معهد ألماني يخترع شريحة شفافة تصد الأشعة عن عيون الطيارين

بعد هجمة بمؤشر الليزر على طائرة المستشارة ميركل

طائرة هليكوبتر وقد سلط على نافذتها مؤشر ليزر
TT

تتحدث السلطات الألمانية منذ عدة سنوات عن مخاطر استخدام مؤشرات الليزر (أقلام الليزر) ضد الطيارين عند الإقلاع والهبوط على المطارات الألمانية، وحظرت الحكومة الألمانية بيع المؤشرات القوية من هذا الأنواع في الأسواق، لكنها لم تمنع شراءها على الإنترنت، ولهذا فقد تضاعفت الهجمات بالليزر على الطيارين 10 مرات في السنوات الأخيرة.

قرعت أجراس الإنذار من مؤشرات الليزر في عالم السياسة، وفي البرلمان الألماني، وفي دائرة المستشارة أنجيلا ميركل، بعد أن تعرضت طائرة السيدة الألمانية الأولى إلى هجوم بالليزر قبل شهرين، أثناء إقلاعها من مطار كولون متوجهة نحو باريس. وأكدت وزارة الدفاع حينها أن أشعة الليزر «أعمت» طيار إحدى طائرات سلاح الجو الألمان في مطار كولون، لكنها لم تشر إلى سلاح الجو رقم واحد، الخاص برئيسة الحكومة الألمانية.

قبلها كانت المستشارة الألمانية قد عبرت عن عدم ارتياحها للباص الفضائي الذي ينقلها عبر عواصم العالم بسبب ضخامة حجم الطائرة. فالطائرة تعجز عن الهبوط في المطارات الصغيرة عند الاضطرار، كما انفجر أحد الإطارات مرة أثناء الإقلاع في مطار باريس، ثم إن زجاج مقدمة الطائرة (الكوكبيت) لا يحمي عيون الطيارين ضد الهجمات بأشعة الليزر.

هذه الحادثة، وعشرات أخرى غيرها، كانت تهدد بوقوع عدد من الضحايا، دفعت الحكومة الألمانية إلى تكليف معهد الابتكارات التقنية في كارلسروه باختراع مادة تصد أشعة الليزر عن الطيارين، وعن سائقي الشاحنات الكبيرة، وعن قادة الهليكوبترات. ويبدو أن المعهد سيفي بتعهده بالتوصل إلى مثل هذا الاختراع في مطلع عام 2013.

وذكرت مصادر معهد كارلسروه التقني (KIT) أن علماءه بصدد إنتاج شريحة رقيقة وشفافة يمكن لصقها على زجاج الطائرات والسيارات، أو على نظارات يلبسها الطيار أو السائق، ويمكن أن تقي عينيه من أشعة ليزر. ويفترض أن تمتص الشريحة الاصطناعية الأشعة، وتحمي من ثم الطيار من الإصابة باضطراب الرؤية الذي تسببه أشعة ليزر عند وقوعها على العين.

أكد ذلك البروفسور هانز ديتر رايدنباخ، من معهد كارلسروه، أمام المؤتمر السنوي للمعهد مؤكدا إمكانية البدء بإنتاج الشريحة المضادة لأشعة ليزر في مطلع 2013. وقال رايدنباخ إن الشريحة شفافة، ويمكن لصقها على زجاج الطائرة أو السيارة، من الداخل كي لا تتأثر بعوامل الجو، أو بفعل ارتطام طائر بها. ويمكن للشريحة، عند لصقها على زجاج مقدمة الطائرة، أن تقي الطيار من أشعة الليزر القادمة من كافة الاتجاهات، في حين أن لصقها على النظارات لن يوفر حماية 100%، ولهذا فإن استخدامها في النظارات قد يقتصر على الطائرات الصغيرة والسيارات.

والشريحة لا تعيق النظر عند لصقها على السطح الداخلي للزجاج، وتمنع بالتأكيد أشعة الليزر الخضراء، من أطوال موجات1 ملليواط أو أكثر، لكنها قد تعجز عن صد الموجات الطويلة عند استخدامها في النظارات. هذا يعني أنها فعالة ضد كل أنواع أقلام الليزر المجازة، وكل أنواع مؤشرات الليزر القوية التي تباع على الإنترنت، وتنتج في شرق آسيا.

وأشار البروفسور إلى أن مؤشرات الليزر، المستخدمة في المحاضرات وتشغيل بعض الأجهزة الخاصة، هي من أطوال خضراء وتعمل عن بعد 20 مترا، لكن المؤشرات القوية (الحمراء) يمكن أن تؤثر في عيني الطيار، أثناء الهبوط أو الإقلاع، عن بعد قد يصل إلى 500 متر. وهذا يعني أنها ستكون خطرة على حياة المسافرين، جوا أو أرضا، سواء كانت بيد مراهقين عابثين أو بأيدي إرهابيين.

وينتج هذه الأيام في ألمانيا أكثر من 60 ألف مؤشر ليزر صغير، تستخدم في المحاضرات، لكن العدد يزداد باطراد. تتراوح أسعار هذه المؤشرات بين 10 - 50 يورو، وهذا يعني أنها بمتناول الجميع، ولا يرتفع سعر القوي منها، على الإنترنت عن 50 - 100 يورو، وهو ما يحولها إلى سلاح خطر. وما زالت المواقع الإلكترونية، مثل «إي باي» تصنف مؤشرات الليزر القوية ضمن الأجهزة غير الخطرة، هذا في حين أن الحكومة الأسترالية حظرت بيعها في المخازن، وعلى الإنترنت أيضا، بعد أن صنفتها ضمن الأسلحة الخطرة، وصارت تطبق على مستخدميها قانون استخدام الأسلحة غير المجازة.

وحسب يورج هاندفيرغ، من نقابة الطيارين الألمان «كوكبيت»، فإن تصويب أشعة الليزر من طول موجة كبير على عيني الطيار يمكن أن يصيبه باضطراب رؤية مؤقت أثناء الهبوط أو الإقلاع، قد يؤدي إلى حوادث خطيرة. وتحدث الكثير من الطيارين، الذين تعرضوا إلى هذه الهجمات، عن بقعة سوداء في العين تعيق النظر، وعن ألم في العينين، وعن صداع قوي يستمر لعدة أيام. وتطلب الأمر منح الضحايا، من الطيارين، إجازة لعدة أيام قبل أن يسمح لهم بالطيران ثانية.

ويرى هاندفيرغ، أن إصابة الطيار بالأشعة وهو في السماء، قد يقلل من الأضرار لأن الطيار الأوتوماتيكي يمكن أن يساعد، لكن استخدامها قبل الهبوط بقليل، عندما تكون الطائرة في مدى قلم الليزر، يمكن أن يؤدي إلى كارثة. ذات الخطورة تكمن عند استخدام أشعة الليزر ضد عيني الطيار بينما هو «يناور» بطائرته على الأرض بين موقع صعود الركاب، وبين الوصول إلى المدرج. فخطر الاصطدام بالطائرات الأخرى، أو بالحافلات على أرض المطار، كبير لأن الطيار يقود الطائرة هنا يدويا دون مساعدة الطيار الأوتوماتيكي.

ينز شوبرانسكي، من شرطة ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، رحب بخبر إنتاج الشريحة المضادة لأشعة ليزر، لكنه أكد على ضرورة حظر بيع أقلام الليزر على الإنترنت. وقال: إن معظم الجنايات المرتكبة بواسطة أشعة ليزر، ضد الطائرات، يمكن أن تنسب إلى مراهقين. وتم تسجيل معظم هذه الحوادث ضد مجهول، لأن مؤشر الليزر صغير ويمكن التخلص منه بسهولة في الغابات التي تحيط بالمطارات.

عموما تعرضت الطائرات في مطارات الولاية عام 2011 إلى 110 هجمات بالليزر، إضافة إلى 8 هجمات أخرى ضد أبراج المراقبة. وتم حبس شاب عمره 21 سنة لمدة 10 أشهر، وتغريمه 1000 يورو، لأنه استخدم أشعة مؤشر الليزر قرب مطار مدينة هام ضد 3 طائرات هليكوبتر.

عموما سجلت المطارات الألمانية 2009 تعرض الطائرات إلى هجمات بأشعة الليزر في 30 حالة. قفز هذا الرقم عام 2010 إلى 273 حالة، وإلى أكثر من 300 حالة عام 2011. ومن المتوقع أن تزداد الهجمات بفعل زيادة انتشار مؤشرات الليزر بين السكان، علما بأن الشرطة الألمانية تعتقد بأن الرقم أكبر من 300 بكثير لأن الكثير من قائدي الطائرات الصغيرة لا يكلفون أنفسهم مشقة تسجيل الهجمات التي يتعرضون لها لدى السلطات.

على مستوى ألمانيا، كانت المطارات الكبيرة أكثر جاذبية من الصغيرة لعبث العابثين بأقلام الليزر القوية. وتشير إحصائية شرطة الحدود إلى أن مطار فرانكفورت كان أكثر المطارات الألمانية الذي تعرض فيه الطيارون إلى هجمات بأشعة ليزر، وبلغ عدد الهجمات 36 هجمة. يليه مطار شتوتغارت بـ24 هجمة، ثم مطار كولون - بون تعرض فيه الطيارون إلى 20 هجمة. وتعرض مطار العاصمة برلين إلى 12 هجمة، فيما تعرض كل من مطاري لايبزغ ودريسدن إلى 8 هجمات. استهدفت معظم الهجمات طائرات نقل الركاب الاعتيادية، وشملت الهجمات، إضافة إلى ذلك، 6 طائرات هليكوبتر و4 طائرات لنقل البضائع أو البريد.

على أي حال فإن خطر مؤشرات الليزر انتقل إلى الملاعب الرياضية حيث صار يستخدم ضد حراس المرمى في ملاعب الكرة، وكذلك أثناء العروض المسرحية والسينمائية. لكن الخطورة قد تكون كبيرة حينما يتعرض سائق شاحنة كبيرة لنقل النفايات الخاصة، أو لنقل المواد الكيماوية، إلى هجمات الليزر.