في معرض «صنع في مكة».. روحانية وتراث وتاريخ

3 فنانين سعوديين من أبناء المدينة المقدسة يعرضون أعمالهم في معرض لندني

TT

ضمن عنوان «صنع في مكة» يقدم ثلاثة من الفنانين السعوديين، ناصر السالم وصديق واصل ونهى الشريف، رؤيتهم لما تعنيه المدينة المقدسة لهم، يحولون تجاربهم وأحاسيسهم ببلدتهم إلى أعمال فنية تحاول أن تقدم وجها مختلفا لجمهور غربي يحمل وجهة نظر أحادية لما تعنيه مكة. المعرض الذي افتتح أول من أمس في لندن في غاليري آرت سبايس أشرفت عليه ريم فارسي وآية علي رضا وحظي بإقبال كثيف ليلة افتتاحه.

ريم فارسي التي تعتبر المعرض أول تجربة حقيقية مع تنظيم المعارض تشرح فكرة المعرض والمعاني التي يطرحها وتعلق على الاهتمام بمكة المكرمة الذي يظهر في عدد كبير من الأعمال الفنية حاليا: «حاولنا أن نبعد الفكرة عن تناول المواضيع المتداولة حول مكة حاليا وهي تدور حول التغييرات العمرانية والسلبيات التي تصاحبها، فالفنانون المشاركون هنا هم من أبناء مكة وبالتالي فأعمالهم تعبر عن معنى المدينة المقدسة وما تمثله داخل كل منهم، روحانيات مكة تظهر في أعمالهم، أرى أنها أعمال فنية إسلامية نفذت بطريقة مختلفة فهم ليسوا ناسا زاروا مكة بل المدينة جزأ منهم ومن تكوينهم ولا بد أن يظهر ذلك التأثر في أعمالهم». وتحرص فارسي علي التأكيد على أن الأعمال المشاركة تحمل نظرة إيجابية، وأضافت: «لم نحدد لهم طبيعة الأعمال بل تركنا لهم المجال مفتوحا ليعبروا عن مدينتهم بالطريقة التي يريدونها.. هناك محاور مختلفة لمدينة مكة في أعمال مختلفة، الفنانون الثلاثة جاءوا إلى هنا للتعبير عن مكة كمدينة لها واجهة أخرى غير الواجهة الروحانية، وبالنسبة للجمهور الغربي الذي لا يعرف غير واجهة واحدة فقط للمدينة أعتقد أن المعرض يقدم زوايا جديدة تعبر عن البيئة والجو العام والناس».

المعرض يأتي نتيجة للتعاون بين أثر غاليري في جدة وآرت سبايس في دبي ولندن، وحول سبب إقامته في لندن تقول فارسي إن هذه الفترة تتميز بالفن الإسلامي الذي تحتفل به دور المزادات الرائدة في لندن إضافة إلى تزامن المعرض أيضا مع معرض «فريز» للفنون المقام حاليا.

آية علي رضا، القيمة المشاركة للمعرض والتي عملت كمساعدة المنسق محمد حافظ في معرض «إدج أوف أرابيا.. يجب أن نتحاور» الذي أقيم في جدة في بداية العام علقت على فكرة المعرض بقولها: «الفن الإسلامي كان دائما يعكس إخلاص وتسليم الفنانين وإيمانهم وأراه دائما كنوع من الصلاة، وهو ما أراه هنا أيضا في أعمال الفنانين الثلاثة المشاركين هنا، فكل منهم يعكس هذا الإحساس بالتفاني والإخلاص الديني. ورغم أن (الفن الإسلامي) كاتجاه فني يرى الأكاديميون أنه انتهى ببداية القرن الماضي فإني أرى أنه ما زال مستمرا وأردنا من خلال هذا المعرض إثبات ذلك فقد تختلف التقنيات ولكن الروح ما تزال مستمرة».

الفنان صديق واصل اشتهر اسمه بتشكيل مجسمات من الحديد، المعدن الذي يطوره ويحوره ليخلق منه مجسمات تحمل أفكارا مختلفة تعبر عن التراث والتاريخ والإنسان. يقدم في معرض «صنع في مكة» أعمالا استوحاها من حياته في مكة، فهو ابن المدينة الوفي الذي يحمل في داخله ذكريات ماضيها وحاضرها ويختزل في لهجته المكاوية الأصيلة سمات أبناء المدينة المقدسة ويعبر عن بيوتها القديمة وحاراتها التي وإن غابت عن الوجود لا تزال موجودة في الذكريات والتاريخ كما يحب أن يؤكد.

يقول واصل الذي يؤمن بأهمية الاختلاف، فأعماله تختلف من مرحلة لأخرى «معرضي السابق كان اسمه (لا يزالون مختلفين) وعندما لا يكون هناك اختلاف تصبح الوتيرة الواحدة مدعاة للجمود لكن الاختلاف هو رحمة من رب العباد الذي خلق الكون بكل اختلافاته».

واصل الذي يعرض للمرة الأولى في لندن يقول حول الأعمال التي يشارك بها في «صنع في مكة»: «الأعمال هنا تعبر عن مكة بطريقة مختلفة، فالناس لديها فكرة واحدة عما تعنيه مكة ولكن في أعمالي هنا التعبير يختلف عن هذا التصور. أعمالي تتكلم عن مكة القديمة، الفوانيس والبيوت القديمة، التراث والتاريخ وقدسية المكان ولكن بطريقة مختلفة مثل عملي (جبل النور) الذي تلقى فيه الرسول الوحي، فهو يعكس رسالة القرآن التي بدأت من هذا الجبل انطلقت إلى العالم بأكمله، تحمل العلم عبر كلمة (اقرأ) التي بدأ بها الوحي».

يشير واصل إلى عمل «الفانوس» الموجود في المعرض ويقول: «هذا العمل يعبر عن النور والإضاءة القديمة ويرتبط لدي بالدراسة والتعليم، التعبير هنا عن العلم والنور ولكن بطريقة مختلفة تدمج التراث والروحانية، وهناك كنز يقف عليه الرجل حامل الفانوس، هو كنز التراث واللغة العربية».

مكة التي يعبر عنها واصل تعتبر جزءا من ماض اندثر معظمه وما تبقى في طريقه للزوال ولكن الفنان يرفض أن يؤثر ذلك على إيجابية نظرته ويقول: «قد تختفي المعالم ولكنها تظل في الذكريات وفي الروحانية وفي القلوب، تبقى هي لذاكرة الإنسان يتعلق بها ويحبها وتظل حية في قلبه. نحن دائما عندنا تفكير في السلبيات ونحولها إلى إيجابيات، ولكننا يجب أن نرى أن هناك عملية تطور واندماج».

أما الفنانة نهى الشريف فاللمحة الروحية واضحة جدا في عملها، النساء المتشحات بالسواد متوحدات في الشكل وفي إيماءة الصلاة التي يؤدينها جماعة، الطمأنينة والسلام والروحانية الخالصة تشع من إيماءات النسوة وإن كنا لا نميز لهن ملامح، إذ حرصت الفنانة على تجريدهن بشكل كبير لتنعدم الملامح وتتوحد الأشكال. وحسب ما تشير آية علي رضا فنهى الشريف التي عاشت في مدينة جدة في طفولتها قد تأثرت بالمجسمات الشهيرة التي تتوزع على كورنيش المدينة وتمنحها طابعا خاصا، ولكن الشريف قررت أن مجسماتها سوف تجنح إلى التجريد ووصلت إلى صيغة لدمج الإسلام في النحت.

تعلق نهى على أحد أعمالها بقولها «المجسمات هنا مقتبسة من المربع الذي تشغله النساء في صحن الحرم، كنت دائما أحب أنظر إليهن، كنت أقف في شرفة الطابق الثاني في الحرم وأتأمل في المجموعات وأرسم اسكتشات. وفي النهاية أعمل مجسمات تبسيطية لا تحمل ملامح، هي مجسمات روحانية خالصة».

مكة بالنسبة إلى نهى هي جزأ من هويتها «هي جزأ من تاريخي العائلي، أنا أعيش مع التاريخ أكثر من الحاضر حتى في دراستي حيث أقوم الآن بالدراسة لدرجة الدكتوراه حيث أقوم بعمل أبحاث حول كسوة الكعبة، فمكة تاريخ وتراث ومركز ديني ويعني لي أشياء كثيرة في حياتي».

أما الفنان الشاب ناصر السالم الذي يحمل عشقا خاصا لفن الخط العربي فيقدم من خلال المعرض خمسة أعمال الأول يستخدم الخط العربي بشكل مبتكر حيث يستعين بلمبات النيون لتكوين كلمة الله في تكرار بديع على خلفية مرآة تضمن التكرار اللانهائي للكلمة. يقول السالم «العمل هنا تعبير عن (الله حي لا يموت)، والتكرار يستمر إلى ما لا نهاية».

السالم عرض أعماله قبل ذلك في دبي ولبنان وتركيا والمتحف البريطاني الذي اقتنى أحد أعماله حيث شارك في معرض الحج الذي أقيم مؤخرا هناك بعمل حول ماء زمزم.

العمل الثاني للسالم يستخدم كلمة «كل» بالخط العربي، يقول: «التكرار للكلمة هنا يعود بنا إلى الخالق، فكل شيء في الكون ينتهي بنا للتفكير في الخالق».

ناصر درس الخط العربي على يد أحد الخطاطين المعروفين في المدينة المنورة: «عشقت الخط العربي، قضيت في دراسته 13 سنة وأخيرا منحني أستاذي إجازة الخط قبل عام واحد فقط». عمل آخر للسالم نرى مرايا ضخمة تحمل كتابات قد لا تكون واضحة عند النظرة الأولى ثم بإعادة النظر نرى كلمات الآية الكريمة «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»، يعلق السالم على العمل بقوله «الناس ترى نفسها فيه، الإنسان يستطيع أن يقرأ نفسه إذا تعمق وفكر، يكفي أن نرى أنفسنا لنتعرف على حقيقة وعظمة خلق الله».

مكة في أعمال السالم هي الروحانية الخالصة «الروحانية أمل بالنسبة لي، التفكير في الآيات وتأمل معانيها مهم بالنسبة لي».