لقطة أولى: ثقافة صحافية

مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي 2

ريتشارد غير في افتتاح مهرجان ابوظبي السينمائي (ا.ف.ب)
TT

تم عرض فيلم الافتتاح «أربتراج» (مراجحة) في حفلة عكست تنظيما أكثر دقة مما كان الحال عليه في العام الماضي، وحضره وزير خارجية دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد ووزير التعليم العالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، إلى جانب مسؤولين عدة، ومن السينمائيين المشتركين في الفيلم المنتج السعودي محمد التركي والمخرج نيكولان جاريكي والممثلان نات باركر ورتشارد غير.

الحضور توزعوا بين معجب وغير معجب وغالبا بسبب الموضوع وليس سينما الموضوع. وفي حين كتبت عن هذا الفيلم قبل يومين، ناقلا حسناته المتوفرة وتلك الغائبة، فإن غير المعجبين اعتبروه فيلما عاديا بمقاييس الاختيارات السينمائية، علما بأن مسألة فيلم الافتتاح لا تخضع للأذواق أساسا، بل لما هو متوفر من احتمالات توزيع.

المثير في الموضوع هو أن البعض أشار، تبعا لذلك، إلى أن الفيلم تم افتتاحه قبل أكثر من شهر في الكويت وفي دول أخرى كثيرة، كما انطلق في الصالات التجارية الإماراتية قبل ساعات قليلة من افتتاحه هذه الدورة، مما يجعله، من هذه الزاوية تحديدا، اختيارا خاطئا. طبعا من دون معرفة الظروف كاملة، فإن الكتابة عن هذا الموضوع للبت أو الحكم فيه ليست سهلة، لكن الفيلم جيد ومصاغ كعمل تشويقي حول ذلك الفساد الذي يستشري في شخص بطله، والذي يرمز إلى فساد الإدارة الاقتصادية في المؤسسات الأميركية عموما. في اليوم التالي، المؤتمر الصحافي الذي لم أسع لحضوره مع رتشارد غير والمنتج محمد التركي، وللأسباب ذاتها التي أثارت انتقاد بعض الحضور: الأسئلة التي في بال الصحافيين الحاضرين كانت من النوع الذي لم يجعل أمام ريتشارد سوى أن يكون مهذبا وموجزا. إنها من ذلك النوع الذي يرغب في معرفة موقف الممثل من الإسلام، بمناسبة ذلك الشريط المبتور «براءة الإسلام»، أو الذي يريد معرفة لماذا لم يظهر ريتشارد غير في فيلم عربي حتى الآن. أو ما رأيه بمدينة أبوظبي. هل هذه الأنماط من الأسئلة تحدث الممثل بما يعرف أنه سيرضي الحاضرين. لكن اللافت أن هناك من الصحافيين من يعتقد أن على الممثل أن يمنحه فرصة تحويل سؤاله إلى عنوان يضعه في صدارة الصحيفة التي يمثلها. ماذا سيكون جواب الممثل، أي ممثل، عن السؤال الأول إلا رفضا؟ وماذا سيكون رأيه في مدينة كل ما شاهده منها هو الفندق الذي ينزل فيه، لأنه لم يتمتع بعد بالوقت الكافي للتجول فيها (وغالبا لن يجد الوقت لذلك قبل سفره اليوم). كان ريتشارد غير خلوق حين أجاب: «تبدو لي المدينة جميلة ونظيفة لكني لم يتسن لي بعد التجوال فيها»، لكن المشكلة هي أنه ليس لهذه الأسئلة يتم إقامة مؤتمرات صحافية، بل للحديث عن الفيلم فنيا وكموضوع.

هل جال في بال السائلين أنه لا توجد هناك أفلام عربية مناسبة لأن يؤدي ريتشارد غير، أو سواه، بطولتها؟ وهذا ليس صنع مهرجان أبوظبي أو أي مهرجان آخر، صنع صحافيين لا يخرجون عن الإطار الضيق الذي دفع أحدهم ذات مرة، خلال مهرجان آخر، ليسأل الممثل: «ما رأيك بالسينما العربية؟»، على اعتبار أن الممثل شاهد أي فيلم منها.

هذا النوع يسيء إلى السائل وإلينا جميعا، وما كان تجهم الممثل إلا رد فعل عليها. سيعود ريتشارد غير بانطباع سيئ كما فعل سواه، وسوف يقف منا أمامه أولئك المطالبون دوما بأن يسعى المهرجان العربي، أي مهرجان، لتحسين صورتنا أو لجلب المزيد من الممثلين لحضوره.