مع اشتعال النار في أكثر من بقعة عربية، خلال السنتين الماضيتين، يكاد العالم ينسى العراق وما تعرضت له آثاره من نهب وما يعانيه تراثه الحضاري من تهديد. إن المحللين يكتفون بالإشارة إليه على أنه «مرجع» أول للتغيير السياسي الذي تم بتدخل أجنبي وما رافقه من عنف وتفتيت للركائز الأساسية للدولة وللمجتمع.
اليوم، ما زالت قضية التراث العراقي تحتاج إلى جهود جهات عديدة.. ومن هنا يأتي المعرض الذي افتتح في اليونيسكو بباريس، يوم الاثنين الماضي، برعاية المديرة العامة إيرينا بوكوفا وبحضور محمد تميم وزير التربية في العراق ورئيس اللجنة الوطنية لليونيسكو.
يسبق المعرض طاولة مستديرة حول تحديات وإنجازات عمليات إنقاذ الإرث الآثاري العراقي الذي تمتد جذوره إلى الحضارات الأولى التي عرفتها البشرية. ويكفي النطق باسم «بابل» حتى تلتمع أعين العارفين والمثقفين وحتى البسطاء، في جميع أنحاء العالم. وهناك، أيضا، آثار منطقة نمرود، شمالا، وأُور، شرقا، وكلها عانت، بسبب الحروب والنزاعات المتواصلة، من عقود من الإهمال الذي بلغ ذروته مع الحرب الأخيرة، عام 2003، وما تبعها من انهيار أمني وسطو على المتاحف ومواقع التنقيبات، إضافة إلى القصف الذي أصاب بعضها بأضرار بالغة. لقد صمدت تلك الشواهد لأكثر من 6 قرون في وجه الزمن ثم جاءت يد الشر لتعبث بها وتدمرها.
أعاق غياب الأمن الوصول إلى المواقع الغنية بالآثار، كما منع توفير المعدات اللازمة للحفظ وللصيانة. وحسب الورقة التمهيدية المقدمة لندوة باريس، فإن ميدان العناية بالآثار أو حفظ الإرث التاريخي يعاني من نقص فادح في القدرات البشرية ويحتاج إلى الخبرات والتدريب. وهو مثل العديد من الحقول، فقد الكثير من خبرائه الرائدين والأساتذة الأكاديميين الذين غادروا البلد. والتحدي المهم الآخر الذي يواجهه العراق هو تعزيز وتطوير القوانين الدولية الخاصة بحماية وصيانة الممتلكات الثقافية للشعوب، كما أن هناك حاجة ماسة لتحديث المناهج التعليمية في هذا الميدان لتتلاءم مع المستويات الدولية.
ومنذ 2003، تداولت التقارير الإعلامية موضوع التبعات الوخيمة للإهمال والصراع الدائر في العراق على مواقع التراث الأثري، كما كان الموضوع مادة لبحوث الخبراء ولمعارض عدة ولبرامج تعاون دولية.. لكن الورقة تقول إن ما حققه الخبراء المحليون من أعمال لم يلق الاهتمام الكافي رغم أنه تم بجهود أفراد ومؤسسات عراقية ومن دون معونة خارجية. لذلك لا بد من منح التقدير المناسب للمجموعة الملتزمة من الخبراء المحليين وتوفير الحماية للعراقيين الذين يبذلون جهودا كبيرة لإعادة بناء القدرات المحلية لحماية المواقع الأثرية في البلاد، والمتاحف، والحرف اليدوية، في سياق تحد من نوع خاص من الصراع وضمن مجريات التحولات السياسية.
وبفضل التحسن البطيء للوضع الأمني، تم استئناف الحفريات الأثرية بمشاركة الهيئة العامة للآثار والتراث بالإضافة للفرق الدولية، منذ عام 2007، وتم تطوير مبادرات لحفظ وإعادة تأهيل بعض المواقع الأثرية الرئيسية، وأيضا حماية المناطق النائية من النهب والاتجار غير المشروع بالآثار، ولضمان إعادة الممتلكات الثقافية التي تباع علنا في الأسواق والمزادات الأجنبية. وهناك خطوات جديدة لتدريب المتخصصين داخل العراق وخارجه؛ هذا عدا القانون الذي تم تشريعه لرفع قدرات وزارة السياحة والآثار وجعلها وزارة بنصاب كامل وغير تابعة لوزارة الثقافة أو لوزارة الإعلام.
وفي هذا الإطار، ستجمع الطاولة المستديرة التي تعقد في اليونيسكو، بعد يومين، عددا من أبرز الخبراء العراقيين والدوليين، بهدف تسليط الضوء على الوضع الراهن وما تحتاجه عمليات صيانة الآثار في العراق. والمحاور المطروحة للنقاش تدور حول النهب والمتاجرة غير المشروعة بالممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة إلى الخارج، وتحديد الاحتياجات لتنمية المؤسسات المعنية وتطوير الأبحاث وعمليات الحفاظ على التراث.