انطلاق مهرجان أبوظبي السينمائي

فيلم الافتتاح دراما تشويقية تصلح لهذه الأيام الاقتصادية العصيبة

ريتشارد غير يشرح لابنته المتأزمة برت مارلينغ
TT

لا وجود لأي معلومات فعلية للدورتين الأولى والثانية من مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي اللتين أقيمتا سنة 2007 و2008 على التوالي. أدارته نشوى الرويني التي استعانت بالناقد سمير فريد والاثنان عملا على دورتين لم تنجزا الطموح الذي كان في بال الإدارة المؤسسية حينها.

بيتر سكارلت، الذي أدار، فيما أدار، مهرجان ترايبيكا، اختير للمهمة من الدورة الثالثة (2009)، وعلى الفور ارتفع مستوى العمل، ثم ارتفع ثانية بعد عام، وحتى الدورة الخامسة، وإن لم يخل من شوائب وقدر من الفوضى.

لكن من يريد أن يبحث في تاريخ المهرجان على موقع المهرجان الرسمي سيفاجأ بأن التاريخ يبدأ من عام 2009، أي من الدورة الثالثة. هذا لا يهم كثيرا بالنسبة لمن لا علاقة له بتاريخ المهرجان، لكن هذا الباحث كان يريد التأكد من معلومة نشرتها إحدى الصحف المحلية: فيلم الافتتاح للدورة الأولى كانت فيلم «جريمة هنري»، لكن كيف يكون ذلك والفيلم من إنتاج 2010 وعرضه العالمي الأول كان خلال مهرجان تورونتو في ذلك العام قبل أن يعرض في الكويت في سنة 2011؟

بصرف النظر عن هذه النقطة، فإن اختيار فيلم للافتتاح تحكمه ظروف مختلفة، مثل التوزيع وحجم العمل، ثم الذوق الشخصي للمسؤول عن المهرجان.

هذا العام، وبعد مراجعة المتوفر من معلومات، فإن فيلم الافتتاح في محله الصحيح كعمل سينمائي، هو في الوقت ذاته جيد في معظم جوانبه، وجماهيري يرضي الحاضرين، وفني إلى قدر يثير إعجاب النقاد.

عنوانه «مراجحة» Arbitrage وهي كلمة تستخدم في وصف وضع معين للمؤسسات المالية عندما تحاول أن تشتري وتبيع أسهما في وقت واحد لإنجاز صفقة تخرج منها رابحة، إما بداعي إدراكها أنها أعجز من أن تستمر بنجاح، أو كمحاولة لإذابة سوء إدارة في الحسابات في بحر المعاملات المتضاربة. وهو فيلم من نتاج الفترة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الولايات المتحدة (ووراءها العالم الغربي عموما). والأهم هو أنه من تمويل شخصية سينمائية سعودية ممثلة بالمنتج الشاب محمد التركي، الذي دخل المؤسسة الهوليوودية مؤخرا، فحقق في ظرف عام واحد عملين متميزين. «مراجحة» الذي ينطلق به مهرجان أبوظبي السينمائي اليوم، و«بأي ثمن» الذي تم عرضه في إطار مهرجان «كان» السينمائي الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ريتشارد غير يؤدي دور البطولة بمنحاه الهادئ والقابل للتصديق. طبيعي في مفردات أدائه ونقطة جذب اهتمام لا تفتر. هو روبرت الذي نتعرف عليه في البيت والعمل. مع الزوجة ومع العشيقة. وفي فجوة ضيقة بينهما نجده يحاول النجاة من السقوط وإنقاذ مؤسسته، بعدما كان استدان تمويلا إضافيا لرفع رأسمال شركته تمهيدا لبيعها، لكن المشتري، أخذ يتمهل في الموافقة، يعد بحضور اجتماعات ولا يصل، يبدي استعداده من دون أن يوقع. روبرت يعرف هذه الأساليب ويصبر لكنه الآن بات ملاحقا من قبل الدائنين المطالبين بإعادة المال وإلا رفعوا عليه دعوى قضائية قد تؤدي ببنيانه الاجتماعي والاقتصادي إلى الإفلاس، لكن مشكلاته هذه ليست سوى جزء من مجموعة مشكلات أخرى متصل بعضها ببعض: فهو يخون زوجته مع عشيقته. ويخون الشركة بالسرقة منها. المأزق الأول يضعه في مواجهة زوجته (سوزان ساراندون) التي تعرف وتصمت. الثانية تضعه في مواجهة ابنته (برت مارلينغ) التي لا ترضى أن تمارس عملها الجديد في مؤسسة أبيها بتغطية فساده. وإذا لم يكن كل ذلك كافيا، فإنه - تبعا لسيناريو لا يكف عن تأزيم الوضع - تسبب في وفاة عشيقته (لاييتا كاستا) في حادثة سيارة. الآن التحري براير (تيم روث) في أعقابه. وبراير لا يحتاج لمن يحثه على ذلك. هو حانق على أصحاب المؤسسات الاقتصادية الذين أثروا على ظهور الناس ويريد تحطيم أحدهم. روبرت هو الفرصة السانحة لذلك.

الفيلم يمضي تشويقيا على نحو جيد. ينجح المخرج نيكولاس جاريكي (وهو شقيق ثالث لمخرجين من عائلة واحدة، يقوم هنا بإنجاز فيلمه الروائي الأول) في توزيع هذه الخيوط على نحو سلس، وذلك في سياق متلاحق وشيق. ما لا ينجح فيه بالدرجة ذاتها، توفير ذلك القدر من الاهتمام بالمضمون السياسي، كما الحال مع المضمون العاطفي. ما يصنعه المخرج هو فيلم نمطي العناصر حققته السينما الهوليوودية طويلا، بمادة هي من صنع الظرف المستجد.