مجتمع للنساء فقط في ولاية ميغالايا الهندية

فيها يحارب الرجال من أجل الحصول على حقوق متساوية مع النساء

إحدى الأسواق بولاية ميغالايا حيث تقوم النساء بتولي زمام الأمور
TT

«إنها فتاة»، ثم تعالت بعدها صيحات البهجة في الأسرة، حيث قام الجميع بتهنئة واحتضان بعضهم وأفواههم مليئة بالحلوى. إنه مشهد غير مألوف على الإطلاق في عنابر الولادة في العاصمة الهندية دلهي، حيث عادة ما يرى الناس أن إنجاب طفل ذكر هو الحدث الذي يستحق الاحتفال.

ولكن هذه الحالة مختلفة كليا، حيث إن عائلة المولود تنتمي إلى ولاية ميغالايا التي تقع شمال شرقي البلاد، والتي تسمى أيضا «دار الغيوم»، التي تسود فيها الثقافة الأمومية. ففي هذه الولاية، تصلي ربة المنزل من أجل أنجاب إناث، حيث إن استمرار عشيرتها يعتمد على بنات العائلة.

عادة ما ينظر إلى الهند على أنها بلد يتمتع فيه النساء بصفة مواطن من الدرجة الثانية ويعشن في ظل السلطة الذكورية، ولكن في ولاية ميغالايا، يضع المجتمع النساء في الطليعة، لدرجة أن الرجال يحاربون حقيقة من أجل الحصول على حقوق متساوية مع النساء.

وفي تناقض صارخ مع النظام الأبوي، عادة ما ينظر إلى العائلة التي ليس لديها ابنة في كاسي على أنها «أسرة ميتة»، وهو الوضع الذي يتسبب في إثارة الذعر بين العائلة.

وفي معظم أنحاء الهند، يصلي الآباء من أجل إنجاب الذكور. وحيث ينظر المجتمع إلى البنات على أنهن يمثلن عبئا على العائلة، ينتشر قتل الأجنة الإناث على نطاق واسع في الهند. أما في ميغالايا، فالوضع مختلفة تماما.

يعد مجتمع كاسي مجتمعا أموميا بامتياز، حيث يجري تجميع كل الأرباح التي يحققها الرجال والنساء سويا، ثم تتولى ربة الأسرة إدارة تلك الأموال، فضلا عن أن الممتلكات يتم توريثها من الأمهات إلى البنات. وفي بعض الحالات، تعمل المرأة كداعية دينية أيضا. وفي كاسي، يتم تتبع نسب العائلة عن طريق اسم الأم. وطبقا لقانون كاسي، لا يمكن إجبار المرأة على الزواج، فضلا عن أنها تمتلك الأطفال والعقارات.

تستطيع النساء في هذا المجتمع إنهاء الزواج بناء على رغبتهن، ولا يحق للرجال إبداء أي اعتراض. يحظر على الرجال وراثة الممتلكات العقارية، حيث إن كل العقارات التي يستطيع الرجال الحصول عليها قبل الزواج تكون ملكا لأمهاتهم، بينما تؤول ملكية كل العقارات التي يحصلون عليها بعد الزواج لزوجاتهم وبناتهم. يكتسب الرجال مكانتهم من لعب دور الخال، والذي من دونه لا تستطيع أسرة الأخت اتخاذ أي قرارات مهمة.

وفي منزل الزوجة، يلعب الرجل دور «الأب القادر والصامد»، فهو المؤسس والأداة التي خلقها الله لزيادة عدد قبيلته وأسرة زوجته وحمايتها من الانقراض. في العادة، يقوم الرجل بالنوم في منزل والدة زوجته، ويتوقع منهم الالتزام بالهدوء، بينما تحظى المرأة بالاحترام، وتكون بعيدة كل البعد عن الخضوع لأي شخص.

يرث البنات هنا كل ممتلكات عائلاتهن، حيث يذهب كثير من الممتلكات للبنت الصغرى، التي تصبح بدورها محط الاهتمام.

تعد ماري، التي تبلغ من العمر 42 عاما، البنت الصغرى في عائلتها، وبالتالي فهي البنت التي كان مقدرا لها العيش مع أبويها حتى ترث منزل العائلة. يعيش ألفريد، زوج ماري الذي يبلغ من العمر 36 عاما، في منزل عائلة ماري.

تقول ماري: «عندما يولد طفل، يعلم الجميع فقط من هي أم المولود». وبصورة جزئية، يرجع السبب وراء ظهور نمط الميراث الأمومي إلى حقيقة أن الرجال كان يتم استدعاؤهم في كثير من الأحيان، ولفترات طويلة، لخوض المعارك في الممالك المجاورة، حيث كانوا يغادرون منازلهم، تاركين مسؤولية الاعتناء بالأراضي الزراعية للسيدات، ولهذا، جرت العادة على توريث العقارات من الأم لبناتها.

تقول جوليا لينغدوه، التي تعمل في أحد صالونات التجميل في دلهي: «لا شيء يحدث في الأسرة إلا برغبتنا. يترك زوجي كل الأمور لي، وهو نفس الأمر الذي يحدث في الولاية بأكملها».

تؤكد باتريشا موكوم، وهي صحافية، أن موروثها الثقافي هو أحد الأسباب التي مكنتها من تبوء هذه المكانة، مشددة على إلى أن عادة استبعاد النساء من عملية اتخاذ القرارات السياسية، لا تزال تحدث بقوة في ثقافتها.

وكأم لثلاثة أطفال من ثلاثة أباء مختلفين ينتمون إلى مجتمع كاسي، كانت باتريشا أول من يعترف بأن الوضع الشاذ الموجود في مجتمعها هو ما وفر لها كثيرا من الفرص كي تكون أما وامرأة عاملة ناجحة.

تقول باتريشا: «توفر ثقافتنا ملاذا آمنا للغاية للنساء». وطبقا للمسح الوطني لصحة الأسرة في الهند، كانت ولاية ميغالايا هي أقل الولايات التي أظهر فيها الآباء رغبة في أنجاب أطفال ذكور، وهو ما يقل بنحو 73 في المائة عن المعدل الوطني. ونظرا لأن المهور أصبحت غير محددة، لا تتم ممارسة عمليات الإجهاض الانتقائي القائمة على أساس جنس الجنين وعمليات القتل المتعلقة بنوع الرضيع أو المهور.

وأظهر المسح أيضا أن النساء بتن يتمتعن بالاكتفاء الاقتصادي، وهو ما يحول دون تحولهن إلى متسولات إذا ما تركهن أزواجهن.

وفي الهند، حيث يعاني أكثر من ثلث أعداد النساء من العنف المنزلي، ربما تكون الامتيازات التي تتمتع بها النساء في كاسي أمرا يحسدن عليه.

ففي شيلونغ، عاصمة ولاية ميغالايا، يرتدي النساء التنانير عندما يذهبن إلى الكنائس، ويضعن أحمر الشفاه ويقمن بقيادة السيارات وهن يستمعن إلى الموسيقى بينما تكون نوافذ السيارات مفتوحة. يعبر الكثيرون عن سعادتهم بالبقاء من دون زواج، ولكن في بلد يتزايد فيه ضغوط الزواج في كل مكان، يعد هؤلاء الأشخاص استثناءا من القاعدة.

لن يستغرق الأمر منك سوى السير لمسافة قصيرة في أسواق ميغالايا كي تدرك مدى هيمنة النساء على التجارة والأعمال في كاسي. لا يرى غالبية السكان هنا أن هذه العادات تمثل أي ظلم، فالرجال لا يتحملون أي مسؤولية هناك، حيث إن كل ما ينبغي عليهم القيام به هو الأكل والشرب والعزف على الغيتار وإنجاب الأطفال. ولكن هل هم سعداء حقا بهذا الأمر؟ أنا واثقة من أن غالبية الرجال الذي يقرأون هذه المقالة سوف يعبرون عن سعادتهم على الفور بالقول: «واووو، هذه هي الحياة الحقيقية. إنه لأمر رائع!».

إن هؤلاء الرجال أبعد ما يكونون عن السعادة. لا يرغب الرجال المنتمون إلى قبيلة كاسي أن يتم التعامل معهم على أنهم آلات لإنجاب الأطفال. لقد سئموا حقا وصفهم بالجنس الضعيف، الذي تجري ممارسة التمييز ضده. إنهم يريدون التمتع بحقوقهم كرجال، لذا قاموا بإطلاق حركة «تحرير الرجال»، التي قد تكون الوحيدة من نوعها في العالم التي تحارب من أجل الحصول على حقوق الرجال. لم يعد الرجال المنتمون إلى قبيلة كاسي على استعداد للعب دور ثانوي إلى جانب الجنس اللطيف. فعلى مدى العقدين الماضيين، دخل هؤلاء الرجال في حرب غير تقليدية، حيث قام الرجال الغاضبون بتأسيس «مجموعة تحرير الرجال»، المعروفة اختصارا باسم «سي آر تي»، التي تطالب بالمساواة في حقوق ملكية العقارات للأبناء الذكور ومناداة الأبناء باسم الأب، وقيام الرجال بدور أكبر في العائلة.

شعر الفانسو، وهو زوج من قبيلة كاسي، بالضجر من القيام بالأعمال المنزلية ومن تحكم والدة زوجته فيه، لذا قام بالهرب إلى دلهي والعمل في أحد المطاعم هناك. يواجه الفانسو هذا الموقف الغريب منذ زواجه.

يقول الفانسو: «هل يمكنك تخيل مدى الصدمة التي تترتب على مغادرتك منزل عائلتك كي تتحول على نحو مفاجئ إلى عبد في منزل والدة زوجتك؟ هي من تعطي الأوامر، وأنت لا تعدو كونك خادما».