بداية القصة عندما أصرت مجموعة من الفتيات الأفغانيات على تخطي كل الحواجز المعنوية والحسية التي يعايشنها في بلدهن، وحضرن إلى العاصمة الهندية نيودلهي للمشاركة في بطولة «كأس سوبروتو» لكرة القدم.
وطالما أن الموضوع متعلق بكرة القدم، فمن البديهي أن يكون نجوم هذه اللعبة هم الإلهام والمحفز لهؤلاء الفتيات؛ فكان كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي حافزا لأحلامهن الكروية، لكن هذا لم يمنعهن في الوقت نفسه من أن يكن شغوفات بنجوم «بوليوود» شاروخان وسلمان خان وآكشاي كومار.
حضور بطولة «كأس سوبروتو» لكرة القدم في نيودلهي كانوا بمثابة شهود عيان، عندما لفت نظهرهم فتيات مراهقات نزلن إلى أرض الملعب وقد ارتدين أغطية الرأس ولباسا كاملا لتمثيل مدرسة بلخي الثانوية، يلعبن كرة القدم كالمحترفين، وكانت المفاجأة أنهن أفغانيات.. نعم هن كذلك، وهذا يعني الانتصار لحقوق المرأة في ذلك البلد بعد طول انتظار.
وكانت الفتيات اللاتي يتفهمن الموقف السياسي المضطرب في البلاد وهويتهن الدينية، شغوفات بالاستمتاع في أرض أحلامهن (الهند)، التي يعرفونها من خلال أفلام بوليوود.
وتقول قائدة الفريق زارافشان، التي تتحدث الأوردية بطلاقة، والطالبة في الصف العاشر الناضجة بما يكفي لتحمل المسؤولية بوصفها متحدثة باسم الفريق ومترجمته، إن تشكيل فريق لكرة القدم للنساء كان أمرا مستحيلا في ظل حكم طالبان الذين كانوا يقتلون الفتيات إذا خرجن من المنزل. الآن، لا تخشى هي وزميلاتها طالبان.
وتقول بفخر زاعمة أن هناك أكثر من 18 فريقا لكرة القدم في كابل: «عندما كنت طفلة كنت أخشى من الخروج من منزلي، لكننا الآن نتمتع بالديمقراطية، والشرطة في كل مكان. اللاعبات في هذا الفريق لم يعدن يشعرن بالخوف على الإطلاق. ونحن نثق في قوات الشرطة، وهم يؤكدون لنا أنهم لن يسمحوا بوقوع شيء لنا».
الفتيات من مدرسة كابل يأخذن موهبتهن بجدية شديدة؛ فالدموع الغزيرة التي ذرفنها عند كل هزيمة أظهرت شغفهن بالرياضة، كما تمثل كرة القدم بالنسبة لهؤلاء الفتيات ساحة للتعبير عن مشاعرهن، وما إن كن بحاجة إلى تحدي التقاليد وممارسة رياضة تعتبر ميدانا للرجال في أفغانستان.
ولدى سؤالهن عن نظرة آبائهن لممارستهن كرة القدم، قالت ياسمين، إحدى اللاعبات في الفريق: «في البداية رفضوا رفضا صريحا، لكن الفضل يرجع إلى مدرب الفريق الذي حضر وتحدثت معهم ووافقوا. والناس الذين كانوا في السابق يرفضون ممارسة أي نشاط من هذا النوع يتمنون لنا التوفيق الآن».
بيد أن الفتيات الأفغانيات لا يتدربن مع البنين، وقالت الفتيات معبرات عن ارتياح للفكرة: «نحن مسلمات، وكل منا يلعب على حدة».
المدرب فيض محمد نضيري، حارس مرمى المنتخب الأفغاني السابق والرجل الوحيد مع الفريق واجه أوقاتا عصيبة في إقناع الآباء بالسماح لبناتهم بممارسة كرة القدم. وكانت الفتيات يتدربن في الساعة الخامسة قبل المدرسة.
ويقول نضيري: «كانت تجربة لاكتساب المزيد من المعرفة، حيث تعرضت الفتيات لكرة قدم تنافسية وثقافة الهند. وقد قضينا وقتا رائعا».
وعند سؤالهن عما إذا اللعب بالحجاب واللبس الرياضي الكامل يعيق أداءهن؟ قالت بعض الفتيات: «كلا على الإطلاق، فقد اعتدنا عليه».
في بداية العام الحالي، تمكن فريق كرة القدم النسائي الأفغاني من الوصول إلى نصف نهائي بطولة «إس إيه إف إف» لكرة القدم النسائية لعام 2012 في سريلانكا.
وتقول ليلى آماغان، الفتاة الخجولة التي تتخذ من رونالدو مثلها الأعلى في كرة القدم: «نعم، سيكون غير صحيح إن قلت إننا لم نكن خائفين من الانتقادات التي سنتعرض لها في أفغانستان من الجماعات نفسها التي لا تزال في أفغانستان. لكننا إن واصلنا نضالنا في وجه السلاح، فنحن على يقين من أن مهمتنا في ترويج الرياضة بين النساء في أفغانستان ستكلل بالنجاح. ونحن فخورون بأننا أول فريق رياضي نسائي من أفغانستان يقوم بهذه المبادرة».
تشكل منتخب أفغانستان لكرة القدم للسيدات في عام 2004 من مجموعة منتقاة من طالبات مدارس العاصمة كابل. وفي ظل المساعدات التي تقدمها دول مثل ألمانيا وأميركا وهولندا، يسير منتخب كرة القدم للسيدات على الطريق ليتحول إلى منتخب قوي.
في الوقت الراهن يوجد 18 نادي كرة قدم نسائية في أفغانستان، وتقام بطولتان سنويا يتم خلالهما ضم العناصر الجيدة إلى المنتخب الوطني.
وقد قدمت الفتيات الأفغانيات عرضا رائعا في بطولة «إس إيه إف إف» لكرة القدم عام 2012 التي كانت البطولة الثانية لهم. وعلى الرغم من وصول منتخب أفغانستان للرجال لنهائي البطولة بعد 40 عاما من تشكيله، فإن الفريق النسائي تمكن من الوصول إلى النهائي عقب 8 سنوات من تشكيله.
وبالعودة إلى الوضع في أفغانستان، نجد أن هناك نقصا كبيرا في البنية التحتية والمرافق الأساسية للرياضة، علاوة على أنه لا يوجد سوى ثلاث مدن فقط؛ هي هيرات وكابول ومزار شريف، يسمح فيها بممارسة الرياضة للفتيات. وتتدرب الفتيات على الملعب التابع لحلف شمال الأطلسي بعدما سمح لهن الرئيس حميد كرزاي بذلك بعد الأداء المبهر لهن أمام المنتخب الباكستاني في إحدى المباريات الودية. والآن، بدأ الفريق القومي للسيدات يسافر للخارج للتدرب ومنافسة المنتخبات الأخرى، وبدأت الأمور تتحسن، حتى وإن كانت بوتيرة بطيئة.
وقالت نجمة خط وسط الفريق معصومة: «من الصعوبة بمكان أن تلعب هنا، لأنه لا يوجد ملعب جيد ولا الأدوات الرياضية اللازمة لممارسة كرة القدم في كابل. ونضطر للعب على ملاعب خراسانية وصغيرة للغاية. هناك ثلاث مدارس في كابول لديها فرق كرة قدم للفتيات أصغر من 17 عاما، ولكن دائما ما تكون الأسبقية للبنين، ولا يسمح لنا باللعب في الحدائق ولا يمكننا الخروج من المنزل بعد الساعة الثامنة».
وتقول ياسمين إن معظم الفتيات يلعبن الكرة الطائرة أو كرة السلة، وبعضهن رائعات في لعبة الكريكيت، مثل اللاعبة شازيا التي كانت تعشق لعبة الكريكيت وانضمت لفريق كرة القدم، واتضح في ما بعد أن هذا القرار كان صائبا لأنها أصبحت واحدة من أفضل اللاعبات في الفريق.
ولم يكن معظمهن قد سافر خارج أفغانستان من قبل، وكن جميعا يتشوقن للسفر إلى الهند بالتحديد، وعن ذلك تقول قائدة الفريق زارافشان: «كنا نشاهد الهند من خلال الأفلام الهندية فقط. شاهدنا العديد من الأفلام وكنا نود المجيء إلى مدينتي أغرا ومومباي لمشاهدة تاج محل والبحر، وكانت هذه الزيارة بمثابة حلم بالنسبة لنا جمعيا. إنه لشيء رائع أن نشاهد الطرق السريعة والنباتات الخضراء على جانبيها. وكانت هذه الرحلة بمثابة راحة لنا جميعا، ونحن في غاية الحزن بعد خسارتنا في البطولة».
وتعشق زارافشان، التي تزور الهند للمرة الثانية، السينما الهندية وتعرف بعض الكلمات الهندية نتيجة متابعتها لأفلام بوليوود باستمرار. وقالت زارافشان إنها ستسعى خلال المرة المقبلة لها في الهند إلى مشاهدة نجوم السينما الهندية، مضيفة: «خلال المرة المقبلة لي في الهند سوف أذهب إلى المكان الذي يوجد به كل نجوم السينما الهندية. إنني من أشد المعجبين بالنجم الهندي سلمان خان، وقد شاهدت فيلم (الحارس الخاص) عشر مرات، وأعشق السينما الهندية».
وقالت ربيعة: «أنا مبهورة بتحرر المرأة الهندية، فهي تقود الدرجات البخارية وتسير وحدها وتتسوق وتلهو كما تشاء. وأتمنى أن تتحسن الأمور بالنسبة للمرأة الأفغانية، على الرغم من أن الوضع الحالي أفضل بكثير من أيام حركة طالبان».
وفي الواقع، تتحسن الأوضاع كثيرا بالنسبة للمرأة الأفغانية بمرور الوقت، وسواء نجحت الأفغانيات في إثبات وجودهن في تلك المسابقات أم لا، فإن الشيء المؤكد هو أنهن قد نجحن في فتح الباب على مصراعيه أمام الأجيال المقبلة من الأفغانيات لممارسة الرياضة، في حين يتعين على الحكومة ضخ استثمارات جديدة في هذا المجال.