«الإنترنتيون» يعقدون مؤتمرهم «شارك» في بيروت

ثلاثة أيام خصبة بحضور 1500 شخص

مداخلة أثناء «مؤتمر شارك» في بيروت
TT

تحول مركز «سوليا» في بيروت خلال ثلاثة أيام إلى خلية نحل، جمعت ما يقارب 1500 شخص تربطهم الشبكة العنكبوتية. خرج هؤلاء من عالمهم الافتراضي، ونزلوا إلى أرض الواقع. مدونون، مبتكرون، أصحاب مشاريع، رسامون، مصورون وموسيقيون، كل يستخدم الكومبيوتر وشبكته العالمية ليحقق غاية ما، ووجودهم مع بعضهم البعض في مؤتمر «شارك»، يتيح لهم تبادل الخبرات، وتوالد الأفكار. الفكرة في حد ذاتها ليست جديدة، لكن الجديد هو الحماس المتصاعد عند الشباب لإيصالهم صوتهم، وفرض رؤيتهم، والتواصل فيما بينهم، من دون عوائق.

ثمة من كان يتحدث عن تجربته على المنصة الرئيسية وكيف استخدم الإنترنت للتحرر من مشكلة، أو الترويج لفكرة، أو عرض نتاج بعينه. في غرف أخرى، كانت نقاشات تحتد، وآخرون يعاينون مشروعا قائما على الرسم الغرافيكي، وغيرهم يتابعون رسما على تي شورتات، ومجموعة غيرها تطرح أسئلتها على صاحب مدونة أو مؤلف موسيقي. تصوير وتدوين، ونقل للمعلومات بالصور والفيديوهات، وتعليقات كانت تنقل في هذه الأثناء على الشبكة مباشرة.

اللافت هذه المرة أن التمويل لم يأت من الاتحاد الأوروبي أو مركز ثقافي غربي، له مشروعه الخارجي. الشركات الممولة هي في غالبيتها محلية، لها مصلحة قصوى في تنمية الاتصالات. أما المنظمون فهيئات وجمعيات مدنية، موجودة على الأرض، وتعنى بتنمية حس المواطنة. وإذا كان هناك من قدم تمويلا ماليا فالغالبية قدمت خدماتها، هناك من أعطى المكان، وغيرهم الإعلان أو مجانية الاتصال وآخرون أسهموا بما لهم من معرفة.

المؤتمر الأول عقد في بلغراد، شارك فيه لبنانيون، أعجبتهم الفكرة، وقرروا دعوة زملائهم الصربيين لمساعدتهم على عقد مؤتمر مماثل في بيروت. الأمر ليس سهلا، فالمنطقة «تغلي»، وثمة من يخشى القدوم إلى أرض تهددها الزلازل. العمل بدأ منذ ستة أشهر، والفريق الصربي في بيروت منذ ثلاثة أشهر لمعاونة الشبان اللبنانيين على تنفيذ المشروع. لكن «المرح كان طاغيا رغم كل الصعوبات».. تقول مروى أبو دية، إحدى المنظمات من جمعية «نحو المواطنة». وتكمل: «نحن فريق من ثلاثين شخصا، عملنا بجد كبير مع نحو 100 متطوع. ورغم الصعوبات تمكنا من جلب مشاركين من الخارج، بينهم عرب وغير عرب، فإضافة إلى اللبنانيين استطعنا دعوة مشاركين من عشرين بلدا» المؤتمر الذي بدأ يوم الجمعة الماضي واستمر حتى يوم الأحد، شغل مساحة النهار والليل حيث كانت المداخلات والنقاشات والورشات تجري في النهار في «سوليا»، بينما تبدأ الحفلات الموسيقية في الليل موزعة على ستة أماكن مختلفة. موسيقى حديثة، إلكترونية أو بمشاركة دي جي، بينهم الأمهر والأكثر شهرة.

بين المشاركين المدون المصري وائل عباس، الذي تحدث عن تجربته التدوينية لفضح الممارسات المشينة للسلطة ضد المتظاهرين، وهناك اللبنانية إسراء حيدر زيعور، التي تحدثت عن استخدامها الشبكة لتعبر عن مشاعرها بوصفها محجبة لها تجربتها ونظرة الآخر الإقصائية إليها. وأيضا اللبناني عمر كرستيدس، الذي عرف بمشروعه الناجح «عرب نت» الذي صار له مؤتمره السنوي أيضا جامعا حوله أصحاب المشاريع التي تعتمد الشبكة الإلكترونية أساسا لها. مايا زنقول التي عرفت برسومها وكتاباتها الساخرة هي الأخرى، تحدثت عن تجربتها ومثلها الحقوقية التونسية أميرة اليحياوي المدافعة عن حرية التعبير وهي صاحبة مدونة ورئيسة منظمة البوصلة.

ربع ساعة للمداخلة الواحدة، في ما تتم النقاشات جانبا لتخلى المنصة لمتحدث جديد. الإعلام الاجتماعي كان له المساحة الأبرز.

ترفض مروى أبو ديه اعتبار أنشطة مثل مؤتمر «شارك» بديلا عن أي شكل من أشكال التعبير الثقافي التقليدي، وتقول: «نحن إلى جانب المسرح والرسم التشكيلي، والشعر والرواية، نكمل بعضنا بعضا. ليس هناك تعبير جديد وآخر قديم. فلا يمكننا القول إن ثمة موسيقى قديمة وأخرى جديدة مثلا، إنها أساليب في التعبير تتعايش مع بعضها وتتأثر واحدتها بالأخرى».

ما شهدته بيروت خلال ثلاثة أيام كان بديعا ونضرا، وأهميته أنه يؤسس للمستقبل. المجموعة المنظمة، ومن شاركها في المؤتمر يريدون إحداث تغيير اجتماعي، بوسائلهم الجديدة وأفكارهم المبتكرة. «نريد أن نستفيد من معارف بعضنا البعض، وممن يأتوننا من أوروبا وأميركا. ما نفعله هو محاولة بناء مكان تفاعلي تلتقي فيه الابتكارات. فما يعرفه البعض يجب أن يصبح ملكا للجميع». تقول مروى: «السنة الماضية في بلغراد، هذه السنة في بيروت والسنة المقبلة في عاصمة جديدة، المكان لم يعد يهم، المهم هو أن تصبح المعلومات قابلة للانتقال والسفر والتفاعل. المجتمع المدني يتحدث ويتواصل، يتقاسم الهموم ويقترح الحلول. تجربة تفتح الآفاق على رؤى نقطف ثمارها في الغد القريب».