المسيحيين في الفيلم. ومنها أيضا مشهد يظهر فيه رجال البلاط من الروم مع ممثل البابا وهم يشربون الخمر في حضرة الغواني العاريات، وتختلط هذه المشاهد بصورة الصليب ورموز مسيحية أخرى، بينما لا يرى عند المسلمين أي مشاهد مشابهة.

مما تم الاعتراض عليه أيضا أن المسلمين صوروا على أنهم أصحاب الشرف والبطولة والشهامة، بينما قُدم المسيحيون بأبشع الصور.

وهناك مشهد يعتبر المحتجون أنه مجرد تلفيق لا صلة له بالتاريخ، وهو تصوير أن إعدام السلطان لبعثة سلمية بيزنطية جاء انتقاما إسلاميا لإحراق المسيحيين لقرى إسلامية في البلقان. ويشرح المعترضون أن «البلقان لم يكن فيه مسلمون قبل الوجود العثماني وبالتالي فإن هذه المشاهد هي تحريف كامل للتاريخ».

المشاهد التي تلقى اعتراضا أرثوذكسيا كثيرة، لعل أكثرها حدة هو ذلك المشهد الذي يدخل فيه الفاتح على كنيسة «آيا صوفيا» ويبدو وكأنه يستقبل من المسيحيين استقبال المحرر، ويقول لهم: «صلوا كما شئتم». يعلق رودريك خوري على هذا المشهد بالقول: «(آيا صوفيا) كانت الكاتدرائية المسكونية للأرثوذكس. أي بمثابة مركز البابوية في روما اليوم للكاثوليك، وقد ارتكبت مجازر لمدة ثلاثة أيام راح ضحيتها 40 ألف مسيحي بحسب المؤرخين عند الاستيلاء عليها، وانتزعت من المسيحيين وحولت إلى مسجد. فكيف يرينا الفيلم شيئا مخالفا تماما لما حدث؟».

يتهم المحتجون على الفيلم تركيا بأنها من خلال هذا الفيلم تقدم نفسها قائدة للعرب والمسلمين جميعا، ضاربة عرض الحائط بالحقائق التاريخية وبمشاعرهم الدينية.

ورغم أن الإعلان عن الفيلم بدأ يوم الـ27 من الشهر الحالي في لبنان، فإن الأمن العام اللبناني يقول إن رخصة الإعلان شيء والفسح بعرضه هو نوع آخر من الرخص ولم تتم الموافقة عليه إلى اليوم. وبانتظار ما ستقرره الرقابة، فإن الشباب الأرثوذكسي مصمم على إسماع صوته حتى الاستجابة له.