أسبوع باريس للموضة بين المبالغة والبساطة

جون بول غوتييه يعود إلى الثمانينات.. «لويفي» تخفف وزنها.. ومارتن غرانت و«سيلين» يعانقان البساطة

TT

مادونا، غرايس جونز، مايكل جاكسون، بوي جورج، ديفيد بوي، سادي، ولائحة طويلة وعريضة من نجوم الثمانينات حضروا عرض جون بول غوتييه. فقد دعاهم المصمم للاحتفال معه بحقبة الثمانينات من القرن الماضي على طريقته. 54 قطعة هي مجموع ما قدمه، الأمر الذي كان من السهل أن يصيب الحضور بالملل والتعب لكن العكس حصل. فنحن أولا وأخيرا بين يدي مصمم شقي لا يتقن فن التصميم فحسب بل أيضا كيف يرفه عن النفس، بحكم أنه عمل في السابق كمذيع ومنشط تلفزيوني وبالتالي يعرف ما يشد اهتمام الحضور ويجعلهم يتجنبون أن يرمشوا بأعينهم حتى لا يفوتهم أي شيء.

ما قدمه كان أقرب إلى الكاباريه منه إلى عرض عادي، لأنه في كل مرة كانت تطل علينا عارضة، كانت تظهر متقمصة إطلالة وصورة شخصية أيقونية من الثمانينات. في البداية ظهرت السمراء غرايس جونز في «توكسيدو» من دون أكمام، علما أن هذه القطعة تكررت في الكثير من العروض مما يشير إلى أنها ستكون ساخنة في الموسمين المقبلين وقطعة أساسية في خزانة أي أنيقة. تلتها مادونا، التي يعود لها فضل كبير في شهرة المصمم عندما ظهرت بكورسيه من تصميمه في الثمانينات. في لحظة من اللحظات، توالت أزياء لا يمكن تصور ملاءمتها لحياة أو أسلوب أي امرأة لأنها أقرب إلى ملابس نوم في غاية الإثارة منها إلى ملابس عادية، خصوصا أنها تلعب أيضا على فكرة السادية والماسوشية. لحسن الحظ أنه أتبعها بمجموعة أخرى من الفساتين شفافة بعض الشيء، إلا أنه يمكن تطويعها في الواقع بشكل أو آخر. العارضة التي تقمصت شخصية المغنية سادي، مثلا، ظهرت بهذه الفساتين الشفافة منسدلة باللون الأسود. وطبعا لا يمكن التطرق إلى أيقونات من الثمانينات من دون المغني الراحل مايكل جاكسون، الذي ظهر ببنطلونات وجاكيتات براقة، إلى جانب المغني ديفيد بوي الذي ظهر ببدلات ملاصقة ومفصلة على الجسم، ماركته المسجلة، والمغنية «بلوندي» بفستان ليلكي بفتحة جانبية وهكذا.

خلف الكواليس وبعد أن انتهى عرضه، وبين زحمة المهنئين وهمهمات محرري الأزياء، كان التقاط أجوبته بوضوح صعبا يحتاج إلى الكثير من التركيز. من بين ما قاله أن الأزمة الاقتصادية لا تعني أن يتعامل معها الناس بطريقة مأساوية من خلال أزياء تثير الملل. وأضاف متسائلا: «لماذا يجب أن تكون في غاية البساطة، وترفع شعار القليل كثير؟ هناك دائما حيز من الفرح والسعادة علينا استغلاله؟.

احتفاله بالثمانينات لم يكن من باب الابتعاد عن الواقع الحالي بأزمته ومخاوفه فقط، بل كان أيضا معانقة لحقبة شهدت الكثير من الابتكار والجرأة في التصاميم والألوان، حسب قوله. فالموضة آنذاك لم تتخوف من الإسهاب والمبالغة في كل شيء بما في ذلك الأشكال والزخرفات والتطريزات والبريق، مضيفا أنها كانت حقبة لم يتخوف فيها الناس من التعبير عن أنفسهم ولو استدعت العملية معانقة أساليب مجنونة. أما الآن «فهم مثل القطيع يتبعون ما يلبسه الآخرون ويقلدون بطريقة عمياء».

بغض النظر عن الجانب الترفيهي الذي ترك الكل فاتحا فاه طوال العرض، فإن الأزياء نفسها لم تحمل جديدا، وجاءت تكرارا لأسلوبه وما قدمه في السابق، بدءا من اللعب على الجانب الحسي المثير أو على مفهومي الذكورة والأنوثة والكورسيهات وغيرها من الكليشيهات، التي يشفع لها أنها مفصلة بطريقة لا يعلى عليها مع جرعات شقاوة مرحب بها.

في المساء وعلى الساعة التاسعة والنصف، كان الموعد مع عرض «لويفي». كان عرضا جد مختلف عما قدمه شقي الموضة الفرنسية، بحكم أن الدار الإسبانية العريقة تميل إلى الكلاسيكية العصرية، وتعانق إرثها المتجذر في الجلود المترفة تحديدا. مصممها البريطاني ستيوارت فيفرز، أبدع في هذه التشكيلة كعادته، وتفنن في هذه الخامة التي بدت في الكثير من الأحيان وكأنها جدائل من الدانتيل في ألوان تباينت بين الأسود والبرتقالي والأخضر الزيتون والبني والرمادي. صحيح أن فكرة الجلد والشامواه ثقيلة على الفهم في موسم يتوجه للربيع والصيف إلا أن الدار متخصصة في هذه الخامة وبالتالي تعرف كيف تجعلها منعشة سواء تعلق الأمر بقصها باللايز وتطريزها أو بتخريمها على يد حرفيين. وهذا ما يجعله في الكثير من الأحيان يبدو للعين وكأنه دانتيل وعند لمسه يتخيل لك أنه حرير لخفته ونعومته. المصمم شرح بأن أثقل قطعة في التشكيلة هي معطف مقصوص باللايزر على شكل مخرمات لا يزن أكثر من 400 غرام، مما يجعله أخف من فستان حرير مطرز بالعقيق أو الخرز.

ما نجح فيه المصمم البريطاني منذ التحاقه بالدار الإسبانية العريقة، أنه على الرغم من عمرها الذي يتعدى الـ160 بسنوات، يخضعها دائما لعمليات تجميل تجعلها شابة متطلعة إلى تقديم الجديد واستباق المواسم. ما نجح فيه كذلك أنه فهم منذ البداية أنها جزء من الثقافة الإسبانية وأنه عليه أن يعمل على تسويقها إلى العالم من هذا المنطلق. في هذه التشكيلة، مثلا، قال إنه تأثر بقراءاته عن قصر كانت تقيم فيه غالا دالي، زوجة الرسام المعروف سالفادور دالي قائلا: «لقد كانت تسوق سيارة كاديلاك ضخمة، وكانت جريئة، مقبلة على الحياة وعلى متعها تغرف منها من دون هوادة أو خوف، كما كانت جريئة ولا تخاف أن تعبر عن آرائها بصراحة». وأضاف أن هذه الصفات جعلته يتخيل ما ستكون عليه حياتها وأسلوبها في الحاضر لو ظلت بيننا. وهذا التضارب بين عالمين مختلفين، العالم الارستقراطي الذي ولدت فيه، والعالم الذي كانت تبحث فيه عن متع الحياة، هو الذي شجعه على جعلها بطلة هذه التشكيلة. وكانت النتيجة مزيجا ارستقراطيا وآخر حيويا منعشا ومفعما بالشباب يظهر في الكثير من جوانب هذه التشكيلة. افتتح العرض، مثلا، بتنورات مستقيمة وجاكيتات مفتوحة مطرزة بالورود بنفس لون القطعة، تلته مجموعة فساتين ناعمة من الشامواه والجلد المطرز وعدد قليل من البنطلونات بخصور عالية تتسم بلمسة ذكورية خفيفة. وفي أغلب القطع كانت تظهر التقاليد اليدوية الإسبانية في الكثير من التفاصيل، بما في ذلك الإكسسوارات، وتحديدا حقائب اليد، التي غلبت عليها جدائل قال المصمم أنه استوحاها من سلالم بيت غالا دالي، إلى جانب حقائب أكثر «سبور» مستوحاة من الأسلوب العسكري.

من جهته، قدم المصمم مارتن غرانت تشكيلة عملية من السهل تسويقها في العالم. فالمصمم يتميز عموما بأسلوب يميل إلى الهدوء والعقلانية، وهذا يحسب له وليس ضده، لأن كل ما يقدمه لحد الآن يناسب الحياة العصرية، الأمر الذي قد يفقده بعض الإبهار والإثارة على منصات العرض لكنه يكسبه الكثير من الشعبية والإقبال في الواقع. غلبت على التشكيلة ألوان الأبيض والأسود والأزرق النيلي والأحمر مع زخات من اللون الذهبي في تصاميم راقية بهدوئها وعصرية في رصانتها. غير أنه من الخطأ الخلط بين الهدوء وبين افتقاد الإبداع، إذ إن التفاصيل التي أضافها على معظم القطع، سواء في الأكمام أو الياقات ومنطقة الخصر، من شأنها أن تجعل كل قطعة شهية ولافتة، وهذا ما يعرفه المشترون الذين ازدحمت بهم الصفوف الأمامية. فمنذ الإطلالة الأولى، بدأوا يدونون ملاحظاتهم ويختارون ما يناسب أسواقهم من دون توقف. العملية بلا شك لا تحتاج منهم إلى جهد كبير لأن كل شيء قدمه المصمم مغرٍ وجذاب، لكنها قد تصيبهم بالحيرة، في حال كانوا مقيدين بعدد القطع التي يمكن أن يطلبونها.

نفس الأمر ينطبق على عرض «سيلين» الذي يستقطب المشاهير والمشترين على حد سواء، ومرة أخرى رفع شعار البساطة والهدوء. فمنذ أن التحقت البريطانية فيبي فيلو بالدار الفرنسية وهي تتألق وتقفز بخطوات واسعة إلى الأمام. في تشكيلتها لربيع وصيف 2013، لم يخرج الأمر عن المعتاد، فهي واثقة تخاطب الكثير من الأذواق على الرغم من أن الألوان المستعملة فيها اقتصرت على الأسود والأبيض والرمادي مع أحذية باللون الأحمر. ربما لا يروق هدوؤها لجون بول غوتييه، لكنها حتما ستروق لنساء العالم وعلى رأسهن نساء آسيا، نظرا لأشكالها الفنية، التي اعتمدت على الطيات، وتنوع قطعها بين الفساتين والقطع المنفصلة التي يسهل تنسيقها لتجديد المظهر.