فن الورق المعجن.. الإرث الذي خلفه المغول في كشمير

كان مفضلا من قبل أباطرة المغول خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر

مزهريات وعلب لحفظ المجوهرات وغيرها من التحف.. كلها مصنوعة من نفايات الورق («الشرق الأوسط»)
TT

صناديق مجوهرات، ومزهريات، وبراويز صور، وحافظات أقلام، ومصابيح للمكاتب، وشمعدانات، وعلب لحفظ المناديل وربطات عنق، وغيرها من التحف الأخرى على شكل حقول خضراء منحدرة نحو جبال مغطاة بالثلوج، وأنهار متلألئة بين صخور مدورة، وقوارب تقليدية تعمل بالتجديف اليدوي والمعروفة في الهند باسم «شيكاراس»، وأزهار اللوتس التي تتفتح على البحيرات، ورسومات يدوية بألوان الذهب والفضة، وصور طائر الرفراف الذي يتغذى على الأسماك، وأوراق القيقب، وغيرها من الزخارف.. من الصعب أن تتصور أن هذه الصور الفنية الرائعة مصنوعة من أبسط المواد الخام مثل نفايات الورق، في إطار ما يسمى بفن الورق المعجن.

ويعد فن الورق المعجن بمثابة الإرث الذي خلفه المغول في ولاية كشمير، وقد ظهر هذا الفن لأول مرة في كشمير في القرن الخامس عشر الميلادي في عهد السلطان زين العابدين الذي قضى سنوات في السجن في سمرقند في آسيا الوسطى. وما إن اعتلى السلطان زين العابدين العرش في كشمير حتى بذل محاولات حثيثة ومستمرة (وفي بعض الأحيان بالإكراه) لإدخال فن صناعة حافظات الأقلام المعروفة باسم «كاريكالامدان» في مملكته.

وحسب موسوعة كشمير، فإن فن صناعة حافظات الأقلام من الورق المعجن كان معروفا عند السلاجقة الإيرانيين، ثم انتشر إلى أجزاء أخرى من آسيا الوسطى، بما في ذلك سمرقند. ويبدو أن صناعة حافظات الأقلام من الورق المعجن لم تلق قبولا كبيرا عند شعوب آسيا الوسطى وإيران التي كانت تفضل الاعتماد على حافظات الأقلام المصنوعة من المعدن والخشب. ويقول الفنان المعاصر في فن الورق المعجن محمد صالح إن السلطان زين العابدين قد استعان بحرفيين من سمرقند لتطوير فن صناعة حافظات الأقلام وأطلق عليها اسما بديلا هو «كاريموناكاش».

وللأسف، لا توجد الآن أي آثار فنية مصنوعة من الورق المعجن تعود لتلك الفترة (من القرن الرابع عشر وحتى القرن السادس عشر). وسرعان ما تحول هذا الفن إلى هواية شعبية منزلية واكتسب شهرة واسعة، وانتقل من جيل إلى جيل حتى بات يتم النظر إليه الآن على أنه واحد من الصناعات التقليدية الشهيرة في كشمير. ومع ذلك، شهد هذا الفن بعض التغييرات في التقنيات، ولا يزال الحرفيون في كشمير يحافظون على الثقافة القديمة ويصنعون حافظات الأقلام يدويا ويطلقون عليها اسم «كاريكالامدان»، وهو اسم إيراني يعني الشخص الذي يحمل القلم والفرشاة والمحبرة.

وكان هذا الفن مفضلا للغاية من قبل أباطرة المغول خلال القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر، كما كان يتم استخدام الذهب الحقيقي للزخرفة الفنية في الماضي، ولكن بمرور الوقت تم إدخال ابتكارات جديدة وطرق أسرع في الصناعة وبعض التغييرات الأخرى.

وتعتمد هذه الحرفة الفريدة من نوعها على استخدام عجينة الورق في الأعمال الفنية الجميلة التي يرسمها الحرفيون المتخصصون في رسم الصور النابضة بالحياة. ودائما ما تحمل تصميمات وديكورات صناعة الورق المعجن في كشمير، والتي عادة ما تكون في شكل من أشكال الزهور والطيور، نكهة فارسية قوية. ودائما ما تكون المشاهد الخلابة والزهور هي المواضيع المفضلة لهذا الفن، بشكل يذكرنا بروعة الحياة المغولية والحدائق الغناء في تلك الفترة. ومن بين هذه التصميمات هناك تصميم يسمى «أرابيسك»، ويتم فيه استخدام اللون الذهبي على خلفية بنية أو حمراء اللون بشكل يظهر أغصان الزهور المتلألئة، علاوة على تصميم «ياركاند» وهو تصميم معقد يتخذ شكلا حلزونيا تشع خلاله الحلي المعمارية ذهبية اللون من مراكز مختلفة، مع وجود زهور بيضاء على مناطق مزخرفة باللون الذهبي. وتصطف بعض الزخارف الأخرى مثل الأطباق والمزهريات المصنوعة من النحاس، كما يوجد هناك بعض الصناديق والتحف الأخرى المزينة بأوراق الذهب والفضة بشكل يعكس المناظر الطبيعية الخلابة وغيرها من الصور مثل المنازل العائمة، التي تشكل جزءا لا يتجزأ من نمط الحياة في كشمير.

وتقول الفنانة فردوس حسين، المتخصصة في فن الورق المعجن «تعمل عجينة الورق في الطريقة التقليدية في كشمير بمثابة عنصر أساسي في تصنيع أدوات مطلية ومصقلة بدقة شديدة. ويتم نقع النفايات الورقية في الماء لعدة أيام حتى تتحلل، وبعد ذلك يتم تصريف الماء الزائد ويتم خلط نفايات الورق بالقماش وقش الأرز وكبريتات النحاس لتشكيل العجينة الورقية التي تستخدم في هذا الفن». وتضيف حسين «يتم وضع هذا الخليط في قالب ويترك لمدة يومين أو ثلاثة أيام حتى يجف. وخلال عملية التجفيف، نقوم بقطع الشكل من القالب في نصفين ثم نقوم بلصقه مرة أخرى». ويتم تغليف السطح الخارجي بطبقة من الغراء والجبس، ويتم فركه بحجر أملس أو بالطين، ثم يتم لصقه بطبقات من ورق رقيق شبه شفاف. ويتم تلميع هذه المادة وإرسالها للدخول في عملية أخرى. كل هذا يقوم به حرفي واحد، والآن تذهب هذه المادة إلى النقاش أو الرسام الذي يمنحها الحياة.

ويقول سلطان أحمد، وهو رسام يعمل في هذا المجال منذ يقرب من 22 عاما «نغطي هذه المادة بطبقة من ورنيش الأساس في البداية بحيث يتم تصميمها وفقا لذلك. ولطالما كانت الطبيعة هي مصدر الإلهام الرئيسي في اشتقاق الأشكال والتصميمات المختلفة». ويمكن رسم ما يقرب من 12 لونا على أصعب التصميمات، التي تحتاج لعدد كبير من العمال ولوقت طويل.

وقال فنان آخر يدعى ساجاد «استغرق الأمر ثلاث سنوات حتى أتعلم هذا الفن. وفي الحقيقة، يتعين على الفنان أن يبحث عن تعلم الطرق الجديدة والمبتكرة طيلة حياته». ويستعين ساجاد بنجله البالغ من العمر 12 عاما وابنته البالغة من العمر 14 عاما لمساعدته في الأشياء البسيطة، يحث يجلسان بجانب كبار السن في العائلة الذين يتقنون هذا الفن منذ عقود طويلة. ويقوم برفيز أحمد، ابن الاثني عشر ربيعا، بطلاء كرات خشبية مستديرة يتم استخدامها في زخارف أعياد الميلاد، بينما يقوم جده البالغ من العمر 65 عاما بوضع اللمسات الأخيرة (رؤوس خشبية صغيرة) على مجموعة من التحف التي تم الانتهاء من تصميمها ولكن لم يتم تلوينها بعد.

وعندما يتم تشكيل الأشياء المصنوعة من الورق المعجن، وتجفيفها وإخراجها من القوالب، تبدأ عملية التشطيب التي تفصل بين الأشياء الجيدة والأشياء العادية، وهنا تنضم السيدات الماهرات إلى فريق العمل.

وبعد ذلك، يتم وضع اثنتين من السترات الخشنة المطلية باللون الأصفر على كل مادة، ثم يتم فركها بالحجر الجفاف (زجاج بركاني خفيف جدا مليء بالنخاريب يستعمل في الصقل). وعندما يلمس الفنان الصناديق بأطراف أصابعه ويشعر بأنها قد أصبحت ناعمة، يقوم بتغطيتها بالغراء والمناديل الورقية الفاخرة. ويقول ساجاد إن هذه التقنية تجعل تلك المواد أقوى من ذي قبل، كما تجعلها لا تتأثر بالحرارة. ويتم استخدام شفرة لإزالة أي أجزاء خارجية على تلك المواد.

والآن، أصبحت الصناديق أو المواد الأخرى جاهزة للطلاء والرسم عليها، أولا بطلاء أساس يحدد لون الخلفية - الأزرق أو الأسود في كثير من الأحيان - ثم يقوم الفنان برسم كل التفاصيل على كل قطعة، وذلك باستخدام فرشاة مصنوعة من فراء القطط. وبعد ذلك، يتم إرسال تلك القطع لفنانين آخرين يقومون بوضع الملصقات اللازمة.

ولا يوجد استنسل (صفيحة رقيقة من معدن أو ورق مقوى أو مشمع مخرقة على صورة حروف أو رسوم) أو خطوط تجميع لعمل عدد كبير من هذه القطع الفنية، لكن كل القطع أصلية وتتم صناعة كل منها على حدة. وتحمل بعض هذه اللوح الفنية صور نساء ذوات أعين ضيقة بيضاوية ورجال الحاشية الملكية الذين يرتدون ملابس فاخرة ويتكئون على الوسائد، في حين تحمل لوحات أخرى زخارف نباتية أو طيورا متألقة تحلق عبر القمم المرتفعة. وبعد عملية الرسم، يتم طلاء القطعة الفنية بطبقتين من الورنيش وتترك لمدة تتراوح بين يومين وخمسة أيام من التجفيف.

أما الفرشاة التي يستخدمها الرسامون في التفاصيل الدقيقة للأعمال الفنية، مثل الزخارف النباتية والهندسية والتصميمات التصويرية، فتكون مصنوعة من شعر ذيل القطط.