جزيرة فرعون تتجمل من جديد على أرض الفيروز

بعد تطويرها لاستقبال الحركة السياحية الوافدة لمصر

جزيرة فرعون («الشرق الأوسط»)
TT

على أرض الفيروز المصرية تقع جزيرة فرعون بمدينة طابا في جنوب سيناء، والتي ظلت على مدى السنوات الماضية تعاني من تحديات الزمن وتعديات الإنسان، إلى أن جرى ترميمها في إطار الجهود المصرية لجذب الحركة السياحية لمصر خلال الموسم الشتوي المرتقب، بعدما أصابها ركود جراء تداعيات ثورة 25 يناير (كانون الثاني).

مشروع صيانة الجزيرة افتتحه رئيس الوزراء د.هشام قنديل، ووزير الدولة لشؤون الآثار د.محمد إبراهيم أول من أمس السبت، وبلغت كلفته 20 مليون جنيه. وقال إبراهيم إن «افتتاح الجزيرة يأتي في إطار تطوير المواقع الأثرية والسياحية بعدد من محافظات مصر خلال الشهور القليلة القادمة مع بداية الموسم السياحي الجديد لمصر الذي يبدأ خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل كعامل جذب جديد للحركة السياحية إلى البلاد ورسالة لجميع شعوب العالم تؤكد أن مصر آمنة مستقرة وترحب بزائريها من مختلف أنحاء العالم المولع بحضارة وتاريخ مصر».

وبعد الافتتاح الرسمي أصبحت جزيرة فرعون في مدينة طابا بسيناء متاحة أمام السياحة الدولية والمحلية بعد ترميمها بما تضمه من مواقع أثرية أهمها قلعة صلاح الدين، فيما حرص مشروع الترميم على الانتهاء من البنية التحتية للجزيرة من كهرباء وشبكة مياه، وعمل مارينا لنقل الزائرين بالمراكب السياحية، إضافة إلى وضع اللوحات الإرشادية والمرافق الخاصة بالزائرين، وتنفيذ أكبر مشروع لإضاءة الجزيرة ليسمح بالزيارة السياحية ليلا.

وأكد إبراهيم أنه بإضافة جزيرة فرعون إلى آثار طابا «أصبحت المدينة تنعم بالعديد من المقومات التي تجعلها محط إقبال الكثير من السائحين من مختلف أنحاء العالم، حيث تتوافر جميع أنواع السياحة بها من ترفيهية وثقافية وسياحة السفاري وسياحة أثرية فريدة ومتميزة، ضمن ما يعرف بالسياحة الثقافية التي أصبحت تتمثل في قلعة صلاح الدين بالجزيرة، بالإضافة إلى السياحة الترفيهية حيث تتمتع الجزيرة بأجمل الشعب المرجانية، مما يجعلها موطنا لرياضة الغوص والأنشطة البحرية المتعددة، وسياحة السفاري لزيارة الأودية قرب طابا».

وشمل مشروع تطوير قلعة صلاح الدين بالجزيرة ترميم السور الخارجي للقلعة، وإظهار المناطق المكتشفة به وحمايتها من عوامل النحر والانهيار بواسطة أمواج البحر الشديدة في فصل الشتاء التي تصل إلى داخل الجزيرة نفسها، وإعداد لوحات إرشادية مزودة بالمادة العلمية، وتأمين الصعود للقلعة، وخطة إضاءة تحول الجزيرة لمدينة مرئية رائعة تتلألأ ليلا عبر الحدود المصرية مع السعودية والأردن وفلسطين المحتلة، وتتيح زيارة القلعة ليلا وزيادة الأنشطة الثقافية بها.

وعن القيمة التاريخية لقلعة صلاح الدين وجزيرة فرعون يقول الباحث الأثري المصري عبد الرحيم ريحان إن «الجزيرة تضم قلعة صلاح الدين، وتبعد 10 كيلومترات عن مدينة العقبة، وعن شاطئ سيناء 30 مترا، وتمثل قيمة تاريخية ثقافية مهمة حيث تشرف على حدود 4 دول. والقلعة أنشأها القائد صلاح الدين عام 567هـ/ 1171م، لصد غارات الصليبيين وحماية طريق الحج المصري عبر سيناء، وكان لها دور كبير في حماية سيناء من الغزو الصليبي، فحين حاصرها الأمير أرناط صاحب حصن الكرك 1182م بقصد إغلاق البحر الأحمر في وجه المسلمين واحتكار تجارة الشرق الأقصى والمحيط الهندي بالاستيلاء على أيلة شمالا (العقبة حاليا) وعدن جنوبا، أرسلت الحامية الموجودة بالقلعة رسالة إلى القيادة المركزية بالقاهرة عبر الحمام الزاجل، وهناك برج للحمام الزاجل داخل القلعة، فتصدى له العادل أبو بكر أيوب بتعليمات من أخيه صلاح الدين، فأعد أسطولا قويا في البحر الأحمر بقيادة الحاجب حسام الدين لؤلؤ قائد الأسطول بديار مصر، فحاصر مراكب الفرنج وأحرقها وأسر من فيها وتعقبها حتى شواطئ الحجاز، وكان ذلك تمهيدا لموقعة حطين، معركة الكرامة والعزة واسترداد الحقوق العربية والإسلامية بفلسطين».

وتحوي القلعة منشآت دفاعية من أسوار وأبراج، وفرنا لتصنيع الأسلحة، وقاعة اجتماعات حربية، وعناصر إعاشة من غرف الجنود، وفرنا للخبز، ومخازن غلال، وحمام بخار، وخزانات مياه، ومسجدا أنشأه الأمير حسام الدين باجل بن حمدان. وبنيت القلعة من الحجر الناري الغرانيتي المأخوذ من التل الذي بنيت عليه القلعة. كما تحوي القلعة عناصر دفاعية تتمثل في سور خارجي كخط دفاع أول تخترقه 9 أبراج دفاعية، ثم تحصين شمالي يخترقه 14 برجا من بينها برج للحمام الزاجل وتحصين جنوبي صغير، ولكل تحصين سور دفاعي كخط دفاع ثان، ويخترق هذه الأسوار مجموعة من الأبراج بها مزاغل للسهام على شكل مثلث متساوي الساقين في المواجهة وقائم الزوايا في الجوانب لإتاحة المراقبة من كل الجهات، وبعض هذه الأبراج يتكون من طابق واحد وبعضها من طابقين، وبالبعض ثلاثة مزاغل وهناك أبراج أخرى بها خمسة أو ستة مزاغل، واستخدمت في أسقف الأبراج فلوق وسعف النخيل.

ومن بين أبراج القلعة برج الحمام الزاجل الذي يقع في الجزء الشرقي من التحصين الشمالي، وعثر بداخله على بيوت الحمام (بناني الحمام) وبها بقايا حبوب من الشعير والفول، وكان أول من نظم حمام الزاجل لنقل رسائل الحكومة هو السلطان نور الدين محمود الذي تولى حكم الشام عام 1146م، وأنشأ محطات للحمام الزاجل في أهم طرق السلطنة.

كما تضم القلعة مسجدا صغيرا يضم محرابا وشباكين جانبيين، ومن حسن الحظ فقد تم العثور على اللوحة التأسيسية لهذا المسجد متساقطة عند مدخله وتمت إعادتها لموقعها الأصلي فوق المدخل في أعمال الترميم، وهي مكتوبة بخط النسخ في ثلاثة سطور، بأن من أعمر هذا المسجد المبارك، الأمير حسام الدين باجل بن حمدان. ورغم أن السنة متآكلة لذلك تم تأريخه إلى وقت إنشاء القلعة 567هـ/ 1171م.

وبالقلعة حجرات للجنود خلف السور الغربي للتحصين الشمالي، وهي أشبه بغرف إعاشة وحراسة لقربها من الممر الموجود خلف شرفات القلعة المستخدم لمراقبة أي هجوم مفاجئ. وبهذه الحجرات حنيات صغيرة لوضع مسارج الزيت للإضاءة، وبالقلعة خزان للمياه وصهريج حيث يقع الخزان قرب السور الشرقي للتحصين وهو محفور في الصخر ويعتمد على مياه الأمطار التي تتساقط عليه من خلال فتحات (خرزات) بالأقبية الطولية التي تغطي الخزان، وفي حالة ندرة الأمطار يملأ الخزان من بئر بوادي طابا وينقل الماء بالمراكب للقلعة، أما الصهريج فهو أصغر حجما ويقع مجاورا لمنطقة حمام البخار والمطعم وفرن القلعة ومخازن الغلال، وهو مبني من الحجر الجيري ويتكون من عمود أوسط من عدة حلقات لقياس منسوب المياه يحمل عقدين وتنقل إليه المياه بواسطة حوض خارجي يتصل بالصهريج عن طريق قنوات فخارية، وبجوار الصهريج حواصل الغلال الذي عثر بها على بقايا قمح وشعير وعدس، وكذلك فرن القلعة حيث كشف عن البلاطة الخاصة بالفرن «العرصة» يجاورها موقد بلدي «كانون» وقواعد لجرار كبيرة ربما كانت لتخزين أغراض متعلقة بحجرة المعيشة.

وكناحية استشفائية وللمحافظة على صحة الجنود ونظافتهم أنشأ صلاح الدين داخل القلعة حمام بخار، وتم الكشف عن طريقة تشغيل هذا الحمام الذي يتكون من ثلاث غرف، الأولى لتغيير الملابس وبها مصاطب للجلوس عليها تمهيدا للدخول إلى ممر طولي يؤدي إلى الحجرتين الساخنتين، حيث تتدرج السخونة من الحجرة الثانية إلى الثالثة الأكثر سخونة، والتدرج هذا لمنع الإصابة بنزلات البرد. كما عثر على المواسير الفخارية بالجدارين وهي التي كان يمر بها الماء الساخن الناتج من الخزان الخلفي للحمام، حيث يتم الإيقاد عليه حتى يتبخر الماء ليتم توزيعه عبر هذه المواسير حتى تكتمل الدورة الحرارية من الجدران والأرضيات الساخنة.