المعرض الأول للعائلة المالكة في العراق ينفرد بسيارات ومقتنيات تعرض لأول مرة

إحداها سيارة أهداها هتلر للملك غازي ما زالت تعمل حتى الآن

TT

سيارات وعربات ملكية فارهة يعود صنعها لعشرينات القرن المنصرم، ومقتنيات ثمينة وصور معظمها تعرض لأول مرة في تاريخ العراق، افترشت قاعات المركز الثقافي البغدادي بشارع المتنبي وسط العاصمة بغداد، في أول معرض يقام برعاية حكومية بعد أحداث عام 2003، ويحكي قصة وتاريخ العائلة المالكة في العراق. المعرض الذي نظمته محافظة بغداد بالتعاون مع أمانة بغداد، بمناسبة مرور 54 عاما على مصرع العائلة المالكة في العراق ويستمر أسبوعا كاملا، يتناول قصة ملوك العراق الذين تولوا دفة الحكم في البلاد خلال 37 عاما، واحتوى على مقتنيات نادرة وسيارات فارهة ووثائق ورسائل وكتب وأزياء تعود لفترة العهد الملكي، إضافة إلى رسوم بيد الملك فيصل الثاني عندما كان طالبا في الابتدائية، وصور وكتب رسمية وإيصالات صرف نادرة تبين مدى حرص القائم على الحكم بأمور تقنين الميزانية وعدم التبذير بها.

محافظ بغداد صلاح عبد الرزاق قال في كلمته خلال الافتتاح «يعد المعرض الأول من نوعه، ويأتي لاستذكار العائلة المالكة ودورها في تاريخ العراق، وهو يشمل عرضا للسيارات الملكية، كسيارة الملك غازي نوع (مرسيدس)، موديل 1932، التي أهداها له هتلر، وسيارة نوع (رولز رويس) موديل 1932، وأيضا عربتين ملكيتين تحملان الشعار الملكي، تم صنعهما في بريطانيا، فضلا عن الدراجة الهوائية والدراجة المائية، وهي مقتنيات نادرة من العهد الملكي، تم جلبها للمركز بالتنسيق مع أمانة بغداد، إضافة إلى صور ووثائق ومقتنيات وطوابع ونقود وكتب تؤرخ للعهد الملكي».

وأشار عبد الرزاق إلى أن «هناك تنسيقا متواصلا ومباحثات رسمية جرت مع الأمير الشريف علي بن الحسين، تم الاتفاق خلالها على تنظيم المعرض، فضلا عن وجود تنسيق مع تمارا الداغستاني، ابنة غازي الداغستاني، القائد العسكري في العهد الملكي، والتي زودت المحافظة بأكثر من 6000 صورة تذكارية تراثية عن حياه العائلة المالكة، وحياة الأمير عبد الإله وأخواته الملكات، بعضها صور نادرة سيتم عرضها لأول مرة بالمعرض». وأشار إلى أنه قد تم الاتفاق مع المتحف العراقي على تزويد الأمانة ببعض المقتنيات التي يملكها، كالرسائل والهدايا والتحف والأشياء التابعة للعائلة المالكة.

وشدد عبد الرزاق في حديثه على الحاجة إلى توثيق كل ما يخص تلك العائلة، وأضاف «نسعى لأجل أن يكون هناك متحف خاص لها (المقتنيات) عبر شراء القطع العائدة لهم من الأسواق المحلية، والتنسيق مع المؤسسات الحكومية كأمانة بغداد التي تملك أضعاف تلك المقتنيات المعروضة هنا».

محمود عاشور، مدير المركز الثقافي البغدادي، والذي نُظم على أرضه «معرض ملوك بغداد» قال لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أشهر طويلة ونحن نستعد لإقامة معرض العائلة المالكة ودورها في تأسيس الدولة العراقية، وذلك عبر الإعلان عنه في الصحف والمجلات وأجهزة الإعلام، لأجل جمع المزيد من المقتنيات الشخصية لدى المهتمين والعوائل العراقية وعرضها في هذه المكان».

وأضاف «المهمة كانت صعبة بسبب فقدان الكثير من المقتنيات الملكية في عمليات النهب والسلب في أحداث ثورة 14 يوليو (تموز) 1958 وأيضا عمليات نهب المتحف الوطني العراقي في أحداث عام 2003». وأضاف «المعرض نجح بتعاون البغداديين الذين قدموا مقتنياتهم الشخصية، وكذلك أصحاب محال الأنتيكات، وستعود إليهم حال الانتهاء من المعرض».

وهل فكرتم في شراء تلك المعروضات، لأجل إضافتها ضمن متحف خاص؟ سألته، فقال «لسنا متحفا كي نشتري المعروضات، نحن نعرضها هنا كجزء من نشاط ثقافي واجتماعي درجنا عليه منذ فترة وسنتواصل به». وعن أهم مميزات المعرض، قال «يمتاز المعرض بعرض قطع نادرة، منها خزانة قديمة للملك غازي، وعدد من السيارات الملكية الفارهة وهي بحالة جيدة وصالحة للعمل حتى الآن، ومن بينها سيارة نوع (مرسيدس) سبق أن أهداها هتلر للملك غازي، وهي إحدى ثلاث سيارات، واحدة يملكها موسوليني، وأخرى يملكها هتلر دمرتا في الحرب العالمية الثانية، وبقيت هذه السيارة هنا كجزء من شواخص تلك الفترة من تاريخ العراق المعاصر».

من جانبه، رحب الشريف علي بن الحسين (وهو من سلالة العائلة المالكة وآخر المتبقين منهم إضافة إلى إخوانه) بمبادرة المحافظة، وعبر عن سعادته بإقامة هذا المعرض، والتركيز على الدور الأساسي الذي لعبته الأسرة الملكية في العراق لتأسيس الدولة العراقية الحديثة. وعن رأيه في المعروضات أكد الكاتب والإعلامي الدكتور كاظم المقدادي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن المعرض «يعطي إشارات ودروسا مهمة للأجيال الجديدة وللنخب السياسية الحاكمة أيضا، وهي ليست دعوة للملكية الآن، بقدر ما هي دعوة لاستثمار الفرصة ومحاولة للإفادة من تجربة الملكية ما قبل ثورة 14 يوليو».

ومع كثرة الناقمين على إخفاقات الأنظمة الجمهورية التي تعاقبت على حكم العراق تحول معرض محافظة بغداد واستذكاراته الملكية إلى تظاهرة ثقافية تروج لعودة زمن الملكية.

صديقة العائلة المالكة آنذاك تمارة الداغستاني، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أنا سعيدة جدا لاستذكار العائلة المالكة التي تميزت بالوطنية وحب الناس، وأعتقد أن جميع مشكلاتنا السياسية والاجتماعية يمكن أن تحل إذا رجعنا إلى زمن الحكم الملكي، ذلك الزمن الجميل».

وعلى هامش المعرض، نظم اتحاد المصورين العرب، بمناسبة مرور 13 عاما على تأسيس الاتحاد، معرضا ضوئيا لثمانين صورة فنية تحكي فترة حكم الملك غازي، وتوثق قصة زهد العائلة وتسامحها وحبها للحياة بصورها البسيطة والطبيعية، إضافة إلى صور مثلت شواخص بارزة من العاصمة العراقية بغداد.

ومن جانبه، قال صباح عرار، نائب رئيس رابطة المصورين الصحافيين العراقيين «المعرض نظمه اتحاد المصورين العرب بجهود شخصية، واشترك به عدد من الفنانين العراقيين من الداخل والخارج، إضافة لمشاركين عرب، ولاقى نجاحا جيدا، ونراه مهما في هذه المرحلة لأجل توضيح صورة تاريخ العراق وإرثه الكبير خصوصا للأجيال الجديدة». كما شهد المعرض مشاركة منظمة المتحف المتجول الثقافي، وهي منظمة مجتمع مدني غير حكومية.

مما يذكر أنه سبق إقامة المعرض زيارة قام بها محافظ بغداد برفقة الشريف علي بن الحسين إلى موقع المقبرة الملكية في مدينة الأعظمية، أكدت فيها المحافظة على أهمية إعادة الاعتبار لهذه العائلة التي تعرضت للظلم الكثير ولم يرد لها اعتبارها حتى الآن، بعد أن تعرضوا لمذبحة وحشية في الرابع عشر من شهر يوليو استهدفت حتى الأطفال والنساء وكبار السن.

وبنيت المقبرة الملكية في الأعظمية في عشرينات القرن الماضي، وهي تضم رفات ملوك العراق الثلاثة، الملك فيصل الأول، والملك غازي، والملك فيصل الثاني.. إضافة إلى زوجاتهم وبناتهم، والملكة عالية، والأميرة جليلة، وغيرهم.

يذكر أن العائلة المالكة حكمت العراق في بداية تأسيس الدولة العراقية عام 1920، وتوج الملك فيصل الأول عام 1921 كأول ملك للعراق، واستمر في الحكم حتى وافاه الأجل بسبب أزمة قلبية في أحد مستشفيات سويسرا في 8 سبتمبر 1933، ليتوج بعده ابنه غازي ملكا على العراق في العام نفسه، واستمر ملكا حتى توفي إثر حادث اصطدام بسيارته في عام 1939، وترك الملك غازي ولدا عمره أربع سنوات ليكون أصغر ملك على العراق ولكن بوصية خاله عبد الإله، وهو آخر ملك من الأسرة الهاشمية حكم من عام 1939 وحتى مقتله في 14 يوليو 1958 بقصر الرحاب الملكي بالعاصمة بغداد مع عدد من أفراد العائلة المالكة.