طلاب مدرسة أميركية يشرحون طرق الغش وأسبابه

أكدوا أن الضغوط عليهم تتزايد باستمرار من أجل النجاح وتحقيق مستقبل مشرق

TT

في الليلة السابقة لامتحان الكيمياء، قام أحد طلاب السنة النهائية في «مدرسة ستايفسنت العليا» بنسخ جدول التفاعلات الكيميائية على قصاصة من الورق، كي يتمكن من الغش منها أثناء الامتحان، بعد أن قرر أن المحاولات التي كان يبذلها لاستذكار الجدول كانت مجرد إضاعة لوقته الثمين، الذي من الممكن أن يستخدمه في القيام بأشياء أخرى أو حتى الخلود للنوم لفترة قصيرة.

يقول هذا الطالب شارحا كيف يقوم هو وغيره من الطلبة بإقناع أنفسهم باللجوء إلى الغش في الامتحانات: «الأمر يشبه أن يقول المرء لنفسه (سوف أحافظ على نزاهتي وأرسب في الامتحان)، ولكن أحدا لا يريد الرسوب في الامتحان»، مضيفا: «ثم يطرح الشخص على نفسه سؤالا واحدا: هل أقوم بالمذاكرة لمدة ساعتين وأحصل على 80 في المائة في الامتحان، أم ألجأ إلى المجازفة وأحصل على 90 في المائة».

يشير أحد الطلبة المتخرجين حديثا إلى أنه باقتراب موعد امتحان اللغة الفرنسية في أحد الأعوام، كان هو وزملاؤه في الصف قد فقدوا احترامهم لمدرس المادة نهائيا، مضيفا أنه اتخذ قرار اللجوء إلى الغش عندما كان مجبرا على الاختيار بين الاستمرار في مشاريع علوم الحاسب والسياسة التي أحبها، أو استذكار مادة يعتقد أنها مزحة.

يقول هذا الطالب: «عندما حان وقت الامتحان النهائي لمادة اللغة الفرنسية التي لم يقم المدرس بتعليمنا أي شيء فيها على الإطلاق طيلة العام، كان الطلاب من حولي يتناقشون مع بعضهم حول إجابات الأسئلة بصوت عال، ألم يكن ينبغي علي الاستماع لهم؟».

هذه هي الحسابات التي يتعلم الطلبة في «مدرسة ستايفسنت العليا»، إحدى المدارس العامة الرائدة في مدينة نيويورك، اللجوء إليها في منتصف عامهم الأول في المدرسة، حيث يقوم الطلبة بوضع أمرين أمام بعضهما للموازنة بينهما: إمكانية الحصول على تقدير «A» أمام احتمال أن يتم ضبط الطالب متلبسا بالغش، أو المحافظة على نزاهة الطالب أمام الالتحاق بالكلية التي يحلم بها.

وعندما يحين وقت تخرجهم، يكون هؤلاء الطلبة قد استوعبوا بعض الدروس الأخلاقية والأكاديمية شديدة الأهمية، ألا وهي أن نسخ الواجبات المنزلية أمر جيد، ولكن الغش في الامتحان ليس بالقدر نفسه، والغش الذي يهدف إلى مساعدة الطالب على فهم أحد الدروس المطلوبة أكثر تقبلا من الغش في اختبارات تحديد المستوى، والحصول على أي درجة في الامتحان تقل عن 85 في المائة يعتبر «فشلا»، أما الحصول على درجات تزيد على 95 في المائة فربما يمكنك من الالتحاق بـ«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» أو حتى «جامعة ييل».

وفي المقابلات التي أجريناها مع بعض الأشخاص في الشهر الحالي، قال العشرات من الطلاب والخرجين والمدرسين إن عمليات الغش واسعة النطاق، مثل تلك الحادثة التي وقعت في شهر يونيو (حزيران) الماضي، عندما تم ضبط 71 طالبا في السنة الثالثة بينما كانوا يتبادلون الأجوبة عن طريق الرسائل النصية خلال أحد الامتحانات، تعتبر نادرة الحدوث في «مدرسة ستايفسنت العليا»، ولكنهم عادوا وأكدوا أن علميات الغش التي تحدث على نطاق أضيق تحدث في المدرسة بصورة يومية.

وفي معظم الأحيان يأتي الغش في شكل إجابات الواجبات المنزلية الخاصة بمادة الرياضيات التي يتم نسخها مجتمعة في مذكرة مشتركة على موقع «فيس بوك»، أو ربما يأتي في شكل بعض النصائح التي يوجهها إليك زملاؤك في الصف الذين خاضوا اختبار التاريخ قبل ساعات قليلة، ولكن البعض يتمادى في هذا الأمر بصورة أكبر، حيث يقومون بكتابة بعض المعادلات ووضعها في أكمام القمصان أو في الحمامات، أو حتى نشر بعض الإجابات على أجهزة «آي فون» أو تصوير ورقة الأسئلة وإرسالها لأحد الأصدقاء لمساعدته.

النجاح مهما كان الثمن وفي «مدرسة ستايفسنت العليا»، وهي المدرسة التي تخرج فيها أربعة من الحاصلين على جائزة نوبل، يقول الطلبة إن التحصيل الأكاديمي بات هو الأمر الأهم.

فعلى الرغم من أن الطلبة الذين يلتحقون بهذه المدرسة يكونون من بين أفضل الطلبة في المدينة، فإنه يتوجب عليهم أيضا المنافسة مع المئات من الطلبة المتفوقين أمثالهم. يؤكد الطلبة أن الضغوط عليهم تتزايد باستمرار، فالطلبة على قناعة كاملة بأن هناك مستقبلا مشرقا في انتظارهم، ولكنهم ليسوا جميعا مجهزين للقيام بالأعمال التي ستمكنهم من تحقيق هذا المستقبل. الطلبة هنا مدربون على تسليم كل الفروض للمدرسين من دون أن يكونوا متأكدين دائما من صحة النتائج التي خلصوا إليها. يصف الطلبة المعلمين بأنهم متعاطفون نسبيا وغير مشجعين على الغش، ولكنهم لا يقومون دائما بمعاقبتهم على هذه الأفعال بنفس درجة الشدة المنصوص عليها في سياسات المدرسة.

تؤدي كل هذه الأمور إلى ظهور ثقافة يقوم بمقتضاها الكثير من الطلبة بالتحالف مع بعضهم البعض لمشاركة الواجبات المنزلية ونصائح الامتحانات في إطار فهم مشترك بأنه يتوجب عليهم ببساطة الصمود حتى يتمكنوا من الوصول إلى أهدافهم والالتحاق بالكليات أو الوظائف التي يحلمون بها.

تقول كارينا موي، التي تخرجت من المدرسة في عام 2010: «أنا واثقة تماما من أن الجميع يفهمون أنه من الخطأ الاستعانة بعمل الآخرين، ولكنهم لديهم بعض الطرق لتبرير ذلك، فالجميع يأخذ هذا الأمر على أنه شر لا بد منه حتى يتمكنوا من النجاح».

لا توجد إحصائيات واضحة حول مدى انتشار ظاهرة الغش الأكاديمي سواء في «مدرسة ستايفسنت العليا» أو غيرها من المدارس الكبرى والأكثر تنافسية، فضلا عن تأكيد الكثير من الأشخاص الذين شاركوا في هذه المقابلات على أنهم لم يقوموا بالغش مطلقا. وعندما قامت صحيفة المدرسة «ذا سبكتاتور»، بإجراء مسح شمل 2.045 طالبا في شهر مارس (آذار) الماضي، قال 80 في المائة من الطلاب المستطلعة آراؤهم إنهم قاموا بالغش بطريقة ما أو بأخرى.

يقول مايكل جوزيفسون، رئيس «معهد جوزيفسون» الذي يقوم بإجراء بعض الأبحاث حول الأخلاق في المجتمع، إن دراسة استقصائية تم إجراؤها في عام 2010 وشارك فيها 40.000 من طلاب المدارس العليا قد اكتشفت أن 59 في المائة من الطلبة قاموا بالغش في أحد الامتحانات خلال العام السابق، بينما اعترف واحد من بين كل ثلاثة طلاب باستخدام الإنترنت لسرقة أعمال الآخرين، في الوقت الذي أكد فيه واحد من بين كل أربعة طلاب شملهم الاستطلاع أنهم لجأوا إلى الكذب في هذه الدراسة الاستقصائية نفسها.

تقول جوسينا دانكيل، التي تقوم بتدريس الدراسات العالمية واختبارات تحديد المستوى في التاريخ الأوروبي، إن لحظة الحساب الحقيقية بالنسبة لطلاب السنة الأولى في «مدرسة ستايفسنت العليا»، الذين يتم قبولهم عقب تمكنهم من اجتياز امتحان يجرى على مستوى المدينة، تتمثل في حصولهم على نتائج اختبارهم الأول في المدرسة. أضافت دانكيل أنها كانت ترى الكثير من طلبة السنة الأولى يقدمون الإجابات نفسها في الواجبات المدرسية، لذا طلبت منهم التوقف عن كتابة النتائج التي يصلون إليها على الكومبيوتر، لأنها كانت تعتقد أن كتابة هذه النتائج بخط اليد سوف يقلل من إمكانية نسخ الإجابات على الإنترنت.

تقول دانكيل: «ينبغي علينا الانتباه جيدا لهذا الأمر، فعلى نحو مفاجئ، يجد الطلبة أنفسهم في بيئة يتمتع فيها كل الطلبة الآخرين بنفس المستوى من الذكاء، لذا فهم يواجهون مشكلة في كيفية التأكيد على أنهم طلاب مميزون، وهي الصفة التي لازمتهم طيلة حياتهم الدراسية من قبل».

وفي عامهم الدراسي الثالث في المدرسة - عندما يكون من العادي بالنسبة لهم الخضوع لثلاثة اختبارات أسبوعيا، وعندما يحمل شهرا مايو (أيار) ويونيو (حزيران) سلسلة من اختبارات تحديد المستوى والاختبارات النهائية، فضلا عن اختبارات الكفاءة الدراسية - يصبح الكثير من هؤلاء الطلاب بارعين في مخالفة النظام.

يؤكد نيلس أكسن، الذي تخرج في جامعة كورنيل في عام 2011، قيام اثنين من الطلبة بتطوير طريقة معينة للغش في الاختبارات التي تتضمن أسئلة الاختيار من متعدد، حيث كانوا يقومون بالنقر لمرة واحدة لاختيار الإجابة الأولى ومرتين للثانية وثلاثة للثالثة وهكذا، بينما قام طلبة آخرون بكتابة المعادلات الرياضية على سواعدهم أو داخل زجاجات المياه الخاصة بهم.

الأساليب الحديثة يؤكد أحد الطلاب أن الطلبة يقومون بتطوير طرق جديدة للغش على الرغم من الحظر الذي تفرضه المدرسة منذ فترة طويلة على استخدام الهواتف الجوالة خلال اليوم الدراسي. أعلنت مديرة المدرسة المؤقتة الجديدة جي تشانغ أن الطلبة لن يكون باستطاعتهم استخدام أجهزة الكومبيوتر المحمولة أو «آي باد» خلال اليوم الدراسي، فضلا عن أنها قررت تشديد الرقابة على منع استخدام الهاتف الجوال.

تقول ميليسا، وهي طالبة في الصف الرابع في المدرسة، وقد تحدثت، مثل الكثير من الطلبة الحاليين والسابقين، شريطة عدم الكشف عن اسمها بالكامل خوفا من أن يتسبب لها هذا الأمر في حدوث أي تداعيات سيئة: «تعتبر الكتابة على الأيدي أسلوبا خاصا بالأطفال فقط»، مضيفة: «ولكن الطريقة التي نقوم بها بمثل هذا الأمر الآن هي التقاط صورة، ثم يحدث بعد ذلك ما يسمى بتأثير الدومينو، فإذا حصل شخص على الإجابة، يحصل الصف كله عليها».

* خدمة «نيويورك تايمز»