«وجدة» تسحر الجمهور البريطاني وتسجل نجاح أول فيلم سعودي طويل

المخرجة السعودية هيفاء المنصور في لقاء مع «الشرق الأوسط» : أتعايش مع لقب أول مخرجة سعودية بسعادة

TT

منذ أول لقطة في فيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، الذي عرض في مهرجان «لندن السينمائي» أول من أمس، ندخل في عالم الطفلة وجدة ذات العشر سنوات. في اللقطات الأولى نرى قدمي الفتاة اللتين لا تكفان عن الحركة، ونرى أقدام زميلاتها حولها، كلهن ينتعلن الحذاء المدرسي الأسود إلا وجدة التي تتميز بينهن بارتداء حذاء رياضي برباط أزرق إمعانا في تحدي العرف المدرسي. العالم الذي يحيط بوجدة داخل المدرسة وخارجها هو عالم يريدها أن تذعن لأوامر وتقاليد كثيرة لكنها المتمردة أبدا، تبتعد بنفسها عن ذلك العالم، في غرفتها تثبت استقلال شخصيتها عبر صنع سوارات من الشرائط الملونة بألوان أندية كرة القدم السعودية لتبيعها لزميلاتها، وتسجل أغنيات تسمعها عبر راديو قديم على أشرطة كاسيت تحملها معها في حقيبة المدرسة. اللحظة التي ترى فيها وجدة دراجة محمولة على سطح سيارة في أحد شوارع الرياض في أجمل مشاهد الفيلم، هي اللحظة التي يتحول كل همها وحلمها في الحياة للحصول على الدراجة وركوبها في الشارع لتتسابق عليها مع جارها الطفل عبد الله. خلال الفيلم نرى وجدة تعمل جاهدة على ادخار مبلغ 800 ريال لشراء الدراجة، تصطدم مع ناظرة مدرستها أكثر من مرة ولكنها تصر على حلمها. وعبر قصص فرعية كثيرة نرى عالم وجدة، الطفلة الوحيدة لوالديها، نرى اعتزازها بنفسها لدى وقوفها أمام رسم لشجرة عائلة والدها يحمل فقط أسماء الذكور، تكتب اسمها على ورقة بيضاء وتلصقه إلى جانب اسم والدها لتصاب بخيبة أمل عندما تجد الورقة مكورة وملقاة جانبا. تصر على الحصول على الدراجة وتذهب لصاحب المحل لإقناعه بألا يبيعها لغيرها، تعطيه شريطا مسجلا عربونا للصداقة ولكن الرجل فعلا يلتزم بالصداقة البريئة بينهما ويحتفظ بالدراجة انتظارا لها، وللوصول لهدفها تندرج في مسابقة لحفظ القرآن في مدرستها أملا في الحصول على الجائزة المالية، وعند فوزها تسألها مدرستها عما تنوي أن تفعله بالنقود فترد وجدة بكل الشقاوة والسعادة في عينيها: «أريد أن أشتري سيكل»، لدهشة وامتعاض مدرستها التي تقرعها على فسادها وتقرر التبرع بمبلغ الجائزة لصالح قضية فلسطين نيابة عن وجدة. لكن الفيلم لا ينتهي بتحطيم أمل الصغيرة.

الفيلم الذي صور بالكامل في شوارع مدينة الرياض يعد نافذة لجمهور غربي لرؤية جانب من المجتمع السعودي، وخلال فترة العرض ظل الجمهور متابعا ليختتم العرض بالتصفيق طويلا للفيلم ومخرجته التي حضرت العرض وأجابت على أسئلة الجمهور.

و كان لـ«الشرق الأوسط» لقاء مع هيفاء المنصور تحدثت خلاله حول مراحل العمل في الفيلم، وما يمثله لها كونها أول مخرجة سعودية وأيضا عناء البحث عن ممثلات سعوديات.

تقول المنصور إن عملية إيجاد طاقم التمثيل كانت صعبة خاصة بالنسبة للممثلات «أعتقد أن عملية البحث عن ممثلات سعوديات يمثل تحديا صعبا، وليس الأمر كذلك بالنسبة للممثلين الرجال الذين يبعثون لي برسائل على (تويتر) مع صور لهم، لكن الأمر يختلف بالنسبة للممثلات». تشير المنصور إلى أن الممثلة ريم عبد الله التي قامت بدور والدة وجدة من الممثلات المعروفات في السعودية، ولها أعمال على شاشة التلفزيون وبالتالي فإن الأمر كان سهلا بالنسبة لها، أما اختيار الطفلة وعد محمد، التي تقوم بدور وجدة فقد كان صعبا بعض الشيء وتشير إلى أن عملية البحث كانت مستمرة حتى الأسبوع الأخير قبل التصوير، حيث تقدمت وعد لتمثيل الدور وعرفت على الفور أنها وجدت ضالتها، فوعد «كانت مدهشة» على حد تعبيرها.

الحديث يتطرق إلى عملية التصوير التي تمت في شوارع الرياض ومدى صعوبتها بالنسبة لها كمخرجة. تعلق هيفاء على أنها حصلت على إذن رسمي بالتصوير في الشوارع ولكن الأمر أحاطته بعض الصعوبات فيما يتعلق برد الفعل في الشارع، فكانت تعتمد على أن يفهم منها الممثلون ما تريد منهم أن يقوموا به، حيث لم تستطع أن تكون معهم دائما في مكان التصوير: «كان من الصعب علي ألا أكون مع الممثلين وقت التصوير لأرى أداءهم وأعلق عليه وأوجههم، ولكن الحل كان في تكوين صلة قوية معهم حتى يعرفوا ما الذي أريده منهم، خاصة الطفلة وعد فقد كان بيننا تفاهم قوي بحيث كانت تعرف ما أريده منها، كانت تفهمني حين أقول لها: لقد بالغتي في هذا المشهد أو كان عليك إضافة بعض الحركة هنا، لقد فهمتني دون الحاجة إلى أن أقول لها كثيرا وأعتقد أن هذه العلاقة بين الممثل والمخرج مهمة جدا». ولكن التصوير في الشارع أيضا لم يكن سهلا من جوانب أخرى؛ إذ كان على فريق العمل التعامل مع التقلبات الجوية التي طاردتهم «كنا نتوقع طقسا مشمسا وفجأة تهب عاصفة رملية أو تنهال الأمطار بشكل مفاجئ، الأمر كان أصعب على الفنيين الألمان الذين كانوا يعملون معنا».

كونها أول مخرجة سعودية تعده لقبا «مميزا» تحمله بسعادة وتشير إلى أنها لم تضطر لتغيير السيناريو الذي كتبته، وأن الرقابة لم تغير به شيئا «أنا نشأت في السعودية وأريد أن أعمل من داخل البلد، لا أريد أن أكون مخرجة تعمل من الخارج ولا أن تكون آرائي خارجة عن المنظومة الداخلية. ولهذا فقد كنت أريد أن أظهر صوتا معتدلا خلال كتابتي للسيناريو. أردت أن أقول إنه في الوقت الذي يمكن للكل فهم ومناقشة ثقافتنا الاجتماعية، إلا أننا أيضا يجب أن نفخر بها ونتعامل معها، أردت أن يشعر من يشاهد الفيلم بأنه يعبر عنه».

السينما لدى المنصور لها دور هام في التقريب بين الشعوب: «كثيرون لا يعرفون السعودية، ويصدقون الصورة النمطية الشائعة، فهم لا يعرفون حياتنا اليومية ولا كيف يعيش الناس ولهذا ففيلم (وجدة) يقدم لهم شريحة من الحياة اليومية. أردت أن يكون فيلمي عن الناس وليس عن القضايا. أعتقد أن للسينما دورا هاما في التقريب بين الناس، وأتمنى أن تتطور السينما في السعودية فبلادنا لها مكانة على المستوى السياسي والاقتصادي وأتمنى أن تكون الفنون على نفس المكانة».

رغم أن فيلم «وجدة» يدور حول النساء بشكل عام، يطرح كثيرا من القضايا التي تمسهن من الزواج إلى التعليم، فإن المنصور تقول إنها تريد أن تعبر بفنها عن أكثر من ذلك ومع ذلك فالتعبير عن النساء هو أمر تشعر به قريبا إلى قلبها حسب ما تقول «لا أريد أن تكون أعمالي عن النساء فقط ولكني أفهم لماذا أعبر عنهن بكثرة، فقد نشأت هنا في مدينة صغيرة وهذا هو عالمي وإذا أردت التعبير عن شيء فسيكون عن الوضع الذي أعرفه وأفهمه».

الفيلم الذي أنتجته «روتانا» سيعرض العام المقبل على شاشة التلفزيون وبالتالي سيتمكن الجمهور السعودي من مشاهدته بشكل واسع، «سيكون بمقدور كثيرين مشاهدة الفيلم لدى عرضه في دور السينما في الخليج ومن لم يستطع سيتمكن من متابعته على التلفزيون». تواجه المنصور دائما السؤال حول عدم وجود دور سينما في السعودية ولكنها تفضل رؤية الجانب الإيجابي لتجربتها السينمائية: «لا بد من القول بأن هناك تغييرا ملموسا، فقد صورت فيلمي في السعودية بشكل رسمي وأتوقع أن نرى دور السينما هناك قريبا».

لقب أول مخرجة سعودية يبدو لقبا «جيدا» كما تقول بابتسامة «لا أمانع أن أكون كذلك ولكن الأهم لي هو أن أستطيع أن أصنع أفلاما جيدة وأن أقدم قصصا يتفاعل معها الناس بشكل جيد».

تبقى نصيحتها للأجيال الجديدة، فردا على سؤال لفتاة من أصول سعودية تدرس السينما حضرت عرض الفيلم تطلب منها النصيحة المهنية قالت: «كوني صادقة وقدمي مواضيع وقصصا تمسك أنت في المقام الأول وخذي الجمهور معك في رحلة عبر تلك القصص».

فيلم «وجدة» تم إنتاجه من قبل شركة «روتانا» ومجموعة «ريزور فيلمز» ومجموعة «هاي لوك»، وهو من تأليف وإخراج هيفاء المنصور.