«زواج القاصرات».. مأساة تهدد المجتمع المصري

إسلاميون يرفضون تجريمه في الدستور الجديد

TT

«آلاء مصطفى» بنت مصرية بسيطة تعيش في مدينة الأقصر جنوب الصعيد، ورغم أن عمرها لم يتعد السادسة عشر عاما، فإنها تعيش في أزمة أُسرية كبيرة، قد يجد مشروع الدستور الجديد في مصر حلا لها، بعد أن فضلت الجمعية التأسيسية التي تعد الدستور حاليا، وتسيطر عليها أغلبية منتمية إلى تيار الإسلام السياسي، عدم تحديد سن الزواج للفتيات وجعله مفتوحا وفقا للعرف السائد في كل قرية أو محافظة مصرية دون قيود قانونية.

«آلاء» المتزوجة من ابن عمها منذ نحو 5 أشهر فقط، لم يتم توثيق زواجها رسميا حتى الآن، بسبب قانون صدر قبل أعوام حدد السن الأدنى للزواج بـ18 عاما، ولذلك فقد اكتفى الزوجان بإشهار عُرسهما أمام الأهل والأقارب وسط القرية وفقا للتقاليد السائدة.

وتنص المادة رقم 31 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لعام 2008، على أنه «لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوهما من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما أو على صحة نسلهما، ويعاقب تأديبيًا كل من وثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة».

إلا أن هذا القانون، ورغم تطبيقه بشكل صارم في المدن، لا يجد استجابة حقيقية له في معظم القرى والنجوع المصرية، التي اعتادت فيها الأسر على تزويج أبنائها في سن مبكرة وبمجرد البلوغ، وربما قبل ذلك. كما يطالب دعاة سلفيون بضرورة فتح سن الزواج مؤكدين أن الشريعة الإسلامية لم تحدد سنا معينة للزواج، وأن الزواج في سن مبكرة يصون الشباب.

أزمة «آلاء» تكمن في كونها أصبحت حاملا وتستعد الآن لإنجاب طفلها الأول، الذي لن تتمكن من تسجيله في الأوراق الرسمية واستخراج شهادة ميلاد له، قبل أن يتم توثيق زواجها أولا من والد الطفل.

يقول الشيخ محمد منصور (مأذون)، هذه مشكلة متكررة في ريف وصعيد مصر بسبب عادات العوائل هناك والتي تقضي بتزويج الفتيات في سن صغيرة، تصل أحيانا إلى 9 و10 سنوات، رغم تجريم القانون ذلك.

وأوضح منصور لـ«الشرق الأوسط» أنه في حالة آلاء مثلا، وهي متكررة، يكون التصرف عبر أحد ثلاثة حلول وهي: «إما تأخير كتابة المولود سنة أو سنتين لحين تسجيل عقد والديه، وبالتالي يتأخر سن انضمامه إلى الدراسة، أو تزوير في سن الزوجة بجعله 18 عاما عبر شهادة طبية تعيد تسنينها من جديد، والحل الأخير هو أن يتم تسجيل المولود باسم جده».

ورغم أن المادة 36 من باب الحقوق والحريات المقترحة في مشروع الدستور المصري الجديد، والخاصة بتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة لا تزال محل أخذ ورد، وبينما طالب بعض الليبراليين في الجمعية وعدد من الجمعيات الحقوقية بإضافة عبارة تنص على «منع زواج القاصرات»، رفض الأعضاء السلفيون بالجمعية ذلك، حيث أكد ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية أن الجمعية بأغلبيتها ترفض هذه الاقتراحات، وأنهم مصرون على عدم إضافة أي نص في الدستور يحدد سن زواج الفتاة باعتبار أن هذا أصلا نص قانوني ليست له علاقة بالدستور، مع إيمانه بضرورة تغيير القانون ذاته في مرحلة لاحقة، مشيرا إلى أنه ومنذ تحديد سن الزواج بـ18 عاما أصبح هناك آلاف البنات يتزوجن عرفيا.

من جهته، نبه المجلس القومي للطفولة والأمومة على خطورة زواج القاصرات لما يسببه من حرمان الطفل لحقوقه الاجتماعية والنفسية والفسيولوجية. وشدد المجلس في بيان له أصدره قبل أيام لتوضيح موقفه في هذا الجدل، أن الحديث مؤخرًا عن أن زواج الفتاة يحدده سن بلوغها يغفل أمورًا هامة طالما عانى منها المجتمع مثل حرمان الفتاة من التعليم، وارتفاع نسبة وفيات الأمهات الصغيرات عند الولادة.

وأضاف أن عدم اكتمال الطفلة فسيولوجيًا لعملية الإنجاب ومرحلة الحمل وهي مرحلة صعبة يصاحبها تغيرات عديدة تعرض الطفلة والجنين لمخاطر الإعاقة أو النزيف الحاد أو الولادة المبكرة.

ورصدت دراسات أعدها المجلس آراء الفتيات والشباب عن زواج الأطفال (أقل من 18 سنة)، وأسفرت تلك الدراسات على تأكيد أن زواج القاصرات يقضي على طفولة الفتاة والفتى حيث إنهما غير قادرين عقليًا وجسمانيًا على تحمل مسؤولية الزواج والإنجاب ومتطلبات الحياة.

وفي السياق ذاته، يقول الدكتور أنس أبو شادي، الأستاذ بجامعة الأزهر، في فتوى له، إن تحديد سن الزواج عمل نظامي تحدِّده القوانين مُراعاة للمصلحة، حتى يكون كل منهما مؤهلا للمسؤولية الزوجية، مشيرا إلى أن ما تقوم به بعض الحكومات بتحديد سن الزواج فيه خير، على أن يراعى في التحديد كل الظروف، وتجب طاعة أُولي الأمر في تنفيذ القوانين والقرارات ما دامت فيها مصلحة، خاصة أن الإسلام لم يضع سنًّا محددة للزواج، وإنما وضع حدا للتكليف بوجه عام.