السينما العربية ومهرجاناتها أسئلة مهمة أمام الدورة السادسة لمهرجان أبوظبي

يوسف شاهين
TT

مهرجان «أبوظبي السينمائي» قبل أي اعتبار آخر، فعل فني وثقافي برهن عن جدواه ومرشح، وقد بات تحت إدارة سينمائي إماراتي متدرب ومثقف، هو علي الجابري، لأن يصبح العنوان الأول لسينمات المنطقة. هو مهرجان عربي، يهدف، فيما يهدف إليه، إلى الاحتفاء بالمواهب العربية المختلفة. وهو فعل ذلك من الدورة الأولى منضما إلى كل تلك المهرجانات العربية التي سبقته في هذه المحاولة قديمها وحديثها. أكثر من ذلك، نجح في تجاوز الهنات والعثرات التي تصاحب البدايات متحولا إلى حدث لا بد من حضوره بالنسبة للهاوي والسينمائي والناقد. حاليا، بات وجودا مدعوما من قِبل السينمائيين العرب الذين يختارونه لعرض جديدهم آملين بالفوز طبعا، لكنهم راغبين في التواصل أساسا مع أترابهم في المنطقة. على أنه بمجرد أن نصوغ هذه الكلمات ينطلق صوت في الداخل يتساءل عما إذا تقدمت السينما العربية بفعل هذه المهرجانات فعلا أم لا. هل حققت المهرجانات العربية، بكلمات أخرى، ما أسس لسينما عربية رائعة بالفعل؟ هل استطاعت تحويل الفيلم السينمائي من تابع ثقافي واجتماعي إلى فاعل في الشأنين؟ بالتأكيد هناك إنجاز سينمائي أقل شأنا من الحجم الكبير من الاهتمام والدعم الذي ولـته هذه المهرجانات، خصوصا حين النظر إلى المهرجانات الأحدث شأنا كـ«أبوظبي» و«دبي» و«مراكش» والدوحة. وما أقدمت عليه من صناديق دعم وورش عمل وحوافز مختلفة التي قامت بها معظم هذه المهرجانات إلى اليوم، تلك التي حررت المخرج العربي من هم البحث عن التمويل في ظل ظروف اقتصادية صعبة، لكنها لم تؤسس فيه بعد السينمائي الجديد، وبالتالي ليس للسينما العربية ذلك الوجه الجديد والهوية المنتفضة على غبار التقليد، إلا من خلال أعمال محدودة. حررته من الظروف ولم تحرره من الصندوق الذي يعيش فيه. نعم، هناك دائما أفلام جيدة، لكنها جيدة لعروضنا نحن ومناسبة لجمهور المهرجانات العربية أو لجمهور الصالات المحلية. أما تصنيع السينما فأمر لم يقع ودفع السينمائي للبحث عن اتجاهات فنية جديدة واستنباط أساليب تعبير تؤدي إلى أعمال لا يمكن ردها من المهرجانات العائمة في الغرب، فإن هذا لم يحدث، ومن حق المرء أن يتساءل عما إذا كان سيقع قطعا، لأنه إذا لم يحدث طوال 100 سنة من السينما العربية كيف سيحدث في خلال أشهر؟

قبل أيام، حين تم إعلان الأفلام الأجنبية التي تم إرسالها لأكاديمية العلوم والفنون السينمائية لكي تدخل سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي، طالعنا نوع مشابه من الضعف: 3 أفلام من 3 دول من بين الـ19 دولة عربية التي أنتجت أفلاما روائية طويلة إلى الآن. صحيح أن ليس كل القارة اللاتينية ممثلة، لكن 9 من دولها (وكثير منها مثل كولومبيا وجمهورية الدومينيك لا تاريخ كبيرا لها في هذا المجال) أرسلت أفلاما. كما تم إرسال 19 فيلما آسيويا بعضها من بلدان تأسست حديثا على نحو مستقل مثل كازاخستان وأذربيجان وجورجيا. هل يمكن أن يكون الخطأ أكثر عضوية وتجذرا مما نعتقد؟

واحدة من المشكلات، يقول متابع غربي يعمل في سفارة دولة أجنبية، هي «استعجال الوصول»، لكن هل هذا صحيح بعد 100 سنة أو نحوها من البدايات؟ فيفسر ما عناه بقوله: «لاحظت أن مخرجي السينما الجدد لديهم صنف واحد من الأفلام يريدون تقليده، هو الصنف الأميركي. ليس هناك رغبة في توسيع الرقعة لتشمل السينمات الأخرى». وهذا صحيح ومرده انتشار السينما الأميركية أكثر من أن يكون مرده اختيارا بين أنواع متاحة. مشكلة المتلقي الذي يحلم بصنع سينما وليست مشكلة ناتجة عن مهرجان يريد أن يساعد الحالم لتحقيق حلمه. ما يضاف إليها حقيقة أن السينمات الأخرى ليست معروضة، وحين تعرض، كما يقول الموزع السينمائي سليم رميا متذكرا حالة متكررة وأفلاما ضاعت على شاشات المولات.. «لا يأتي من يحضرها». مشكلة ثانية هي في نوعية المدارس السينمائية ومناهج تعليمها المعمول بها في هوليوود وخارجها هذه الأيام، من حيث إنها لا تستطيع أن تمنح طلابها الوقت الصحيح لبلورة الموهبة واتجاهاتها. في حين أن مدارس السينما في باريس ومدريد ولندن تصر على أن يطلع المنتسب على سينمات العالم قبل أن يمسك بالكاميرا وينطلق (على المنتسب للمدرسة الفرنسية المكوث عامين لا يفعل سوى مشاهدة الأفلام ونقدها قبل أن ينتقل إلى مرحلة جديدة). لا وقت لدى المدارس المؤسسة حديثا لمثل هذا الترف.

«الوقت لا ينتظر»، يقول المخرج الأميركي روبرت رودريغيز في محاضرة ألقاها سنة 2007 في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجليس. لكن أليس الوقت هو ما نصنعه نحن؟ والأجدر بالسؤال هو: هل تم تخريج مواهب عربية متمكنة في السنوات الـ10 الأخيرة كخبرة ودراية وموهبة وتمكن كمال الشيخ أو صلاح أبو سيف أو محمد ملص أو مارون بغدادي أو يوسف شاهين أو الناصر خميري؟

هذه الأسئلة طرحناها سابقا أمام كل دورة من كل مهرجان عربي مماثل. إنها ليست ملك مهرجان واحد أو مسؤوليته، وإذا كانت لا تزال مطروحة فلأن أحدا خارج نطاق المهرجانات العربية لا يفكر بالحل على نحو صحيح.

* هل هناك خليفة ليوسف شاهين وجيله؟ أفلام اليوم الأول

* هذا الفيلم التسجيلي الذي من المحتمل له دخول سباق الأوسكار الأميركي في العام المقبل، يطرح موضوعا مهما حول ما الذي حدث للحلم الأميركي الذي راود أجيالا كثيرة من القرن التاسع عشر وإلى اليوم؟ أين ذهب أو ما الذي آل إليه ومتى توقف عن تحقيق ما يجسده ذلك الحلم من إنجاز وطموح وثروة. إنه لمخرجة اسمها باتريا باتريك لم يسبق لها أن حققت فيلما من إخراجها، بل أتت عن طريق التعامل مع المافيولا والمونتاج أساسا. لكن الموضوع الذي تطرحه في غاية الأهمية اليوم مع شيوع حالات الإفلاس الاقتصادي على صعيديه الفردي والعام.

* كما لو أننا نمسك بكوبرا

* المخرجة السورية هالة العبد الله سينمائية معروفة في الوسط العربي عبر أفلام تسجيلية وطليعية قصيرة سابقة حققتها وعرضتها مهرجانات مختلفة. وهذا الفيلم في الأساس كان فكرة لشريط قصير آخر حول الرسوم الكاريكاتيرية وما تعبر عنه. لكن حين اندلعت أحداث المنطقة العربية وما عرف بـ«ثورة الربيع» كان لا بد لها من أن تضيف إلى الفكرة الأساسية ما يعكس شعورها حيال ما يدور، من دون أن تخرج عن الفكرة كما قالت.

* البالون الكبير الذي صنع شهرة عباس كياروستامي لا يزال يطير في الفضاء ولو على ارتفاع منخفض. بعد عرض هذا الفيلم في مهرجان «كان» يحط على شاشة هذا المهرجان. لا يمكن تغييب المخرج الإيراني عن حدث سينمائي كهذا، ولا إغفال حقيقة أنه لا يخلو من بعض الحسنات، ولو أنها ليست بالتي ترفع من شأنه. حكاية الطالبة اليابانية التي تعمل فتاة متعة ليلا لكي تعيل دراستها وفي أحد الأيام تتعرف على ذلك الكاتب المعروف الذي يجد نفسه يعايش دوامتها.

* الفيلم الروائي الوحيد هذا اليوم الذي يجب حضوره. إنه «زد» الذي قام كوستا - غافراس بإنجازه سنة 1969 وهو تمويل جزائري مع إسهام فرنسي، وكان العمل الأول لغافراس الذي تعامل فيه والمواضيع السياسية ساردا هنا بعض ما ورد في الحقبة التي عاشتها اليونان حين تولى اليمين السلطة. ليس سابقا في سينما التشويق السياسي، لكنه مختلف، لا يزال حتى اليوم.