رسامو الكاريكاتير في العراق يحيون الذكرى الـ81 لصدور أول مجلة فكاهية ببغداد

أقاموا أكبر معرض وبمشاركة 35 فنانا

من أعمال الفنان علي المندلاوي («الشرق الأوسط»)
TT

لم يزل فن الكاريكاتير العراقي، يحاول أن يثبت له بصمة واضحة تتسم بالجرأة والتجديد، على الرغم من تجاوز عمره أكثر من ثمانين عاما بعد نشر أول رسم كاريكاتيري في مجلة «حبزبوز» الفكاهية في بغداد، عام 1931، في وقت يواظب فيه ذلك الفن على رمي حصاته المشاكسة والمتمردة، لتحريك البرك السياسية الجامدة، لكنه شكا من إهمال الحكومة له واستغلال بعض السياسيين الرسومات الساخرة لضرب خصومهم.

رسامو الكاريكاتير في العراق، عبروا عن عزمهم تأسيس أول تجمع نقابي يجمعهم وذلك خلال احتفالهم بالذكرى الـ81 لانطلاقة فن الكاريكاتير الأولى، وقد حاولوا نفض غبار الكسل والعمل على إعادة النشاط لهذا الفن، الذي لا يقل أهمية عن إبداعات سائر الفنون التشكيلية بل إن تأثيراته سريعة ومباشرة وذلك عبر إقامة أضخم معرض فني مشترك على صالات المركز الثقافي البغدادي، عند ضفاف نهر دجلة وبمشاركة ما يقرب من 35 فنانا ومائة لوحة جسدت صورا حية وساخرة للواقع الحياتي المعاش بعد أحداث التغيير، وعبر مائة لوحة أسهم فيها فنانون من الداخل والخارج معا، من أجيال مختلفة، تناولت الهموم اليومية للمواطن العراقي بدءا من الفساد الإداري والبطالة والنزاعات السياسية المستمرة، التي كشرت بمجملها عن المقولة السائدة «شر البلية ما يضحك».

ملصق المعرض حمل عنوان «عبد الرحيم ياسر، علي المندلاوي، خضير الحميري» فهؤلاء هم من يحملون فوق كاهلهم مهمة النهوض بهذا الفن والمضي به. وما يميز رسوم المعرض ومن يتتبع مسيرة الرسامين المشاركين فإن لغالبيتهم أسلوبهم الخاص والمميز في إنجاز لوحة الكاريكاتير، وكل عمل هنا يشكل لوحة تشكيلية لها مواصفاتها الخاصة من حيث الفكرة والموضوع والخط والأسلوب، وعبر إنجازات هذا الفن تميز فنانون عراقيون محليا وعربيا وعالميا، في مقدمتهم بسام فرج والفنان الراحل مؤيد نعمة، الذي أبدع، ومنذ السبعينات في فن النحت الكاريكاتوري، وعبد الرحيم ياسر الذي يعتمد أساسا على فكرة معمقة ورشاقة في التخطيط من دون أن يوضح أعماله بالتعليقات، بينما تميز الفنان خضير الحميري، ومنذ أن صارت رسومه في مجلة (ألف باء) في نهاية السبعينات علامة مميزة محط اهتمام القارئ، ببساطة الفكرة ومباشرتها ورصد الهم اليومي للمواطن العراقي وبجرأة، بينما تميز علي المندلاوي الذي أبدع في تجسيد البورتريت الكاريكاتيري برصد الحدث بعمق، واهتم كثيرا بتحويل عمل الكاريكاتير إلى لوحة تشكيلية إضافة إلى أنه كاتب ساخر من طراز متميز، وقد كشف عن موهبته هذه في عموده الأسبوعي «المنشار» وصفحتين من الرسم الكاريكاتيري «بسامير» التي كانت تنشر بواحدة من أنجح المجلات العراقية (حراس الوطن) خلال الثمانينات وحتى بداية التسعينات.

الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير ورسام الأطفال عبد الرحيم ياسر، الذي شارك في معارض ومهرجانات فنية عالمية وتنقلت أعماله بين مدن العالم قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا المعرض يعد واحدا من أكبر المعارض التي أقيمت في تاريخ العراق الحديث، المعرض يشارك به نحو 21 رساما من مختلف أنحاء العراق، ونأمل أن يكون هذا المعرض باكورة لمعارض أخرى، ويوفر فرصة لمحبي رسم الكاريكاتير أن يتحاوروا ويتناقشوا عن قرب، وتشجيعهم على اشتغال الكاريكاتير ليس في الصحيفة فقط وإنما كرسم قادر على الإمتاع وله متذوقون، ويمكن أن يعلق في الأماكن العامة».

وعن أهم مميزات المعرض، قال ياسر: «المعرض يحوي رسومات لمختلف الأجيال الفنية، فهناك أناس ينتمون إلى جيل الستينات مثل الفنان بسام فرج ومن جيل السبعينات مثل الفنان فيصل لعيبي، وعندنا مجموعة من رسوم الفنان الراحل مؤيد نعمة، حضرت في هذا المعرض وفنانون آخرون وصولا إلى جيل التسعينات، أي أن المعرض يضم أربعة أجيال من رسامي الكاريكاتير العراقيين». وأضاف:« اجتماعنا في هذه المرة لأهداف كثيرة منها أننا نريد أن يكون هذا المعرض انطلاقا لتكوين تجمع كاريكاتيري عراقي ينظم تواجد فن الكاريكاتير العراقي في المنتديات العربية والعالمية، وأيضا ينظم عملنا حاليا على المستوى الإعلامي والفني. وشدد بالقول: «نسعى لأجل أن نعرض أعمالنا التي تحمل اسم العراق في معارض خارجية، مازلنا حتى اليوم مغيبين عنها على الرغم من امتلاكنا طاقات وخبرات كبيرة. وعن تصوراته لما وصل له فن الكاريكاتير في العراق وقدرته على تغيير بعض الظواهر السلبية في المجتمع قال خضير الحميري: «لم يزل الحذر هو السمة الغالبة على واقع الكاريكاتير في العراق، والرسام يخشى أن تفلت أفكاره خارج المسموح به، كما أن الصحافة العراقية تعتبره فنا مكملا وليس أساسيا على عكس ما يتعامل العالم معه».

وهل تهتم الصحافة العراقية بالرسوم الكاريكاتيرية؟ سألته فأجاب قائلا: «صحافتنا لا تهتم، وإنها إلى حد الآن تعتبر الكاريكاتير فنا مكملا وليس أساسيا، على عكس الصحافة العالمية التي تعتبر رسام الكاريكاتير ركنا أساسيا، فهناك، في سبيل أن تؤسس أي مطبوع جديد عليك أن تبحث عن رسام مقتدر من الممكن أن ينهض بهذا المطبوع، هنا يبحثون عن رسام مكمل لتكميل التشكيلة فقط. ما يذكر أن بداية فن الكاريكاتير في العراق كانت عبر صورة كاريكاتيرية نشرت في جريدة (حبزبوز) البغدادية الفكاهية في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) من عام 1931، بريشة الرسام عبد الجبار محمود. وقد انتقدت هذه الصورة التهكمية حالة الانفلات الأمني الحاصل يوم ذاك التي كادت تودي بحياة نوري ثابت نفسه صاحب جريدة (حبزبوز)، حيث أظهرت نوري ثابت بملابس الفرسان الأوروبيين. وهو يمتطي المدفع الفلكلوري (طوب أبو خزامة) المعروف لدى البغداديين، حاملا بيده قلما طويلا كسلاح الرمح القديم وقد التفت بوجهه إلينا بابتسامة ساخرة وهو يعلق على محاولة اغتياله تلك»، مشيرا إلى أن «هيئة النزاهة شاركت في دعم المعرض وقد قبلنا دعمها كونها جهة رقابية تعمل ضد الفساد وهذا يلتقي مع أبرز أهدافنا».

ويؤكد ياسر على أن «أول تجمع لفناني الكاريكاتير تشكل عام 1976 وضم الفنانين: نزار سليم ومؤيد نعمة وبسام فرج ورائد نوري وموسى خميس وضياء الحجار بالإضافة إلي».

الفنان علي المندلاوي قال لـ«الشرق الأوسط» «منحنا في هذا المعرض ولأول مرة فسحة كبيرة لمشاركة الرسامين الذين بدأوا بنشر أعمالهم في الكاريكاتير بعد 2003، كما شارك فنانون عراقيون مهمون مقيمون في خارج العراق مثل فيصل لعيبي من إنجلترا ومنصور البكري من ألمانيا وكفاح محمود من هولندا»، مشيرا إلى مشاركة فنانين من إقليم كردستان والمحافظات الجنوبية والوسطى.

وأكد المندلاوي الذي يعتبر رائد فن البورتريت الكاريكاتير حيث أقام أول معارضه في هذا الفن بقاعة الأورفلي ببغداد عام 1986 بينما كان قد نشر أول رسم في هذا الفن للشاعر بدر شاكر السياب بمجلة (ألف باء) عام 1983، بأن «ما يميز فن الكاريكاتير العراقي، وهذا باعتراف فنانين عرب مهمين، هو أنه مدرسة وأسلوب قائمة بذاتها، أي أنه لم يخرج من مظلة الكاريكاتير المصري أو اللبناني».

أما رسام الكاريكاتير الفنان خضير الحميري، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «فن الكاريكاتير أثبت تميزا ودورا واضحا من عمر تأسيسه، وخصوصا سنوات ما بعد التغيير، واستغل مساحة الحرية المتاحة برسومات شكلت علامة فارقة في الفن العراقي سواء داخل أو خارج العراق»، وأضاف قائلا: «غالبا ما يسعى الفنان الكاريكاتيري إلى رمي حصاة في بركة ساكنة، وخصوصا برك السياسيين، لكن ليس كلهم ينتبه أو يتابع الأمر، على الرغم من أن بعض المسؤولين يفرح عندما يكون هناك كاريكاتير ضد خصم سياسي له، وبشكل عام فقد تحدث معالجات ضمنية لبعض القضايا بسبب تأثير الكاريكاتير وهو ما يجعله عامل تأثير بالنهاية».

وأكد الحميري: أن إقامة معارض الرسم الكاريكاتيري تعد فرصة لتذكير السياسيين بما يحدث في البلاد، وأن هذه اللوحات وثائق مهمة للتنبيه وللتأشير على الأخطاء المرتكبة في المشهد السياسي العام. وخلص الحميري إلى أن «الوقت قد حان لتأسيس جمعية أو رابطة لرسامي الكاريكاتير في العراق، وجعل يوم التاسع والعشرين من سبتمبر مناسبة سنوية لإقامة معرض كبير لجميع فناني الكاريكاتير.