أسواق بغداد الشعبية تحاكي الموضة وتوسع عملها عبر مواقع التسوق الإلكتروني

أشهرها أسواق مريدي والغزل والحرامية

سوق وسط شارع الجمهورية قرب «الشورجة» اكبر أسواق بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

ضحك أبو علاء كثيرا وهو يستمع إلى نصيحة صاحبه بعرض سيارته للبيع في سوق مريدي، أحد أشهر الأسواق الشعبية في العاصمة العراقية بغداد، بعد أن تصور أن الأمر لا يعدو أكثر من طرفة يطلقها صديقه لعلمه أن السوق الأخير، على الرغم من تخصصه ببيع مختلف البضائع والخدمات لكنه اشتهر على نحو خاص بتزوير الشهادات والوثائق الرسمية، حتى صارت كلمة «مريدي» مرادفة لكلمة التزوير والاحتيال لدى عامة العراقيين منذ تأسيسه وحتى اليوم.

سوق مريدي وسوق الغزل وسوق الحرامية وأسواق شعبية أخرى أخذت لها طابعا آخر ولبست حلة جديدة وهي تقتحم مواقع ثابتة في الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) لتضع لها مواطئ قدم هناك، مستفيدة من شهرتها وصيتها الشعبي ومكانتها لدى المستهلك، لكنها سايرت الموضة هذه المرة، وربما تحاول إصلاح ما علق بها من صفات غير مرغوب بها عبر تعامل إلكتروني متطور يحقق انتشارا أكبر وتعاملا يخلو من الغش والمطبات التي كانت تشوب عمليات البيع والشراء التي تحصل في الأسواق الشعبية على أرض الواقع، وهذا هو الأمر الذي فهمه أبو علاء، صاحب السيارة من حديث صاحبه.

ويعد دخول الأسواق الشعبية المعروفة عالم الإنترنت، وتعرف المواطن العراقي على آلية التسوق الإلكتروني، حديثا ومقتصرا على شرائح معينة، وهو لا يعني تغيير مواقعها الأصلية في أماكنها التي عرفت بها، وربما الكثيرون من أصحابها القدامى لا يعرفون شيئا عن سوقهم الإلكتروني الجديد، فمعظمهم من الطبقة الكادحة التي لا تعرف من وسائل الاتصال الحديثة إلى الهواتف الخلوية التي دخلت العراق ما بعد أحداث التغيير عام 2003.

الموظفة نبراس القيسي، 32 عاما، وإحدى المتعاملات مؤخرا مع سوق مريدي الإلكتروني، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «لم أصدق أن سيارتي تباع بالسعر الذي أريده بعد يومين فقط من عرضها في هذا السوق، وهي المرة الأولى التي استخدم بها هذه الطريقة، الأمر الذي جنبني متاعب الذهاب إلى معارض السيارات والتعامل مع المشترين وغيرها من متاعب».

وأضافت: «سوق مريدي الإلكتروني غير ما درجنا عليه في بغداد، إذ إنه يوفر خدمات البيع والشراء بطريقة عصرية، ومن دون تكاليف إضافية، أو وسطاء كتلك الموجودة في معارض بيع السيارات، كما أنه أكثر أمانا وسهولة».

بينما يواظب فراس تقي، صاحب مهنة حرة، على البحث في سوق مريدي الإلكتروني لأجل الحصول على بيت ملائم، بالإمكانيات التي يمتلكها ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم أقوم بتقليب موقع سوق مريدي الشهير، وكتبت على صفحاته أني أبحث عن بيت ملائم بالمواصفات التي أريدها وأنتظر أن احصل على ما أريد».

وعن مزايا هذا النوع من التسوق قال: «الفكرة جميلة، وتوفر الكثير من الوقت والجهد، كما أن زحامات الطرق المستمرة في بغداد تجعل التجوال والبحث عن بيت للبيع مهمة شاقة».

منظمو سوق مريدي الإلكتروني، لم يتوقعوا أن يحقق السوق شهرة كبيرة، لكنهم يصرون على أن لا علاقة للسوق بكل عمليات البيع والشراء التي تجري في السوق الحقيقي على الأرض، وإنما أخذ تسميته لأجل الدعاية والشهرة فقط ولكونه لا يخضع لقانون، إنما على العرض والطلب، كما هو الحال مع تلك الأسواق الشعبية، وهو يوفر بضائع وسلع متنوعة من مناشئ متعددة الأصناف من السيارات إلى الحاسبات إلى الجوالات إلى الأثاث المنزلي إلى الساعات والكتب والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وحتى الوظائف والخدمات.

ما يذكر أن سوق مريدي هو أحد الأسواق الشعبية التي تقع في مدينة الصدر (الثورة سابقا) وتحديدا في شارع يسمى شارع الجوادر، حيث يساوي طوله نحو ثلاثة قطاعات من قطاعات المدينة البالغ عددها 80 قطاعا أي ما يساوي 1500 متر بعرض 100 متر تقريبا وهو مستمر بالتوسع، وجاءت تسميته نسبة إلى أحد البائعين في هذا السوق وهو يسمى مريدي حيث تأسس بعد إنشاء مدينة الصدر (سابقا الثورة) بنحو عشر سنوات أي تقريبا في سنة 1972، ولعل أبرز ميزة له هو توفر كل ما يرغب المرء بشرائه من مصوغات ذهبية وفضية ومسابح نفيسة وساعات وأحجار كريمة ومعدات كهربائية أو أثاث منزلي أو ملابس أو فرش وسجاد وحتى سيارات ودراجات نارية إضافة إلى الأطعمة بكل أصنافها، كما أن معظم البائعين ليس لديهم محلات أو دكاكين إنما يفترشون الأرض ببضاعتهم المعروضة للبيع بأسعار مناسبة جدا قياسا للأسواق الأخرى.

وقد حاولت أمانة بغداد إزالة السوق لعدة مرات بسبب الزحام الذي يؤدي إلى قطع الشارع الرئيسي (شارع الجوادر) لكن دون جدوى، فقد ظل الحال كما هو عليه لحد الآن.

وقد ظهر سوق مريدي على الشاشة العربية لأول مرة في مسلسل فرقة «ناجي عطا الله» في رمضان الماضي، حيث قام ناجي عطا الله (الذي مثل دوره عادل أمام) مع فرقته بتزوير أوراقهم الثبوتية وعمل له وثيقة زواج مزورة وكذلك شهادة دكتوراه بالجراحة.

يقول معتز الواسطي أحد منظمي السوق الإلكتروني لـ«الشرق الأوسط» إن الفكرة بدأت بعد خروجي من العراق، ولقائي بصديق لي يعمل في هذا الميدان، وحاولنا تجربة الأمر، في البداية لم نكن نصبو للنجاح بقدر ما نريد أن نكسر قاعدة معتمدة ونحاول إدراج موضوع التسوق الإلكتروني في العراق لأول مرة.

ويضيف: «حصلنا على النجاح ونحاول تطوير عملنا، وجعله أكثر مرونة، ومن الطريف أننا سمعنا عن مكاتب عقارات صارت تتصل بنا وتشاركنا العمل، بسبب انحسار استخدام خدمات الإنترنت في الكثير من مناطق بغداد وكذلك المحافظات».

وحول طريقة التعامل مع السوق الإلكتروني، وهل هناك ضرائب أو أجور يقول الواسطي: «التسجيل في السوق مجانا ومتاح للجميع، وأي شخص يستطيع الاستفادة من خدماته بيع، شراء، أو مزايدة على السلع التي فيه، فلو كانت عنده سلعة مثلا يستطيع أن يذهب إلى قسم البيع ويضع اسما تعريفيا لسلعته ويذكر تفاصيلها وقد يضع صورة لها ويضع مدة زمنية قد تكون شهرا أو شهرين يبقى فيها إعلان سلعته متاحا للمتصفحين أثناءها، وبالمقابل فإن من يرغب بهذه السلعة قد يشتريها مباشرة أو يزايد عليها إلى أن تنقضي مدة المزاد، وعندما يتم ربح المزاد أو بيع السلعة فإن رسالة إلكترونية سوف تذهب إلى كل من البائع والمشتري ليعلم كل منهما بتفاصيل الاتصال بالآخر من أجل إتمام البيع بينهما وتسليم البضاعة، وختم بالقول: «نعمل على توفير خدمة التوصيل إلى المنازل والشركات، كي نسهل عملية التسوق ونجعلها أكثر فعالية».

وعن فكرة التسوق الإلكتروني وإمكانية تحول الأسواق المعروفة للتعامل عبر الإنترنت، يقول المدرس الجامعي نجاح السعد من جامعة بغداد، لـ«الشرق الأوسط»: «التعاملات الإلكترونية في العراق ضعيفة جدا ومتخلفة ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها انعدام البنية التحتية والتي تعد اللبنة الأساسية في البناء الإلكتروني للمجتمع فما زلنا نشهد أضعف خدمة إنترنت في العالم ويقع العراق في مصاف الدول المتخلفة إلكترونيا كما يعيش المجتمع العراقي في أمية إلكترونية كبيرة».

ويضيف: «ما يزال الكثيرون غير مقتنعين بفكرة الشراء أو البيع وهم جالسون أمام الحاسوب، حيث اعتادوا على التعامل النقدي للأموال، هذه مهمة صعبة وتحتاج لوقت طويل».