تحقيق تلفزيوني فرنسي عن أدق خفايا أسرة الرئيس شيراك

برناديت تقول إنه في شبابه كاد يبقى في أميركا مع حبيبة من لويزيانا

جاك شيراك وبرناديت
TT

على مدى أكثر من ساعة، سهر الفرنسيون مع برنامج «ذات يوم.. ذات مصير»، الذي خصصت حلقة الأربعاء الماضي منه لاستعراض سيرة الرئيس الأسبق جاك شيراك عبر أرشيف مصور بالغ الثراء، مع شهادات لابنته كلود وأقرب أصدقائه، ومقابلة خاصة مع زوجته برناديت التي كانت حاضرة في الاستوديو.

تابع البرنامج الذي يقدمه لوران دولاوس ويبث من القناة الثانية، مسيرة شيراك منذ الولادة وحتى سنوات شيخوخته التي يعاني فيها من الوهن وتشتت الذاكرة. وإذا كانت التفاصيل السياسية معروفة في مجملها فإن نقاط الإثارة كانت في تطرق البرنامج إلى تفاصيل الحياة الخاصة لسياسي افتقد «الكاريزما» في بداياته لكنه أصبح واحدا من أكثر الرؤساء شعبية في فرنسا. وهو عندما فشل في انتخابات الرئاسة عدة مرات، فإن زوجته كانت مقتنعة بأن الناخبين لا يحبون عائلة شيراك. وفي سبيل كسب الأصوات فإن برناديت شيراك كانت تطوف ببيوت المسنين والعجزة، بيتا بيتا، وتحمل الهدايا للنزلاء في أعياد الميلاد، حتى حفرت لنفسها ولزوجها مكانة في قلوبهم.

ثم كان هناك سر البنت البكر، لورونس، التي أصيبت بمرض وهي في الخامسة عشرة من العمر وبدأت تعاني من الأنوركسيا وتحاول الانتحار بحيث أنها ألقت بنفسها من نافذة في الطابق الرابع. لقد ظلت والدتها قرب سريرها تصلي لحين شفائها بمعجزة. وكان شيراك يركز على ابنته الصغرى كلود ويدعوها للعمل معه ويتفادى الكلام عن لورونس، الأمر الذي فسره بعضهم بأنه يخجل من أن يكون أبا لبنت تعاني من اضطراب نفسي. لكن برناديت تقول إن زوجها كان من النوع الذي يخفي همومه في قلبه.

كشف البرنامج أن شيراك، في عز صعوده، أقام علاقة عاطفية حقيقية مع إحدى الصحافيات، وكان مغرما بها على غير عادته في علاقاته النسائية العابرة، وكان يرسل لها الهدايا ويكتب لها خطابات ملتهبة بحيث أن زوجته تصورت أن حياتهما المشتركة على وشك النهاية. لكن مستشاريه، وبالذات ماري فرانس غارو، المستشارة التي كان لا يرد لها طلبا، ألحوا عليه لكي ينهي العلاقة التي تهدد مصيره كحصان انتخابي يراهن عليه اليمين. كما تم الضغط على الحبيبة للانسحاب من حياته.

بعد انتهاء التحقيق الوثائقي وفي ردها على أسئلة مقدم البرنامج، اعترفت برناديت شيراك بأن زوجها الذي تعرفت عليه على مقاعد معهد العلوم السياسية وهما طالبان شابان، وانتبهت إلى ساقيه الطويلتين الذي كان لا يتوقف عن تحريكهما تحت الطاولة، وخمنت بأنه شاب قلق يتناول القهوة بإفراط. وهي ما زالت تذكر أنه كان غاويا للفتيات، لكنه دعاها للعمل في فريقه البحثي بعد أن لفتته جديتها. وأضافت أنه ما زال غاويا للنساء حتى اليوم، وقد طاردها في سنوات الدراسة وكان يطلبها بالهاتف عدة مرات لكن أباها، سليل العائلة الأرستقراطية، لم يكن مقتنعا به ويطلب منها أن لا ترد على مكالماته. وفي إحدى المرات، بعد أن ظل الهاتف يرن في بيت الأسرة بإلحاح، أرسل والدها برقية إلى شيراك يطلب فيها منه أن «يحل عنهم». وفي النهاية وافق الأب على الخطبة لأن الشاب كان يبشر بمستقبل طيب ولأن البنت كانت متعلقة به. وفي بوح نادر، قالت برناديت إنها لم تخنه على الرغم من مغامراته خارج البيت، وأضافت: «نساء أُخريات في مثل ظروفي كن سيبحثن عن الحب في مكان آخر. لكنني تربيت في عائلة كاثوليكية محافظة ولا أقبل ذلك لنفسي ولا لابنتيّ».

بعد الدراسة سافر شيراك إلى الولايات المتحدة. وتأخر في العودة بحيث قلقت والدته من احتمال بقائه هناك وتخليه عن خطيبته. وكانت الأخبار تأتي عن خروجه في نزهات بسيارة مكشوفة مع شابة أميركية من لويزيانا، أو عن تطوعه لقيادة سيارة عجوز ثرية في رحلة عبر الولايات المختلفة. لكنه عاد وتزوج برناديت شودرون كورسيل، المرأة التي عاشت الشطر الأول من حياتها ظلا له، إلى أن قادتها شعبيتها إلى أن تصبح شخصية سياسية مستقلة، في الشطر الثاني من حياتها، ونصيرا لا غنى لزوجها عنه. «أنا اليوم أسمع ما يقول لكنني أفعل ما أريد». هذا ما تقوله الزوجة المخلصة التي كان زوجها يعاني من حركتها البطيئة مقابل خطواته السريعة والطويلة. وتضيف: «أنا مثابرة وعندما أُلحّ عليه بأمر ما فأما أن يرميني من النافذة أو أن يستمع إلى طلبي». لقد طلبت منه، بعد أن أصبح رئيسا، أن يقيل مستشارته ماري فرانس غارو لأنها كانت تعاملها بتعال وتستخف بها وبالكاد توجه لها التحية. وقد نفذ شيراك الطلب وخرجت غارو لتعلن من التلفزيون أنها استقالت من وظيفتها بسبب خلاف سياسي مع الرئيس الذي ستبقى تعتز بصداقته. أما المستشار الآخر الذي كانت برناديت لا تطيقه فهو نيرون. وهي قد سألت مقدم البرنامج: «ألا تعرف من هو نيرون؟». إنه اللقب الذي أطلقته على دومينيك دو فيلبان، بعد أن نصح شيراك بحل البرلمان وتقديم موعد الانتخابات التشريعية وكانت النتيجة كارثية على حزبه.

أما نيكولا ساركوزي، السياسي الشاب الواعد الذي تودد، ذات يوم، إلى ابنتها كلود واقتحم حياة العائلة بحيث راح شيراك يعتبره ابنا له، فإنها تقول إن خيانته قد جرحتها حين وقف إلى جانب المرشح اليميني إدوار بالادور، منافس شيراك، في انتخابات عام 1995 التي فاز فيها زوجها. لقد وضعت ساركوزي على اللائحة السوداء لكنها عادت ودعمته، بعد سنوات، في حملته للرئاسة، بخلاف رأي زوجها، لأنها تعتبر نفسها يمينية ذات مسؤولية، وكان ساركوزي أمل اليمين في الفوز، يومذاك. وهي تبرر له خيانته بالقول إنه كان صغير السن وقليل التجربة.

مقابل دعمها لساركوزي، بدرت في الانتخابات الأخيرة هفوة من شيراك عندما قال إنه سيمنح صوته لهولاند في حال ترشح هذا الأخير في الانتخابات. وسارع المحيطون بشيراك إلى تبرير الأمر بأنه مزحة كلامية. ولم يكن أحد يدرك، يومذاك، أن الرئيس المتقاعد بدأ يفقد تركيزه ويخرف في أقواله بعد الجلطة الدماغية الصغيرة التي كان قد تعرض لها في أواخر ولايته الثانية.

في «الإليزيه» تصرفت برناديت شيراك مثل ملكة تأمر وتنهى في كل الشؤون المتعلقة بإدارة القصر وحفلاته، وكانت تختار بنفسها أطقم السفرة في المآدب الرسمية وتعطي توجيهاتها للجنايني بضرورة زرع المزيد من شتلات الورد في الحديقة الخلفية. ولما حان موعد طقس التسلم والتسليم بين شيراك وساركوزي، غابت عن المراسم لأنها كانت في جناحها تنهي حزم حقائبها وحقائب زوجها، كم أنها لم تكن راغبة في أن يقرأ الفرنسيون الحزن على ملامحها وهي تفارق القصر الذي تقول إن جدرانه الملأى بالتاريخ كانت تحدثها وتستمع إليها. لكن حفيدها الوحيد قال لها: «بيرني.. هذا ليس بيتك بل بيت جدي جاك». وكان بيرني هو اسم التحبب الذي اختاره لها منذ طفولته لأن اسمها كان طويلا وثقيلا على لسانه. كيف حال شيراك؟ يسألها مقدم البرنامج فترد: «إنه بصحة جيدة قياسا لرجل في التاسعة والسبعين، عمل جاهدا طوال سنوات عمره وكأن الجسم لا يبلى».