التونسيون يستعدون للعيد بتنظيف شوارعهم

تزامن مع ذكرى أول انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة في تاريخ بلادهم

TT

تشهد المدن والقرى التونسية هذه الأيام حركة دؤوبة استعدادا لعيد الأضحى المبارك، وهي عادة دأب عليها التونسيون منذ عدة قرون، لكنها تأخذ طابعا احتفاليا هذا العام، لتزامن فرحة العيد بفرحة تنظيم أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ تونس الحديثة.

في إحدى ضواحي تونس رصدنا عملا جماعيا لتنظيف أحد الأحياء استعدادا للعيد وأكد أحمد الميساوي (45 سنة) ويعمل معلما «للشرق الأوسط» على أن همة المواطنين أصبحت أكثر يقظة من ذي قبل «نحس بأننا أحرار، فقد التحقت تونس بالعالم الحر سياسيا، ولم يعد بالإمكان كتم أصوات الناس، لذلك أصبحنا نشعر بأن وطننا يعني لنا شيئا بعد أن كنا عبيدا في بلادنا». وتابع: «كما ترى نحن جميعا موظفون وقد قررنا تنظيف الحي صباح هذا الأحد دون انتظار استجابة البلدية لمطالبنا وهناك زملاء في الريف أخبروني أنهم فعلوا نفس الشيء دون انتظار المجلس القروي».

وعما إذا كان التنظيف الجماعي مرتبطا بالعيد أو عمل روتيني يقومون به من حين لآخر قال: «قمنا في وقت سابق بتنظيف الحي، ولكن هذه المرة يكتسي أهمية خاصة، أولا بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، وثانيا بمناسبة مرور عام على أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ تونس، وفي كل الأحوال النظافة أو الطهور شطر الإيمان، كما هو في معالم ثقافتنا».

واشتكى الميساوي من تعمد بعض المتساكنين ذبح أضاحيهم داخل ساحات منازلهم دون تنظيف كاف أو رمي فروث الأضاحي على مقربة داخل الحي «طلبنا من المتساكنين وضع فضلات منازلهم في أكياس ورميها في حاويات لا تبعد كثيرا عن الحي، لكن البعض يتعمد رميها في نهاية الحي وهو ما يسبب انزعاجا من تلك الممارسات بسبب المنظر غير اللائق لأكداس القمامة فضلا عن روائحها الكريهة، وهو ما يستدعي منا تخصيص يوم عطلة الأحد لتنظيف الحي بدل الاستجمام في مكان هادئ بعيدا عن الضوضاء وحصار الجدران».

في بعض الأحياء الأخرى عثرنا على عدد من المتساكنين يقومون بطلاء جدران منازلهم استعدادا للعيد. وذكر عبد الله المثناني (62 سنة) ويعمل تاجر مواد بناء أنه يقوم بطلاء جدران منزله في كل عيد أضحى «هذه عادة ورثناها عن أجدادنا، حيث نقوم بطلاء جدران منازلنا وقبور موتانا كل عيد». وتابع: «لا نعرف متى بدأت هذه العادة ولا مشروعيتها دينيا سوى أننا نعرف أن النظافة من الإيمان، فنحن نغسل أطرافنا في اليوم 5 مرات ونستحم أحيانا ولا سيما في الصيف عدة مرات في اليوم، ونذهب إلى الحمام البخاري مرة في الأسبوع، وعندنا غسل الجنابة وغسل الجمعة والإنسان لا بد أن يكون نظيفا في بدنه وروحه وبيته وسيارته». ويعتبر عيد الأضحى فرصة ثمينة لعمال الطلاء أو ما يعرف في تونس باسم، البياضة، حيث يجني العامل نحو 30 دينارا في اليوم (15 يورو) مع حسن الضيافة من مقبلات وأكل ومشروبات وحلويات وفاكهة.

كما تنشط الحياة الاقتصادية في العيد حيث تمتلئ أسواق الأحذية والملابس بالزبائن الذين يتوافدون من كل حدب وصوب لشراء ملابس وأحذية لأبنائهم حيث ارتبط العيد باقتناء الملابس والأحذية الجديدة للصغار. وأكد التاجر فتحي المباركي على أن الأعياد ولا سيما عيد الأضحى من المناسبات التي تنتعش فيها تجارته «نشتكي في غالب الأيام من ندرة الزبائن، لكن في العيد تنتعش تجارة الملابس الجاهزة والأحذية ولا سيما لفئة الأطفال، وبالنسبة لنا العيد عيد».

ووافق على أن الملابس الرخيصة هي التي تشهد إقبالا أكثر من غيرها بقطع النظر عن الجودة «الجودة ارتبطت بارتفاع الأسعار لذلك يقبل الناس على السلع الرخيصة، والمهم لديهم ليس مدى قدرة قطعة اللباس على الصمود، ولكن الجديد في حد ذاته وهو ما يعكس جانبا من العقلية الاستهلاكية السائدة في هذا الوقت». وأوضح بأن ذلك سمة أناس اليوم ليس في تونس فحسب بل كثير من بلدان العالم «الصناعات الصينية تغزو العالم ليس لجودتها بل لرخصها وانخفاض أسعارها».

في العيد أيضا تنشط ورشات سن السكاكين حيث بدأ الناس بالذهاب إلى هذه الورشات لسن سكاكين مطابخهم، التي يستخدمونها سواء في الذبح أو تقطيع اللحم.

وعودة لمشاريع النظافة في العيد، حيث بدأت في الآونة الأخيرة ظاهرة جديدة تنشط بتزايد في عدد من المناطق التونسية، وهي النظافة الجماعية داخل البيوت أيضا. وشرحت سميرة العوني ذلك بالقول: «في العيد نتفق نحن مجموعة من الصديقات، وهناك من يدخل نساء الأسرة في الموضوع حيث نقوم بتنظيف منازلنا بشكل جماعي، أي يوم لكل بيت نقوم بتنظيف كل شيء تقريبا». وعن الحاجة لتنظيف نسائي جماعي أفادت: «هناك أماكن تترك فترة طويلة دون تنظيف مثل أرضية الخزائن، وأحيانا الأرائك وأرضية الثلاجات الكبيرة والغسالات حتى وإن كان لها عجلات، ونقوم بقلب البيت تماما وإعادته كما كان أو تغيير ديكوره ونجد في العيد محفزا لذلك».