الدوحة تستضيف المؤتمر الدولي للأمن الغذائي

تسعى لالتزام دولي إلى رفع نسبة قطاع الزراعة في الإنفاق العام

الأمن الغذائي أكبر تحديات دول الخليج
TT

يمثل «برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي» أهم المبادرات الخليجية لضمان الأمن الغذائي في منطقة تصل وارداتها الغذائية لنحو 90 في المائة من حاجاتها. وأمام التحديات المتعلقة بالجفاف وارتفاع تكلفة إنتاج المياه، والطاقة، فإن هذه الدول تواجه كذلك تحديات بالغة التعقيد فيما يتعلق بضمان الحصول على المنتجات الغذائية من أسواق آمنة، ويعتبر برنامج قطر من التجارب الخليجية للأمن الغذائي، وهو يعمل للتصدي لمشكلات توفير الغذاء والمياه بطريقة فعالة ومستدامة.

وفي هذا الصدد تستضيف الدوحة منتصف الشهر المقبل المؤتمر الدولي حول الأمن الغذائي في الأراضي الجافة، الذي يعقد بحضور وفود وزارية تمثل 60 بلدا، و500 مشارك، خلال الفترة من 14 - 15 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ويعقد المؤتمر بتنظيم من «برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي» بالتعاون مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، والبنك الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في البحث في المناطق الجافة (إيكاردا)، ومعهد بحوث الطاقة في قطر التابع لمؤسسة قطر، والمجلس العربي للمياه، ومركز الدراسات الدولية والإقليمية في جامعة جورج تاون، ويعقد المؤتمر في مقر جامعة قطر.

وبالإضافة للدول العربية، ستشارك في المؤتمر الدول التي لديها أراض جافة وبينها: البرازيل، المكسيك، بيرو، ناميبيا، جنوب أفريقيا، ودول الساحل: تشاد، بوركينافاسو، مالي، وكذلك جمهوريات آسيا الوسطى.

وبحسب مسؤولين في المؤتمر، فإن الهدف الرئيسي للمؤتمر سيصوب نحو توجيه الأنظار لتطوير الزراعة في البلدان التي تعاني الجفاف وتبني التزام سياسي يطلق عليه «إعلان الدوحة».

ويجمع المؤتمر كبار المسؤولين الحكوميين وواضعي السياسات والباحثين والعلماء والخبراء والعاملين في مجال التنمية وممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية، واتحادات المزارعين والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات المالية الخاصة والعامة والصناديق والشركات الزراعية الخاصة، وسيركز المؤتمر في مداولاته على ثلاثة محاور: الأمن الغذائي، وإدارة كفؤة للمياه، وتشجيع الاستثمارات في القطاع الزراعي.

وفي مجال الأمن الغذائي، يسعى المؤتمر لتحقيق أعلى نسب من الاكتفاء الذاتي من الغذاء في بلدان الأراضي الجافة. ويقول تيسير الغانم، كبير مستشاري الرئيس لشؤون الاتصالات في برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي، لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر يسعى لتبني التزام سياسي تحت اسم «إعلان الدوحة» يلزم الدول المشاركة العمل على مدى عشر سنوات، حتى عام 2020 على رفع نسبة قطاع الزراعة في الإنفاق العام إلى 10 في المائة، وهو ما يسهم في جلب استثمارات إضافية خارجية، سواء من المستثمرين في القطاع الخاص أو من مؤسسات دولية.

وليس بعيدا عن مؤتمر الأمن الغذائي، تستضيف الدوحة مؤتمر المناخ الـ18 الذي يعقد بعد هذا المؤتمر بأسبوع، ويتوقع أن يدعو لإطلاق «الصندوق الأخضر» الذي يركز مساعدة البلدان النامية على تطوير اقتصاديات خضراء، والاستثمار في مجال التخضير والزراعة. وكانت الجولة الأخيرة لمؤتمر المناخ في «دوربان» بجنوب أفريقيا، أقرت اعترافا ضمنيا بأهمية الزراعة للتخفيف من انبعاثات الغازات المسببة لتغير المناخ والتأقلم مع التغيرات المناخية، وفي المؤتمر المقبل بالدوحة سيتم الدعوة لتخصيص حصة لدعم الاستثمار في مجال الزراعة في المناطق الجافة. وتمثل المناطق الجافة 40 في المائة من اليابسة يعيش فيها نحو ملياري نسمة.

ويقول الغانم، إن العمل الذي يسعى المؤتمر للتأكيد عليه هو تعزيز الاستثمار في القطاع الزراعي، فقد انخفضت حصة قطاع الزراعة خلال السنوات الماضية إلى أقل من 4 في المائة من الإنفاق العام. في حين بلغت فاتورة الواردات الغذائية في العالم العربي أكثر من 38 مليار دولار في عام 2010، ومن المتوقع أن تصل إلى 75 مليار دولار عام 2030. وأضاف أن الإنتاج العربي من الغذاء لا يغطي سوى أقل من نصف الاحتياجات، في حين يتعين التوجه للأسواق الدولية لتغطية النصف الباقي، معتبرا أن هذه الأسواق تواجه تقلبات وتهديدات متواصلة مثل حوادث الحرائق في روسيا التي حدت من قدرتها على تصدير القمح، أو الجفاف الذي ضرب الولايات المتحدة.

وبالنسبة لقطر، كما معظم دول الخليج العربية، وأجزاء من الجزيرة العربية، فهي تقع في بقعة من أكثر بقاع العالم جفافا، حيث يصعب إنتاج الغذاء، لذا تعتبر عرضة للمشكلات الغذائية بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية التي تصل إلى نسبة 90 في المائة من حاجاتها. كما أن حجم البلد ومحدودية مناطق التخزين ومرافق التعبئة يزيد من صعوبة حصول الدولة على مزيج متنوع من الواردات.

ويهدف برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي الذي تأسيس في 20 نوفمبر 2008 إلى تحقيق الأمن الغذائي في قطر بنسبة عالية بحلول عام 2023 من خلال خلق اقتصاد زراعي قوي قائم على المعرفة. وتتضمن هذه المحاور الاقتصادية الزراعة والمياه والطاقة المتجددة والغذاء، ويتضمن الأمن الغذائي، التخزين الاستراتيجي، والصناعات الغذائية، ويعمل كل واحد من هذه المحاور ضمن برنامج مستقر قوي وشامل.

كما يهدف البرنامج تطوير خطة عمل واضحة تواكب تطور البرنامج، وتؤمن فرص العمل والنمو وإنشاء وحدة لاستنباط الأفكار تسعى إلى تطبيق أحدث التقنيات في مجالات الزراعة والطاقة المتجددة وتحليه المياه، وتسعى إلى تطوير سياسة وطنية شاملة وموحدة ليس على الصعيد الزراعي فقط، بل أيضا لرفع مستوى حماية الواردات الغذائية لتتوافق مع مبادئ رؤية قطر الوطنية 2030 والتزامات قطر كدولة عضو في منظمة التجارة العالمية ومجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى اعتماد سياسة إنمائية شفافة تشمل مساهمات من القطاعين العام والخاص.

وفي لقاء بمكتبه في الدوحة، تحدث فهد العطية، رئيس برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي، لـ«الشرق الأوسط»، عن استراتيجية قطر في تأسيس هذا البرنامج، يقول العطية: «تقف وراء تأسيس البرنامج رؤية تؤكد التزام في جعل قطر مكانا أكثر أمنا للعيش فيه، مع الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية من خلال تطبيق التكنولوجيا الخضراء في كافة قطاعات الدولة».

ويقول العطية: «لكي نضمن أن لدينا حلولا طويلة الأمد لتحديات الأمن الغذائي، فإنه يتم بناء إطار عمل برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي وفقا للاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتنوع الاقتصادي والشراكة بين القطاعين العام والخاص».

ويضيف: «نفهم الأمن الغذائي باعتباره امتلاك زمام التحكم في مقدرات ومصير الوطن بحيث لا يصبح بيد الآخرين، وهو أن يتوفر لكل شخص وفي جميع الأوقات إمكانية الحصول على كميات كافية من الأغذية عالية النوعية والتحكم بها بشكل يوفر له حياة صحية نشطة». وفي مورد آخر يقول: «إن الأمن الغذائي الوطني هو حلقة من حلقات الأمن الغذائي الإقليمي، وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن معظم هذه الدول تعتمد اعتمادا كبيرا على استيراد الغذاء من الخارج. ومن هنا تأتي أهمية تحقيق مبدأ الاكتفاء الذاتي والتقليل من الاعتماد على الواردات الغذائية». وبما أن الأمن الغذائي هو الركيزة التي أنشئ من أجلها البرنامج، حيث يتم العمل على الاستغناء عن استيراد كميات كبيرة من السلع واستبدالها بالإنتاج المحلي، فإنه يركز على تنمية أربعة محاور اقتصادية هي: الطاقة المتجددة، والمياه، والزراعة، والغذاء. أما وسائله لتحقيق هذا الهدف فهي: توفر كميات كافية من الغذاء المنتج محليا والمستكمل بمواد مستوردة متوفرة بشكل دائم. وإتاحة الغذاء، بحيث تتمكن كل فرد أو بيت أو منطقة من الحصول عليه. والانتفاع من الطعام، عبر قدرة سكان أصحاء الحصول على طعام صحي.

ويتحدث العطية عن المراحل التي قطعها البرنامج، فيقول: «مر البرنامج بمرحلتين؛ الأولى التخطيط الشامل ورسم السياسات والاستكشاف والتي تم من خلالها جمع البيانات وتقييم قابلية البرنامج للتنفيذ وتحديد المساهمين الرئيسيين. بينما ركزت المرحلة الثانية على تطوير وإجراء الأبحاث المفصلة في المناطق الأولية. وستتضمن (الخطة الرئيسية الشاملة) توجيهات ومبادرات بشأن الإنتاج الزراعي المحلي، ومراكز الصناعات الغذائية، والإمدادات المائية والصحة والأنظمة والتشريعات والأبحاث والتنمية والتعليم والصناعة (التكنولوجيا المائية المتجددة)، والتخزين الاستراتيجي».

وأهم ما يسعى البرنامج لتحقيقه، هو «المعرفة» وامتلاك القدرات العلمية التي تؤهل العاملين لتسخير الإمكانيات في سبيل توفير المياه، والزراعة، والغذاء، والطاقة المتجددة. وقد قام البرنامج بجمع وتنسيق وتحقيق عدد من البيانات والأبحاث، وأطلق الدراسات والأنشطة البحثية، علاوة على إطلاقه رحلات للتدريب وتقصي الحقائق بحثا عن المعرفة اللازمة، والتعاون والشراكة وعقد النقاشات. كما ساعد البرنامج على تأسيس منبر لتطوير الأفكار المتعلقة بالتنمية المستدامة من خلال تحقيق الأمن الغذائي، وذلك لتقديم تقنيات مبتكرة وفعالة.

ويقول العطية: «يمكننا الاستفادة كثيرا من التكنولوجيا القائمة عبر الشراكات الدولية مع البلدان النامية المتقدمة في مجال البحث الزراعي والتكنولوجي، الأمر الذي يضمن تدفق المعرفة والخبرات». ويضيف: «إن التحديات الفريدة لدولة قطر وقدرتها على تنفيذ البرامج الرائدة المهمة ستساعد الكثير من البلدان النامية والمتطورة، والتي تواجه نفس التحديات، من الاستفادة نسبيا من هذه الحلول». وفي مجال الطاقة المتجددة، يسعى البرنامج لاستخدام مجموعة متنوعة من مصادر الطاقة النظيفة ومشاريع الحد من الكربون لإطلاق عملية مستدامة وصديقة للبيئة. وقام ببناء محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، وتقوم سياسة البرنامج على الحد من اعتماد البلاد الاقتصادي على الموارد الهيدروكربونية وتطوير الاستدامة البيئية وإنشاء مجتمع قائم على المعرفة.