في «أسبوع باريس» لربيع وصيف 2013.. راف سيمونز يفصل رومانسية «ديور» من جديد

رولان موريه بين الثمانينات والمستقبل.. وإيسي مياكي يسبح في الألوان

TT

لم يبالغ المصمم كارل لاغرفيلد حين قال: «إن هذا الموسم سيكون في غاية الأهمية والإثارة، وإننا نعيش مرحلة مهمة في تاريخ الموضة العالمية». السبب يعرفه كل متابعي الموضة، فهو الموسم الذي يقدم فيه البلجيكي راف سيمونز أول تشكيلة أزياء جاهزة لدار «ديور»، والفرنسي التونسي الأصل، إيدي سليمان، كما يريد أن ينطق اسمه، أول تشكيلة له لدار «سان لوران باريس» أو «إيف سان لوران» سابقا. ولا شك في أن التحاق هذين الشابين باثنين من أهم بيوت الأزياء الفرنسية سيشعل روح المنافسة بينهما ويؤجج روح الإبداع، ويذكرنا إلى حد ما بأواخر الخمسينات من القرن الماضي حين دخل شابان، هما كارل لاغرفيلد مصمم دار «شانيل» الحالي والراحل إيف سان لوران، مجال التصميم والمنافسة. الأول في دار «بالمان» والثاني في «ديور»، وغني عن القول إسهاماتهما وتأثيرهما على ساحة الموضة إلى حد الآن.

لهذا، لن نبالغ نحن أيضا إن قلنا إن كل الحواس كانت - ولا تزال - متوثبة ترقبا لما سيقدمانه من جديد وللمرحلة المقبلة في تاريخ الموضة. وإذا كان يوم الاثنين هو يوم إيدي سليمان، فإن يوم الجمعة الماضي كان الدور فيه على راف سيمونز ليقدم جديده، ولم يخيب المصمم البلجيكي الآمال ونجح بشرف. فقد حقق المعادلة الصعبة التي لا يحققها إلا مصمم متمكن من أدواته، لأنه خرج عن عباءة سلفه وظل وفيا لأسلوبه في الوقت ذاته من دون أن يخل بجينات الدار وبصماتها الوراثية. ما يحسب له أنه لم يهب تاريخ الدار أو يتأثر بثقله، أي لم يترجمه بشكل حرفي، بل حمله بشكل مجازي وخفة إلى مرحلة جديدة بعد أن أخضعه لعملية تجديد دقيقة. كانت تشكيلته كل ما يمكن أن يتوقعه المرء من مصمم أكد قدراته في مجالات التفصيل النسائي والرجالي على حد سواء، كما دخل عدة تحديات مع نفسه ومع غيره في السابق. وليس أدل على هذا أنه تخرج من التصميم الصناعي ودخل مجال الأزياء بالصدفة وتألق. كانت أيضا غير متوقعة من ناحية الاتجاه الذي أخذ «ديور» إليه، ويمكن القول إنه اتجاه جديد على الدار إلى حد ما. هذا على الأقل ما توحي به للوهلة الأولى قبل أن نفيق من مفاجأة «التوكسيدو» التي بدأ بها العرض، وقبل أن نفهم قراءته الجديدة لجينات الدار. في بداية عرضه، أرسل مجموعة من جاكيتات «توكسيدو» غلب عليها الأسود وياقات من الساتان بأشكال مختلفة، بعضها كان طويلا يمكن ارتداؤه كقطعة قائمة بذاتها من دون بنطلون أو تنورة، وبعضها تميز ببلسيهات، وبعضها الآخر مستوحاة من جاكيت «ذي بار» التي أبدعها كريستيان ديور في الخمسينات من القرن الماضي. مجموعة تلعب على الذكوري والأنثوي بشكل مثير. وحتى يكسر صرامة ألوان التوكسيدو وتفصيلة الرجالي نسقه مع إيشاربات نحيفة معقودة على شكل فيونكات بالأحمر والوردي زادت الإطلالة حيوية وألقا، وكانت لفتة تغني عن أي مجوهرات أو إكسسوارات أخرى. رسالة راف سيمونز أن الهدوء الراقي يتفوق دائما على المبالغات الاستعراضية. ومع ذلك، يبقى الإحساس الأول عند مشاهدة هذه المجموعة أنه يريد إخراج الدار من الأنوثة الرومانسية التي ارتبطت بها منذ الخمسينات ويدخلها أنوثة عصرية تتميز بالقوة. وإذا كانت هذه هي نيته، فقد نجح، من دون أن ننسى كذلك أنه هو واحد من أهم مصممي الأزياء الرجالية على الساحة منذ التسعينات، وبالتالي فإنه من البديهي أن يرغب في منح المرأة تصاميم من عالم الرجال بعد تأنيثها طبعا. كما قد يكون السبب أبسط من ذلك، وهو أن يوظف أقوى ما عنده في تشكيلة يعرف أن كل العالم يترقبها بلهفة. ترجمته للجاكيت ابتعدت قليلا عن تحديد الخصر وجعلت الجزء الذي يتدلى أو يمتد من تحته يكتسب انسيابية أكبر، بعد أن أضاف إليه بليسيهات وتفاصيل أخرى تذكرنا دائما بأسلوبه الحداثي. لكن من الخطأ القول إن راف سيمونز لم يعانق روح الدار الرومانسية، بل العكس تماما، كل ما فعله أنه قدم رومانسية توافق روح العصر وتراعي أن المرأة التي توجه لها السيد ديور في الخمسينات كانت خارجة من حالة تقشف بعد الحرب العالمية الثانية وتريد الانعتاق من هذا التقشف، بينما المرأة اليوم هي أكثر قوة واستقلالية وتريد أن تعانق أنوثتها واستقلاليتها في الوقت نفسه بسلاح الثقة عوض الإغراء. وهذا ما قدمه لها سواء في الـ«توكسيدو» أو في المجموعة التي ضمت فساتين بألوان مشعة مثل الوردي والبرتقالي والأخضر الفستقي. فساتين تنوعت تصاميمها بين القصير والطويل، لكن أغلبها تقريبا يبتعد عن الخصر ويمنح المرأة فرصة للتنفس والحركة، بما فيها فساتين سهرة، يبدو جزؤها الأعلى مثل «تي - شيرت» عادي، بينما تنورتها طويلة ومستديرة. الجميل فيها أيضا أنها رغم حجمها الكبير وفخامتها، بقيت وفية للأسلوب العصري، وبعيدة كل البعد عن الدراما، من حيث خطوطها وتفصيلها. فقد قام المصمم هنا أيضا بعملية تفكيكية خلصتها من مبالغات العقود الأخيرة كان نتاجها خلطة عجيبة تجمع بين أسلوب الدار الرومانسي الفخم الذي لا يعترف بالحلول الوسطى وأسلوبه المباشر والهادئ الذي لا يعترف بالمبالغات، مما أضفى عليها حيوية لن تروق لزبونات «ديور» الوفيات فحسب، بل أيضا لجيل جديد من الشابات. وهذا بحد ذاته يبشر بعهد جديد من الأزياء الجاهزة التي تتكلم لغة راقية، تحترم المرأة وتتودد لها في الوقت ذاته. فرغم أن سيمونز لم يقدم جديدا بالمعنى الجديد، بحكم أن «التوكسيدو» والفساتين الفخمة وكل ما قدمه موجود في أرشيفه أو أرشيف الدار، فإن ترجمته منعشة وجديدة لا تخلو من بعض الجرأة المطلوبة لأخذ الدار إلى فضاءات جديدة، يمكن القول إنها تجريبية بالنسبة لـ«ديور»، التي بنيت على الفخامة وعلى السخاء في كل شيء، سواء في استعمال أمتار وأمتار من الأقمشة في القطعة الواحدة، أو في الأشكال الضخمة. لكن ألم تكن هذه الفكرة أساسا من الاستعانة براف سيمونز، الآت من مدرسة ترفع شعار «القليل كثير»؟

في نفس اليوم وفي الساعة العاشرة صباحا، قدم الفرنسي رولان موريه عرضا غلبت عليه تأثيرات كثيرة ومتنوعة، كأنه يريد أن يثبت أنه يستطيع أن يعطينا تصاميم أكثر من الفستان الضيق. فأحيانا، تلمس حقبة الثمانينات في الجاكيتات ذات الأكتاف العريضة، وتارة الآرت ديكو في الأشكال الهندسية، وتارة لمسة مستقبلية في القصات وهكذا. كان واضحا أن المصمم، الذي اشتهر بفستان «غالاكسي» المنحوت على الجسم الذي ظهرت به عدة نجمات، ويقال إن فيكتوريا بيكام تأثرت به في الكثير من تصاميمها في بدايتها كمصممة، يريد أن يخرج عن المعتاد. فإلى جانب الفستان الضيق والمفصل على الجسم، قدم عدة قطع منفصلة وتايورات بتصاميم مبتكرة أضفت عليها لمسة مستقبلية. بعد العرض، قال المصمم إنه أراد في هذه التشكيلة أن يقدم للمرأة قطعة لا تمتلكها بعد، وجسد هذه الرغبة في جاكيتات بطيات وثنيات مبتكرة نسقها مع تنورات مستقيمة أحيانا وبقصات غير متوازية من الجوانب أحيانا أخرى، لتظهر من تحتها أطراف بألوان مختلفة. تقنية الأوريغامي أيضا ظهرت في فساتين عارية الأكتاف إلى جانب بليسيهات ناعمة، يبدو أن الكثير من المصممين في هذا الأسبوع عانقوها.

عرض الدار اليابانية «إيسي مياكي» تأخر بنحو الساعة، وهو أمر يتغاضى عنه الحضور فقط في حالة واحدة، هي أن يستحق العرض عذاب الانتظار. مصمم الدار يوشييوكي مياما، لم يخيب الآمال ونجح في ذلك من خلال ألوان متوهجة، لم نرها كثيرا طوال «أسبوع باريس»، تجسدت من خلال صور طيور ترفرف في السماء لتخلق خدعا بصرية مثيرة. شرح المصمم أن التشكيلة عبارة عن صور بالألوان الحية لهذه الطيور، رسمها مستعملا أقمشة من تول الجيرسيه بتكنولوجيا عالية، لتكون النتيجة على شكل لوحات فنية تباينت فيها ألوان الأسود والأصفر الليموني والأزرق السماوي والبرتقالي. لكن رغم أن المصمم الذي بنى سمعته على الأقمشة المصنعة بتكنولوجيا عالية وحديثة أراد أن يقنعنا بأن هذه التشكيلة لا مثيل لها، فإن عبقريتها تكمن هذه المرة في الألوان ورسوماتها وليس في الأقمشة كما عودنا، لأن هذه الألوان على الأقل ذكرتنا أو بالأحرى وعدتنا بصيف بهيج.