مساحة «الآن» الفنية تطلق نشاطاتها بمعرض «القوة الناعمة»

تحتفل بأول مشروع للفنون المعاصرة بالرياض

TT

افتتح الأسبوع الماضي بالرياض معرض «القوة الناعمة» في مساحة «الآن» الفنية وهو مبنى وغاليري للفنون المعاصرة، الذي أشرفت عليه المنسقة والناقدة سارة رضا، التي تتخذ من لندن مقرا لها. شارك في المعرض كل من سارة أبو عبد الله وسارة العبدلي ومنال الضويان جميعهم من السعودية وتنطوي تجاربهم حول استكشاف التفاعلات الحاصلة بين الحياة اليومية وسياسة تحديد الهوية والانحياز إلى الجندر (الجنس)، وجاء في بيان المعرض أن الأعمال «تتسم بالمفارقة وأحيانا بالمرح لسبر أغوار وضع النساء داخل المجتمع السعودي المعاصر» وهى «التيمة» التي التفت حولها التجارب مجتمعة لتجسد رسالة تحمل في طياتها هما مشتركا عند المرأة استحضرته بلاغتهم الحسية في مضامين وأنساق تتصل بالتيارات البصرية الجديدة. ففي حين تستخدم كل من سارة أبو عبد الله وسارة العبدلي الوسائط الرقمية المتعددة، أما منال الضويان فقدمت عملا تركيبيا، مما ساهم في تعزيز مبدأ المقاربات النظرية بينهما والتي تندرج في إطار التيارات المفاهيمية على الرغم من التباين الواضح بين في التجارب الثلاث من حيث الأسلوب والمنهجية.

تطرح تجارب المعرض حالات تتعلق بالسلوك الإنساني تجاه المرأة فمثلا تطرح الضويان مسألة الكشف عن اسم المرأة في المجتمع المحلي بشكل طبيعي خاصة عند الذكور التي جرت العادة أن يختصر بالقول شفاهية إما بالأخت أو الأم أو الزوجة أو نحوهما من دون ذكر اسمها الصريح، تطرح منال تلك المسألة للمناقشة عبر الفن، لتقترح أنه لم يعد يجدي أن يتحرج أو يتعفف الناس من ذكر اسم بصورة صريحة، خاصة في اللحظة الزمنية الراهنة، ولهذا اختارت المسبحة ودونت على حباتها أسماء أنثوية كدلالة أو إشارة تسعى من خلالها على الوقوف على مسألة المفاهيم التقليدية السائدة عن غياب تناقل اسم المرأة في الحياة اليومية من دون اعتبار لمكانتها في المجتمع المعاصر والعمل يحمل في طياته دلالة إنسانية ورسالة هادفة وبناءة وجاءت أعمال سارة أبو عبد الله وسارة العبدلي وهما فنانتان ناشئتان متقاربة في استخدام الوسائط الرقمية المتعددة وتتناول أبعادا ذات علاقة بمتطلبات المرأة فرضتها التحولات والمتغيرات الجديدة في بنية المجتمع السعودي ففيما تتناول العبدلي وضع المرأة برؤيتها الخاصة التي تعكس كثيرا من التناقضات وهي تتناول كثيرا من الجوانب عن التناقضات في ممارسات صورة المرأة الثقافية السائدة والتي ينبغي أن يدرك المجتمع أنها تتغير بشكل متسارع أو تغيرت بفعل الوعي الثقافي خاصة بعد أن أصبحت المرأة تلقى تعليمها في العواصم العالمية وتقدم سارة أبو عبد الله فيلم فيديو «أرت» يطرح مسألة العلاقة بين سيارة محطمة وامرأة تلتمس مداعبتها ومحاورتها بلطف، وقد خضبت السيارة بلون وردي إشارة إلى أن رهافة وحساسية هذا اللون أقرب إلى قلب المرأة، ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن المفاهيم التي تنطوي عليها الرسائل التي اختارتها الفنانات وخاصة عند سارة أبو عبد الله قد شكلت في السنوات الأخيرة جدلا واسعا في الشارع العام المحلي غير أن طرحها في المعرض جاء محايدا يتجنب المبالغة في إثارة المفاهيم الصدامية التي تحرض على مبدأ المواجهة فيما تسمح للجميع بحق تعدد الآراء التي تعبر عن مسألة التضامن أو الغموض أو التهكم أحيانا.

لهذا جاءت الأعمال الفنية في المعرض لتمثل أرضية مناسبة للحوار ولتبادل الآراء حول الفكر الراهن والسائد في أوساط الفن المعاصر إضافة إلى نشر وتبادل ثقافة الأعمال البصرية الجديدة داخل السعودية، وبالتالي فإنها ستعمل على لم شمل الفنانين والممارسين لهذه الثقافة لتصبح لديهم منصة ملهمة لصناعة الأفكار، وخلق نوع من التناظر والنقاش والمشاركة في الحوارات وورش العمل التي أخذت تشق طريقها في الواقع البصري المحلي فيما تجسد هذه الممارسة ما تمثله مساحة «الآن» الفنية من التزام رئيسي بالتعليم والمشاركة والحوار.

وبالتزامن مع معرض القوة الناعمة سيتم تدشين مشروع أطلق عليه «جدار المشاريع» الجوال الذي يهدف إلى توفير الأرضية التي تتيح للفنانين والمصممين الشباب وطلاب الجامعات والمدارس فرصة عرض أعمالهم الفنية من خلاله، وقد حصلت الفنانة سارة العبدلي على أول تكليف خاص بالجدار ستتولى من خلاله مهمة ابتكار عمل ينهل من الثقافة الشعبية العربية.

وفي سبتمبر (أيلول) المقبل سوف تحتفل مساحة «الآن» الفنية بطرح جريدة «همز» وهي دورية ثنائية اللغة تعنى بتسليط الضوء على الأنشطة الفنية داخل السعودية وخارجها وستكون بمثابة همزة الوصل مع متذوقي ثقافة الفنون البصرية.

إلي جانب ذلك سيتولى المشروع مهمة الأخذ بيد الفنانين والمصممين الناشئين والمعاصرين من داخل المملكة العربية السعودية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها، ويوفر أرضية تجارية للفنانين من خلال ما يقيمه من المعارض المتجولة، كما يوفر منتدى تربويا غير هادف للربح سيكون مخصصا للفنانين والمبدعين الممارسين ومشجعي الفنون، والشباب الذين يتابعون دراستهم في المدارس والجامعات المحلية وكذلك لعائلات المدينة وأطفالها، كما يتضمن مرافق أخرى «كالمجلس» وهو ملتقى يحتوي على مقهى ومكتبة مستوحى من صالونات ومجالس الضيافة العربية التقليدية وستتوفر في المكتبة كتب ومجلات ومراجع فنية متخصصة حول الفن والتصميم المعاصرين، ومن المرافق الأخرى هناك فضاء لعقد الحلقات الدراسية والحوارات العامة والمناظرات والدورات القصيرة حول الفن والتصميم المعاصرين، وسيتم دعم هذه الحلقات باستضافة نخبة من الخبراء المختصين المحليين والدوليين ولن يقف المشروع عند هذا الحد بل سيتم العمل بالتعاون مع المعارض والمتاحف ومؤسسات الأعمال المرئية والمطبوعات من أجل إنتاج المشاريع ذات الطابع الإبداعي.

من جهة أخرى يعتبر مساحة «الآن» الفنية أول مشروع فنون معاصرة في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض، وتأتي هذه الانطلاقة لتعكس قوة المشهد الثقافي الفني والشعور السائد بأن ولادة مثل هذا المشروع ضرورة طال انتظارها من أجل إبراز إبداع الفنانين من الجنسين ودعم عجلة الفنون ومسيرتها، التي بدأت تتألق في غير مناسبة دولية.