الطيب الحضيري يشغل المتلقي بالانتظار

على صالة «داما آرت» في جدة

TT

عندما تدخل معرض الطيب الحضيري 1957م في السودان وتطل عليك وجوه الرجال والنساء من جدران قاعة «داما آرت» للفنون بجدة، وتسمح لنفسك بأن تتأمل في العيون المنتظرة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك مسرحية الآيرلندي صموئيل بيكيت العبثية «في انتظار غودو»، والقصة أو المسرحية تحكي التقاء رجلين على أرض جرداء يتناقشان فيما بينهما في مواضيع مختلفة، يتبين فيما بعد أن كلاهما ينتظر شخصية تدعى «غودو»، لكن من هو غودو؟ لا أحد يعرف، حتى إنه عندما سئل بيكيت عن ذلك قال: «لو كنت أعرف لأنهيت المسرحية إجابة على السؤال».

بقيت تلك المسرحية علامة مهمة في تاريخ المسرح العالمي العبثي، حتى إنها وصفت بأنها من أهم مسرحيات القرن العشرين، فالفلسفة التي تنطوي عليها مسألة الانتظار عند بيكيت مبنية على أن ما تحسب أنك تنتظره باعتباره مسألة خلاص، أي يخلصك من ألم أو أزمة ما، لا وجود له أصلا؛ ولهذا جاءت أعمال المعرض من هذا المنطلق وبشكل عبثي إلى حد ما، غير أن هذا لا يمنع أن ينشغل المتلقي بسؤال الانتظار الذي تمثله الوجوه التي رسمها الحضيري كما لو أنها حالات تمثل دلالة أو شكلا أو أملا يعيد إليه شيئا ما مما ينتظره.

لقد كشف الفنان عن أنه ربما يسعى من خلال اسم المعرض ورسم الوجوه التي تطارد الحاضرين، إلى إيصال رسالة بصرية للجمهور، تتضمن الوقوف على هذه المسألة بشكل جمالي تعبيري بصري من جهة، ومن جهة أخرى إلى كشف ما يمكن أن ينشأ عنها من فلسفة ورؤية وجدانية عميقة بين الإنسان ونفسه، ويرى عصام العسيري، من الإعلام التربوي من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، أنه لا بد أن يكون للمتلقي دور في عملية الحوار البصري والفكري معا، وإدراك وتحليل الموضوع الجمالي المطروح أمامه، فالأعمال التي نشاهدها في المعرض ما هي إلا مدخل إلى القضية التي تتطلب البحث عن المفهوم النسبي والنظري لمسألة الانتظار، فالبعض ينظر لها كمن ينتظر بلهفة شخصا ما، ومنهم من ينتظر بشوق لتحقيق هدف، وآخر قد ينتظر بثقة النصر أو الرحمة، فلكل إنسان حالته النفسية الانفعالية الخاصة التي تمثلها عملية الانتظار التي قد تجلب معها شيئا من القلق والملل، أو الاسترخاء والبرود، وأضاف أن وجه الإنسان علامة كافية ليظهر بجلاء مشاعره وعواطفه وحالته الوجدانية، ومع ذلك قد تكون مسألة الانتظار بحد ذاتها علامة على أمل مفقود أو ضائع؛ لهذا فإن اللوحات جعلت ذاكرة المتلقي معلقة على هذه الوجوه تنتظر من يحررها أو يزيد من علامات الاستفهام التي تؤرقها حسب ما تمليه عليه ذاكرته البصرية، فلكل لوحة وجه ينتظر الخلاص.

إن واحدا من أشد علامات المعرض إثارة أنه يكشف عن أن مسألة الانتظار قضية تاريخية كونية لا يتوقف الناس عن الإيمان بها، خاصة إذا وقع الانتظار على حساب شيء لا وجود له أصلا ولا معنى حقيقيا له، وهو ما كشفه أبطال «بيكيت» عندما قضوا حياتهم في انتظار غودو من دون جدوى حتى أصابهم اليأس والإحباط. من جهة أخرى أبدى الدكتور سعيد أفندي، عميد كلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، إبان افتتاحه المعرض، إعجابه واستحسانه لما شاهد من أعمال فنية تحتوي على قيم فنية وجمالية، وطرق إبداعية في رسم الوجوه تختلف عما كان يشاهده واعتاد عليه من قبل، موضحا أن للفن دورا إنسانيا في بناء المجتمعات المتقدمة.

فيما قال عبد الله باحطاب، مدير الأندية الطلابية بالجامعة، إنه معرض لمس من خلاله بلاغة التجربة الفنية واستحضارها للوجوه التي تنتظر حلما لا يزال يؤرقه.

الطيب الحضيري هو عضو هيئة التدريس بكلية التربية، يحمل الدكتوراه في تصميم وتقويم المهارات التشكيلية، وسبق له أن أقام أكثر من عشرة معارض في السودان والسعودية، وله مقتنيات في فرنسا والدوحة، وشارك في تحكيم عدة مسابقات تشكيلية.