مارك جاكوبس وميوتشا برادا يختتمان دورة الموضة لربيع وصيف 2013

«لوي فيتون» تتحول من الرومانسي إلى المحسوب.. و«ميوميو» من الشقاوة إلى الكلاسيكية الهوليوودية

من تصميم مارك جاكوبس لدار «لوي فيتون» (رويترز)
TT

إذا كانت هناك أي منافسة بين بيوت الأزياء على تصميم منصات عرض مثيرة، فإن «لوي فيتون» كانت الفائزة بالميدالية الذهبية هذا الموسم. فأول من أمس الأربعاء، آخر يوم من أسبوع الموضة الباريسية، وبمجرد دخول القاعة المنصوبة في ساحة «لوكاريه» وسط متحف اللوفر، فوجئ الضيوف بما يشبه مجمع تسوق تتوسطه أربعة سلالم متحركة تؤدي إلى منصة عريضة رسمت عليها مربعات باللونين الأبيض والأصفر. من أعلى السقف اصطفت دوائر صغيرة مضاءة هي الأخرى بالأصفر، مما يشير إلى أن الأبيض والأصفر سيكونان مهمين في هذه التشكيلة.

بعد مفاجأة اللحظات الأولى، تبين أن تصميم القاعة كان ثمرة تعاون بين مصمم الدار مارك جاكوبس، الذي لا يعترف بالحلول الوسطى، والفنان دانيال بورين، المعروف بأسلوبه البسيط والهادئ الذي لا يعترف بالكثير أو المبالغات. فهو من مدرسة الفن التجريدي التي ترفع شعار «القليل كثير»، وهو أيضا من صمم «لي دوه بلاتوه» أي «الهضبتين»، وهما سلسلة مكونة من 260 عمودا متدرج الارتفاع في ساحة «باليه رويال».

من هذه الأعمال استوحى المصمم مارك جاكوبس تشكيلته لربيع وصيف 2013 لتكون النتيجة تصاميم هندسية في تفصيلها تستقي الكثير من خطوطها العمودية المستقيمة من أعمدة الفنان الفرنسي ومن مربعات «دايمر» التي تشتهر بها الدار، وتشكل واحدة من أهم جيناتها. لا شك أن هذا التعاون يبدو غريبا في البداية بحكم أن المصمم النيويوركي معروف بميله إلى البذخ والإبهار، والفنان الفرنسي ببساطته، إلا أن الاستغراب سرعان ما يذوب ليحل محله انبهار بترجمة المصمم إلى الخطوط العمودية في أشكال القطع المحددة على الجسم والتي منحت الجسم طولا وامتدادا. لكن دور البطولة المطلقة في هذه التشكيلة كان للمربعات، التي جاء العديد منها مطرزا بأصغر أحجار الترتر لحد الآن، لخلق تأثير مائي يتراقص بهدوء على الفساتين والتايورات.

صحيح أنها تشكيلة مختلفة تماما عما قدمه في الموسم الماضي من أحجام واسعة وأقمشة البروكار وغيرها من المفردات المترفة التي تفوح بالرومانسية، لكنها تلتقي معها في رقيها وفنيتها، كونها محسوبة بالملليمتر ومرسومة على الجسم تعانقه ولا تود أن تفارقه، أصبغ عليها نكهة الستينات، إذ استحضرت أسلوب كل من الفرنسي أندريه كوريج والبريطانية ماري كوانت. بيد أن المصمم نفى أن تكون هذه الحقبة على باله عندما صمم تشكيلته، مشيرا إلى أن تسريحات الشعر المنفوخة يمكن أن تكون لعبت دورا في تولد هذا الإحساس. وشرح أنه عندما عكف على تصميمها وضع نصب عينيه أيقونتين مختلفتين في أسلوبهما هما المغنيتان الفرنسيتان فرانسواز هاردي وجاين بيركين. الأولى تميل إلى الأزياء التي تغطي كامل الجسم، والثانية إلى الأزياء المكشوفة، لكن القاسم المشترك بينهما دائما هو ذوقهما الراقي وأسلوبها البسيط. هذه الازدواجية كانت أيضا الغالبة في الألوان كما في استعمال البراق مع المطفي في القطعة الواحدة، وبين الحاضر والغائب، بمعنى أن مربعات بعض الفساتين كانت مقصوصة وغير موجودة أساسا لتكشف عما تحتها.

هذه الازدواجية امتدت إلى الألوان التي مزج فيها المصمم بين لونين في القطعة الواحدة: بني وأبيض، اصفر وأبيض، اسود وأبيض، أخضر وأبيض، كما في إرساله العارضات مثنى مثنى. وهذا ما جعل 64 قطعة تمر في لمح البصر تاركة الكل جائعا للمزيد. فالعرض، منذ البداية إلى النهاية، لم يستغرق سوى 9 دقائق، وهو وقت قياسي بالنسبة لعدد القطع المعروضة، ويجعل البعض يتساءل عن مدى جدوى الديكورات الباهظة الثمن وما يرافقها من إخراج وتحضيرات، قد يستغرق تنفيذها أسابيع طويلة. لكنها «لوي فيتون» الدار التي تفخر بعراقتها وإرثها، والتي لا يغلى عليها غال، نظرا لإمكانياتها الهائلة، كونها الجوهرة في تاج مجموعة «إل في إم إتش» التي يملكها واحد من أغنى الفرنسيين، برنار أرنو.

تجدر الإشارة إلى أن تحضير العارضات هنا بدأ الساعة الثالثة صباحا، حيث إن تسريحاتهن المنفوخة وحدها كانت تحتاج إلى وقت، عدا عن الماكياج والبروفات وغيرهما.

تقصير وقت العرض بهذا الشكل وتسريع إيقاعه يمكن أن يكون شكلا من أشكال الملاعبة. فقد عبر المصمم في إحدى المرات عن رغبته في تحطيم الرقم القياسي بأن ينتهي عرضه بمجرد أن يجلس الحضور على كراسيهم وحتى قبل أن يرتاحوا فيها. ورغم أن هذه الأمنية تبدو صعبة التحقيق، فإنها غير مستحيلة بالنسبة لمصمم يعشق التحديات، بدليل أنه الوحيد الذي يبدأ عرضه في الوقت المحدد بالدقيقة والثانية. حتى عندما يتأخر الضيوف المهمون لسبب من الأسباب، مثل زحمة السير أو هطول المطر، فإنه لا يتنازل ويقفل الأبواب في وجوههم. يعود هذا التقليد إلى بضع سنوات، إثر تعرضه لانتقادات شديدة بسبب تأخر عرضه في نيويورك لأكثر من ساعة، مما جعله يأخذ نذرا على نفسه بأن يحترم الوقت حتى يسكت كل الانتقادات، ولا بأس أن ينتقم من منتقديه بطريقة فنية.

الفنية تجلت أكثر في اللوحات المائية التي قدمها صباح يوم الأربعاء على شكل فساتين وتايورات بتنورات مستقيمة تغطي الركبة، وجاكيتات من دون ياقات، ومعاطف بأطوال مختلفة، بعضها قصير جدا والآخر إلى الركبة والثالث إلى الكاحل تقريبا. كلها ومن دون استثناء تميزت بمربعات بما في ذلك الأحذية، وكلها أيضا استعملت فيها تقنيات خاصة. فبالإضافة إلى أن التطريزات البراقة تراصت مع بعض بشكل جديد لتخلق تأثيرا هندسيا، تم أيضا استعمال تقنية «تافتاج» التي تستعمل في العادة في صنع السجاد لتزيين الجلد، إلى جانب الريش الذي تم تثبيته بعناية شديدة ليأخذ شكلا مسطحا حتى يبدو وكأنه جزء من خيوط القماش. غني عن القول أن هذه التقنيات، لكي تأتي بهذا الشكل المتقن، تحتاج إلى وقت طويل وجهد أكبر، إذ إن أي خطأ ولو كان مجهريا من شأنه أن يؤثر على ديناميكية القطعة ككل والعملية الحسابية التي يفرضها كل مربع على حدة. لم يكن هناك مجال للخطأ في تشكيلة يراد منها أن تحاكي الـ«هوت كوتير» في الكثير من تفاصيلها، إن صح القول.

بعد انتهاء عرضه توجه المصمم مارك جاكوبس إلى «باليه ديينا» لحضور عرض «ميوميو» ابنة صديقته، ميوتشا برادا. عرض أخذتنا فيه هذه الأخيرة إلى حقبة الخمسينات لترسم لنا صورة هوليوودية لفتاة شابة من خلال معاطف واسعة وتنورات مستقيمة وجاكيتات تزيد اتساعا كلما اقتربت من الخصر أو تخاصمه بالكامل أحيانا مفضلة الجلوس فوقه. عرض أيضا منحنا شعورا بالدفء بالنظر إلى التصاميم والأقمشة المستعملة فيه، مما ولد الإحساس بأن المصممة تترقب صيفا باردا يحتاج إلى معاطف وجلود وفرو، بل وأيضا إلى قفازات. لكن لأنها ميوتشا برادا، التي نعشق كل ما يخرج من أناملها، ونعتبره إشارات مستقبلية وتوجهات سيستوحي منها باقي المصممون أفكارهم في المواسم القادمة، فإننا نميل هنا إلى ألا نأخذ كل ما اقترحته بشكل حرفي. فالقفازات ما هي إلا خلفية رائعة لأساور عريضة براقة، والمعاطف المصنوعة من الدينم أو الساتان هل لكل المواسم، بل حتى الفرو والجلد اللماع مرحب بهما بغض النظر عن الفصول والمواسم إذا كانت بهذا التصميم وهذه الألوان. بالإضافة إلى كل هذا فإن سماء باريس بدأت تمطر بغزارة في ذلك اليوم، مما يجعل ذلك الخيط الذي يفصل بين الفصول غير وارد سوى بالنسبة لمن يستعذبون النقد.

الألوان أيضا كانت هادئة وطبيعية بهدوء ألوان الديكور الذي استُعملت فيه منصة من الخشب يبلغ طولها 30 مترا تقريبا، لتعكس هدوء تشكيلة لم تعد موجهة إلى «ميوميو» الصغيرة والشقية. فابنة برادا أصبحت شابة في مقتبل العمر تريد أزياء أنيقة بخطوط كلاسيكية أكثر منها أزياء بلمسات شقية، بعد أن بدأت تتقبل إرث الماضي الجميل الذي كانت تتمرد عليه في الصبا لارتباطه في ذهنها بأسلوب والدتها أو جدتها. والنتيجة كانت مزيجا متناغما بين الأسلوب البوهيمي المنطلق الذي تجسد في القطع الواسعة، والكلاسيكي الذي طبعته تلك اللمسة الهوليوودية في الفساتين والتنورات المستقيمة التي تغطي نصف الساق أحيانا.

استهلت المصممة العرض بواحدة من هذه التنورات المستقيمة، من الدينم مع جاكيت طويل، تلتها مجموعة بأقمشة من القطن المكرمش بالأبيض والأحمر والأسود، ثم قطع من الفرو الذي يبدو وكأنه مرشوش بالألوان إلى جانب الجلد اللماع. حيوية التشكيلة تجلت أكثر في القطع المصنوعة من قماش الدينم والقطن المكرمش والنقوشات، كذلك في بعض التنورات المشبوكة من الخلف بأزرار براقة وكأنها بروشات أو مجوهرات. قد تبدو ترجمتها في الحياة اليومية صعبة للوهلة الأولى، لكن ما إن سنرى الأنيقات بها حتى سنستحليها، مثلما حصل في الموسم الماضي عندما قدمت المصممة تايورات بتفصيل رجالي، ببنطلونات فوق الكاحل غطتها نقوشات هندسية صارمة كان من الصعب تصورها في أرض الواقع، لكنها الآن مطلب كل أنيقة.

الشيء نفسه يمكن أن يقال عن الصنادل المفتوحة والمرصعة بأحجار ضخمة من الكريستال، فهي قد تبدو نشازا مع معاطف من الفرو أو الجلد، لكن إذا أخذتها على حدة فهي مفعمة بالحيوية ولا بد أن تجد طريقها إلى خزانات أنيقات العالم.